شــــيءٌ مـــا إسمــــه «الـــــذوق العـــام» ..!

تاريخ النشر : الأربعاء 12:00 19-9-2012
No Image

استجابتك المبدئية تمثل ذوقك!

إذا أنت رأيتَ مثلاً شجرة فاستحسنتَ مشهدها أو وجدتَها قبيحة ، ففي ذلك الشعور تكون استجابتك المبدئية التي تمثل ذوقك ، وفي ذوقك هذا بطبيعة الحال حكم جمالي على تلك الشجرة بألوانها وأبعادها وتناسق ساقها وأوراقها وأزهارها ، فأنت من خلال استحسان شكلها أو اعتباره قبيحاً حكمت حكماً ذاتياً على جمال هذه الشجرة وشعرت به . فالذوق يشمل الشعور بالاستحسان أو عدم الاستحسان عندما يتعلق بأي مُنبّه تلتقطه حواسّنا . وخذ مثلاً على ذلك انتباه بعض الأشخاص بذوقهم السليم إلى رائحة العرق التي تفوح من الأجساد ونفورهم منها وحرصهم بالتالي على النظافة ، بينما لا تُلفت هذه الرائحة آخرين من ذوي الذوق المتدني ولا تعني لهم شيئاً ، فهناك ذوق وحِسّ جماليّ يتعلق بالروائح..!


إبراهيم كشت - إذا أنت دخلت إلى سوق في حيّ شعبيّ في بيئة متخلّفة ، يغلُبُ أن تلمح أن الشوارع والممرات موحلة متسخة ، وأن القمامة ملقاة كيفما اتفق وأينما اتفق ، بحيث تشم الروائح الكريهة منبعثة من أكثر من مصدر ، وتسمع الأصوات صاخبة ومتداخلة ، وكثيراً ما تجد غلظة في ملامح الوجوه وتعابير الألسن وحركات الجوارح ، وتلحظ أن (الذوق العام) للذين يعيشون في هذه البيئة قد تقبّل تلك الصور والأصوات والأشكال والملامح والتعابير والروائح، ولم يُحسَّ أن فيها قبحاً ، ولم ينفر منها ، ولكن إذا دخل إلى هذه السوق شخص اعتاد على بيئة نظيفة هادئة مؤدبة ، فستجده قد نفر من تلك الصور والأصوات والروائح من حوله ، لأنه ألِفَ – غالباً - ذوقاً عاماً آخر سائداً في وسطه وبيئته .

محاولة لفهم معنى (الذوق العام) ...
إذن ، ثمة شيء ما اسمه (الذوق العام) ، تلمسُ آثاره ، وترى ملامحه ، وتشعر بأنه موجودٌ ذو خصائص ، ويمكنك أن ترسم معالمه ، وتصف سماته ،ولكن حين تريد أن تُعرِّفه ، لتؤكد لنفسك أن معناه محدد واضح عندك ، تبدأ خيوطه بالإفلات من بين يديك ، وتجد عُسراً ذهنياً في ربطها. وربما لهذا السبب تلحظ أن الكتابات حين تعرضُ إليه (أُعني الذوق العام) ، تشير إلى أثره ، وتبدي الحرص على سلامته وارتقائه ، ولكنها لا تغوص في كنهه ، ولا تبحث في أعماقه ، ولا تحاول تعريفه ، رغم أن التعريفات التي تتناول (الذوق) ذاته بالتوضيح والتفسير متعددة ، عندما لا يكون لفظ (الذوق) ذاك مضافاً إلى لفظ (العام) .
إذن ، حين نتحدث عن (الذوق) بمفرده ، وليس (الذوق العام) ، نجد تعريفات متعددة حاولت شرح مفهومه ، وهي تعريفات تضيق حيناً ، وتتسع أحياناً ، تختلف في مضمونها تارة، وتتوافق أو تتشابه تارات أخرى ، لكني سأحاول أن أجتهد بتعريف الذوق من خلال الدخول من باب مختلف ، وهو باب علم النفس ، فإذا كانت حواسنا هي من يستقبل المنبّهات على اختلافها ، ثم يقوم دماغنا بإدراك تلك المنبهات ، أي تفسيرها وإضفاء المعنى عليها ، وربطها بالخبرات السابقة ، وبالمزاج الحالي ، فإن (الذوق) فيما أرى يتعدى الإحساس بالمنبّه وإدراكه إلى الوعي به ، بمعنى الانتباه إليه والشعور به ، بل إن الذوق يتعدى مجرد الوعي إلى الاستجابة المبدئية للمنبّه ، وهي استجابة تأخذ شكل ارتياحنا لبعض المنبهات التي تأتينا من البيئة المحيطة أو عدم الارتياح إليها ، استحساننا لها أو استقباحها ، الميل المبدئي إليها أو النفور منها .

