د.يوسف مصطفى مشعل - العلم أشرف ما طلب فيه الطالب، وأنفع ما كسبه الكاسب، لأن شرفه يُثمر على صاحبه، قال تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»، فمنع الله المساواة بين العالم والجاهل لما خُصَّ به العالم من فضيلة العلم قال تعالى: «وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ»، وفي الطبراني قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد به خيرا يفقهه في الدين، وإنما يخشى الله من عباده العلماء،كما روي عن النبي أنه قال: ( أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام، إني عليم أحب كل عليم ) وروى أبو أمامة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجلين أحدهما عالم والآخر عابد، فقال عليه السلام: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلا) قال علي بن أبي طالب: ( الناس أبناء ما يحسنون ) وقال عبد الملك بن مروان لبنيه: ( يا بني تعلموا العلم فإن كنتم سادة فقتم،وإن ككنتم وسطا سدتم،وإن كنتم سوقة عشتم).
وقال بعض السلف: ( إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علما يقربني إلى الله فلا بورك فيه).
وفي البخاري: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين،وقليل العلم خير من كثير العبادة،وكفى بالمرء فقها إذا عبد الله وكفى بالمرء جهلا إذا أعجب برأيه) وعن الرسول الكريم قال: ( ويبعث العالم والعابد فيقال للعابد أدخل الجنة، ويقال للعالم قف حتى تشفع للناس) ويقول عليه الصلاة والسلام: (يبعث الله العباد يوم القيامة ثم يميز العلماء فيقول: ( يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم لأعذبكم،إذهبوا فقد غفرت لكم ) وهذا في حق العالم العامل بعلمه.
فالعالم هو: الزاهد في الدنيا والراغب في الآخرة، والبصير بدينه، والمداوم على عبادة ربه، والورع ،والكاف عن أعراض المسلمين والعفيف عن أموالهم،والناصح لجماعتهم.
سأل رجل عالما فقال: العلم أفضل أم المال ؟ فقال: بل العلم، قيل: فما بالنا نرى العلماء على أبواب الأغنياء، ولا نكاد نرى الأغنياء على أبواب العلماء ؟ فقال: ذلك لمعرفة العلماء بمنفعة المال،وجهل الأغنياء بفضل العلم.
قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: من أشد الناس فتنة ؟ قال: زلة العالم إذا زل هلك بزلته عالم كثير.
وفي الحديث: ( ألا أخبركم عن الأجود والأجود ؟ الله الأجود الأجود، وأنا أجود ولد بني آدم وأجودهم من بعدي رجل علّم علما فنشر علمه يبعث يوم القيامة أمة وحده،ورجل جاد بنفسه حتى قتل).
وجاء في الحديث الحسن: ( تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة، تُقتص آثارهم ويُقتدى بفعالهم،ويُنتهى إلى رأيهم،ترغب الملائكة في خليتهم وبأجنحتها لتمسهم،ويستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه،وسباع البر وأنعامه،لأن العلم حياة القلوب من الجهل،ومصابيح الأبصار من الظلم،يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار،والدرجات العُلى في الدنيا والآخرة،والتفكر فيه يعدل الصيام،ومدارسته تعدل القيام،به توصل الأرحام به يعرف الحلال من الحرام،وهو إمام العمل والعمل تابعه،يُلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء.
