سمحت لنفسي ان استعير مقطعا من رواية الطيب صالح الشهيرة موسم الهجرة الى الشمال لاعبر من خلاله عن تلك الحالة من الانتقال الى مدارس وزارة التربية والتعليم من المدارس الخاصة.هذه الحالة التي بدأت منذ عدة اعوام وربما بلغت ذروتها في هذه السنة الدراسية التي فتحت فيها المدارس ابوابها للعام الدراسي :2009-2010 منذ اقل من شهر. وعبر هذه المقالة استطيع ان اتلمس الاسباب والنتائج التي حملت آلاف الطلبة الى الالتحاق بمدارس الحكومة قادمين من المدراس الخاصة. وكي استطيع كذلك ان اتلمس بعض الحلول التي يمكن من خلالها التقليل من هذه الظاهرة، والابقاء على عمل المدارس الخاصة كرديف فاعل ومساعد للتعليم العام. من المعروف ان رحلة العودة الى مدارس التربية ناشىء عن تزايد الالتزامات المادية والمالية لاولياء امور اولئك الطلاب، وعدم قدرتهم على الوفاء بهذه الالتزامات التي هي من الاولويات المقدمة على مصاريف ابنائهم في المدارس الخاصة. فهناك الاولى فالاولى .واولياء الامور مسؤولون بل مطالبون بالوفاء بكل هذه الالتزامات. اجرة المنزل، فاتورتي الماء والكهرباء، فاتورة الهاتف، نفقات التدفئة والتبريد، ارتفاع اسعار المواد الغذائية واجور المواصلات، حليب الاطفال ومستلزماتهم الصحية ونفقاتهم العلاجية..... الخ. وقد وجد المواطن ان البند الذي يستطيع ان ينفذ من خلاله الى التقليل من نفقاته هو المدارس الخاصة فالمدرسة هي المدرسة سواء اكانت حكومية او خاصة. وكذلك فان عدد الابناء المرسلين الى هناك في ازدياد مستمر، الامر الذي يتطلب المزيد من الانفاق وكذلك الارتفاع المستمر في اقساط المدارس الخاصة والناجم عن ارتفاع اسعار الخدمات ورواتب المدرسين وغير ذلك. هذه هي اهم الاسباب، اما النتائج فانه يمكن تلمسها في تراجع دور القطاع الخاص في كونه الرديف والمساعد للقطاع التربوي العام، الامر الذي يشكل ضغطا على مدارس الحكومة بما يشكله ذلك من حاجة الى المزيد من الغرف الصفية والمدرسين ووسائل التدفئة.. وبما يشكله ذلك من ازدياد عدد الطلاب في الشعبة الواحدة وما يتبعه من تراجع القدرة الاستيعابية للطالب، والقدرة الادائية الفاعلة للمدرس، ومن الجانب الاخر فان هذه الهجرة تحد من قدرة القطاع التربوي الخاص على القيام بدوره المساعد لمدارس القطاع العام. ومن هنا فان الوضع الطبيعي لمعالجة مثل هذه الظاهرة يبدأ من القطاع الخاص نفسه بتخفيض اقساط التدريس او تجميدها، والاكتفاء بهامش ولو قليل من الارباح ومواصلة اداء هذا العمل كرسالة تربوية هادفة لا كعملية تجارية محضة.اذ من شأن هذا الاجراء ان يزيد من اعداد الطلاب المنتسبين الى المدارس الخاصة، ثم يبدأ من هناك موسم معاكس للهجرة من مدارس الحكومة الى القطاع الخاص وفي هذا دعم للعملية التربوية بجناحيها الخاص والعام.