في الذوق حسّ جمالي ... وحكم جمالي :
قد يكون ذلك المُنبه الذي أشرنا إليه في الفقرة السابقة صورة في الوسط الذي حولنا ، تتلقاها العين ويدركها الدماغ ، أو قد يكون صوتاً أو رائحة أو مذاق طعام أو سوى ذلك ، فإذا أنت رأيتَ مثلاً شجرة فاستحسنتَ مشهدها أو وجدتَها قبيحة ، ففي ذلك الشعور تكون استجابتك المبدئية التي تمثل ذوقك ، وفي ذوقك هذا بطبيعة الحال حكم جمالي على تلك الشجرة بألوانها وأبعادها وتناسق ساقها وأوراقها وأزهارها ، فأنت من خلال استحسان شكلها أو اعتباره قبيحاً حكمت حكماً ذاتياً على جمال هذه الشجرة وشعرت به . فالذوق يشمل الشعور بالاستحسان أو عدم الاستحسان عندما يتعلق بأي مُنبّه تلتقطه حواسّنا . وخذ مثلاً على ذلك انتباه بعض الأشخاص بذوقهم السليم إلى رائحة العرق التي تفوح من الأجساد ونفورهم منها وحرصهم بالتالي على النظافة ، بينما لا تُلفت هذه الرائحة آخرين من ذوي الذوق المتدني ولا تعني لهم شيئاً ، فهناك ذوق وحِسّ جماليّ يتعلق بالروائح كذلك ، مثلما أن هناك ذوقاً وحساً جمالياً يتعلق بنكهة الطعام وباللمس ، بل بشكل السلوك وبالأفكار والفنون والعلوم كذلك .

في الذوق العام ... اتفاق ضمني
عفوي على ما هو جميل أو قبيح :
إذا اتفقنا على فهم معنى الذوق على النحو الذي تقدم ، أي على أن الذوق يمثل استجابة مبدئية للمنبهات التي تتلقاها حواسنا وندركها ونعيها ، وان هذه الاستجابة تتجلى في ذلك الميل إلى هذا المنبه أو النفور منه ، الأنس إليه أو الوحشة منه ، يمكننا القول أننا نلحظ أن ثمة ما يشبه الاتفاق الضمني بين أعضاء الجماعة في بيئة معينة على ما يستحسنونه أو يستقبحونه مما حولهم من صور وأصوات وروائح وسواها من المنبهات . إنه اتفاق عفوي غير مقصود على ما يحكمون عليه بأنه قبيح أو جميل ، وعلى ما يرتاحون أو لا يرتاحون لمشاهدته أو سماعه أو تلقيه بوجه عام. وهذا الاتفاق هو ما يجعل استجاباتهم المبدئية لما يحيط بهم في بيئتهم متقارباً ومتشابهاً من حيث ما يميلون إليه أو ينفرون منه ، وتلك الاستجابة المبدئية المتشابهة أو المتقاربة بين أفراد هذه البيئة حيال ما يحيط بهم من أصوات وصور ومنبهات أخرى ، هو ما نطلق عليه الذوق العام . وهكذا نلاحظ أن الذوق العام جزء من ثقافة المجتمع ، أي جزء من نمط معيشته وأسلوب حياته الذي ينطلق من قيم وأفكار متشابهة بين أعضائه .

الذوق العام المتعلق بالفنون :
يتعدى الذوق العام بطبيعة الحال تلك الصور والأصوات والروائح وسواها إلى الذوق المتعلق بالفنون بأنواعها بما فيها الآداب ، لأن محور الفن والأدب هو الجمال ، والذوق هو إحساس بذلك الجمال ، وحكم عليه . ويغلب أن تتشابه هذه الأذواق أو تتقارب بنسبة كبيرة لدى أفراد البيئة الاجتماعية الواحدة ، على نحو يمكننا من خلاله أن نلمس ملامح ذوق عام سائد في التعامل مع الفنون ، كما في الذوق المتشابه حيال الدراما والغناء مثلاً ، أو تجاه الشعر أو الرواية أو استخدام اللغة بوجه عام . كما يدخل في الذوق العام التقليعات (الموضة) السائدة في اللباس والمظهر والتعبير وما إلى ذلك ، ويمكن ملاحظة الذوق العام وتمييزه في مجتمع ما أو جماعة منه بشكل جليّ واضح ، عند ملاحظة أساليب تعبيرها عن أفراحها مثلاً، فالتعبير الصاخب من خلال إطلاق أبواق السيارات ، واستخدام مكبرات الصوت ، وإطلاق العيارات النارية ، وإعاقة سير المركبات في الشوارع ، يعبر عن مستوى معين من الذوق العام الذي نتحدث عنه.

وبعد :
صحيح أن الذوق ذاتي ، والجمال نسبي – كما كنا قد أشرنا في مقالة الأسبوع الماضي حين تحدثنا عن الجمال بشكل عام - ، لكن ثمة حقائق موضوعية في الحياة تحكم الذوق والجمال، فلا توجد ذاتية لا تقابلها حقائق موضوعية قائمة فعلاً في الواقع . ولو لم يكن الناس يتفقون إلى حد بعيد على معايير وقواعد موضوعية ، لما كانت للنقد في الفن والأدب قيمة ، ولا كان لتعلمهما لصقل المواهب أية أهمية ، ولو لم تكن ثمة قواعد موضوعية تحكم الذوق لجاز للشخص أن يرى القذارة والضجيج ونتن الروائح على أنها جميلة . وفي ضوء وجود مثل هذه القواعد والمعايير الموضوعية ، يجوز لنا أن نحكم على ذوق ما بأنه وضيع أو رفيع، راقٍ أو متدنٍ ، ويجوز لنا أيضاً أن ندعو إلى تربية الذوق السليم ، وندعو إلى الانتباه إلى مواطن الفساد في الذوق العام ونسعى إلى تغييرها ، وان نقول بأن للإعلام دوراً في إفساد الذوق العام أو إصلاحه ، والانحدار أو السمو به . وفي كل الأحوال فإن الارتقاء بالذوق العام هو ارتقاء بالثقافة وبالمستوى الحضاري ، كما أنه ينعكس ايجابياً على السمو بالأخلاق وأساليب التعامل مع الناس والأشياء والأفكار .

[email protected]

.alrai-related-topic { width: 100%; } .alrai-related-topic .wrapper-row { gap: 27px; flex-wrap: nowrap } .alrai-related-topic .item-row { padding-right: 1px; width: 280px; } .alrai-related-topic .item-row .item-info { padding: 15px 15px 28px 16px; border: 1px solid rgba(211, 211, 211, 1); height: 118px; } .alrai-related-topic .item-row .item-info a { color: #000; color: color(display-p3 0 0 0); text-align: right; font-family: Almarai; font-size: 15px; font-style: normal; font-weight: 800; line-height: 25px; text-decoration: none; -webkit-line-clamp: 3; -webkit-box-orient: vertical; display: -webkit-box; overflow: hidden; } @media screen and (max-width:768px) { .alrai-related-topic .wrapper-row { flex-wrap: wrap } .container .row .col-md-9:has(.alrai-related-topic) { width: 100%; } .alrai-related-topic { margin-top: 10px; } .alrai-related-topic .item-row { width: 100%; } }
.alrai-culture-art-widget{border-right:1px solid #d9d9d9;padding-right:11px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1 a{color:color(display-p3 0 .6157 .8745);text-align:right;font-family:Almarai;font-size:24px;font-style:normal;font-weight:800;line-height:39px;text-decoration:none;padding-bottom:5px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1{margin-bottom:26px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1::after{content:"";position:absolute;left:0;right:0;bottom:0;background:linear-gradient(90deg,rgba(0,85,121,.05) 0,#009ddf 100%);z-index:1;height:3px;width:100%}.alrai-culture-art-widget .img-row{width:100%}.alrai-culture-art-widget .img-ratio{padding-bottom:58%}.alrai-culture-art-widget .item-info{padding:23px 0}.alrai-culture-art-widget .item-info a{color:#000;color:color(display-p3 0 0 0);text-align:right;text-decoration:none}.alrai-culture-art-widget .item-row:not(:first-child)>a{display:none}.alrai-culture-art-widget .item-row a{color:#000;color:color(display-p3 0 0 0);text-align:right;text-decoration:none;-webkit-line-clamp:3;-webkit-box-orient:vertical;display:-webkit-box;overflow:hidden}.alrai-culture-art-widget .item-row:not(:last-child){border-bottom:1px solid #d9d9d9}@media screen and (min-width:1200px){#widget_1703 .alrai-culture-art-widget{border-right:0px;padding-right:0}}
.alrai-epaper-widget{margin-top: 20px; max-width:250px}
Tweets by alrai
.alrai-facebook-embed{margin-top: 70px;}
#widget_2097 .alrai-section-last-widget {padding-top:35px;margin-top:0;} .alrai-section-last-widget .row-element .item-row .img-ratio{ display:flex; } /* Horizontal scroll container */ .alrai-section-last-widget .full-col { overflow-x: auto; overflow-y: hidden; -webkit-overflow-scrolling: touch; width: 100%; } /* Flex container - critical changes */ .alrai-section-last-widget .content-wrapper { display: flex; flex-direction: row; flex-wrap: nowrap; /* Prevent wrapping to new line */ align-items: stretch; width: max-content; /* Allow container to expand */ min-width: 100%; } /* Flex items */ .alrai-section-last-widget .item-row { flex: 0 0 auto; width: 200px; /* Fixed width or use min-width */ margin-right: 7px; display: flex; /* Maintain your flex structure */ flex-direction: column; } /* Text handling */ .alrai-section-last-widget .article-title { white-space: nowrap; /* Prevent text wrapping */ overflow: hidden; text-overflow: ellipsis; display: block; } /* Multi-line text truncation */ .alrai-section-last-widget .item-row .item-info a { display: -webkit-box; -webkit-line-clamp: 3; -webkit-box-orient: vertical; overflow: hidden; white-space: normal; /* Allows line breaks for truncation */ } /* Hide scrollbar */ .alrai-section-last-widget .full-col::-webkit-scrollbar { display: none; } @media screen and (min-width:1200px){ .alrai-section-last-widget::after { transform: translateX(0); } } @media screen and (max-width: 768px) { .alrai-section-last-widget .row-element .content-wrapper { flex-direction: row !important; } .alrai-section-last-widget::after{ transform: translateX(100%); right:0; left:0; } }
.death-statistics-marquee .article-title a,.death-statistics-marquee .title-widget-2 a{text-align:right;font-family:Almarai;font-style:normal;font-weight:700;line-height:25px;text-decoration:none}.death-statistics-marquee .breaking-news-wrapper{width:100%;display:flex}.death-statistics-marquee .breaking-news{background-color:#7c0000;padding:22px 17px 24px 18px;color:#fff;text-align:right;font-family:Almarai;font-size:22px;font-weight:700;line-height:25px}.death-statistics-marquee .breaking-news-content{background-color:#b90000;padding:22px 18px 24px 21px;color:#fff;text-align:right;font-family:Almarai;font-size:22px;font-weight:700;line-height:25px;width:100%;position:relative}.full-container .marquee-container-widget:not(.relative-widget) .wrapper-row{position:fixed;width:100%;right:0;bottom:0;z-index:100000}.death-statistics-marquee .marquee-container-widget .title-widget-2{width:75px;background-color:#757575;color:#fff;height:60px;display:flex;align-items:center;justify-content:center}.death-statistics-marquee .title-widget-2 a{color:#fff;color:color(display-p3 1 1 1);font-size:15px;padding:16px 18px 16px 15px;display:block}.death-statistics-marquee .content-row:not(.content-row-full){width:calc(100% - 100px);background-color:#000}.death-statistics-marquee .content-row marquee{direction:ltr}.death-statistics-marquee .content-row .img-item{display:inline-flex;height:60px;align-items:center;vertical-align:top}.death-statistics-marquee .content-row .article-title{height:60px;display:inline-flex;align-items:center;color:#fff;padding:0 15px;direction:rtl}.death-statistics-marquee .article-title a{color:#fff;color:color(display-p3 1 1 1);font-size:17px}.death-statistics-marquee .title-widget-2{width:100px}#widget_1932{position:static;bottom:0;width:100%;z-index:1}