شهادة (بجروت) زرقاء

شهادة (بجروت) زرقاء

نير حسون(المضمون: في السنوات الأخيرة ازداد عدد سكان شرقي القدس الذين يفضلون البجروت والالقاب الجامعية الاسرائيلية. بعض الباحثين في العاصمة يشخصون في ذلك «أسرلة» وآخرون يعتبرونها هوية خاصة للمقدسيين تميزهم عن عرب اسرائيل وعن عرب الضفة على حد سواء  – المصدر).شبكة العلاقات بين اليهود والعرب في القدس تتحرك في السنوات الاخيرة في مسارين مصتدمين. فعملية الفتك في ميدان صهيون قبل نحو اسبوع ونصف هي مجرد مؤشر على تعاظم أعمال العنف والاعتداءات العنصرية في العاصمة. ولكن في نفس الوقت توجد أيضا ظاهرة معاكسة – ودراماتيكية بقدر لا يقل – تتمثل بأسرلة المجتمع الفلسطيني في شرقي المدينة. وتجد ذروتها في مجال التعليم. المزيد فالمزيد من الشباب الفلسطيني يتطلعون الى الدراسة في مؤسسات اكاديمية اسرائيلية، وكنتيجة لذلك سجل ارتفاع حاد في عدد سكان شرقي المدينة ممن يتقدمون الى بجروت (الشهادة الثانوية) وزارة التعليم. لم تنجح وزارة التعليم في أن تعرض على «هآرتس» معطيات دقيقة عن عدد الخاضعين للامتحانات من الفلسطينيين في شرقي القدس. ومع ذلك، حسب التقديرات، فقد سجل في السنوات الاخيرة ارتفاع بعشرات في المائة. معظم الفلسطينيين الذين يتقدمون الى البجروت الاسرائيلية المكيفة مع احتياجات الجمهور العربي – الاسرائيلي يفعلون ذلك بعد الدراسة في أحد معاهد التعليم الخارجية الكثيرة التي فتحت في شرقي المدينة في السنوات الاخيرة. في السنة الماضية بدأت تعمل في شرقي القدس مدرسة فلسطينية خاصة تقدم طلابها الى امتحانات البجروت الاسرائيلية فقط. كل العاملين في المجال، من اسرائيليين وفلسطينيين، متفقون على أنه حتى لو كان التغيير ينبع من أسباب تافهة كالتطلع الى مكان عمل افضل أو الرغبة في التأخر على الحواجز في الطريق الى الجامعات الفلسطينية – فان نتيجة العملية يمكن أن تكون تغيرا عميقا في هوية المجتمع الفلسطيني في شرقي المدينة. مثل هذا التغيير، بدوره، كفيل بان يكون ذا آثار سياسية بعيدة المدى. «اذا كان يتعين عليّ أن أشرح الظاهرة بكلمة واحدة: فهذه «البقاء»، تقول د. اسمهان المصري – حرزالله، الباحثة في الوسط العربي في معهد القدس للبحوث الاسرائيلية. «الحواجز في الجهاز تدفع نحو الأسرلة. السقف الزجاجي في سوق العمل المقدسي للفلسطينيين منخفض جدا». وبتقدير المصري – حرزالله يعمل اليوم في شرقي القدس ليس أقل من عشرة معاهد خاصة يتقدم فيها كل سنة عشرات عديدة من التلاميذ لامتحانات البجروت الاسرائيلية.أحد هذه المعاهد هو معهد انتَ معنا في الشيخ جراح. «يوجد لنا اليوم بين 60 الى 70 طالب وهذا يتسع، يقول مدير المعهد، عبد ابو رميلة. وعلى حد قوله، يعتقد الطلاب بان البجروت الاسرائيلية أسهل من التوجيهي الفلسطيني: «في البجروت الاسرائيلية توجد مرونة أكبر، يوجد تركيز واذا لم ينجح الطالب فيمكن اعادة الامتحان. هذا لا يوجد في التوجيهي».لفهم حجوم الثورة، يجب العودة الى السنوات الاولى ما بعد احتلال شرقي القدس. في ايلول 1967، عندما سعت حكومة اسرائيل الى فتح السنة الدراسية في شرقي القدس حسب المنهاج التعليمي الاسرائيلي، رفض ذلك بشدة المدراء، المعلمون والاهالي. ونشب اضراب تعليمي استمر سنتين، الى أن تنازلت حكومة اسرائيل ووافقت على تطبيق المنهاج التعليمي الذي كان متبعا في الاردن. ومع قيام السلطة الفلسطينية في التسعينيات، استبدل هذا بالمنهاج التعليمي للسلطة وبامتحانات التوجيهي. هذا الانتصار يعتبر مرحلة هامة في حفاظ السكان العرب في القدس على هويتهم الفلسطينية.معارضة المنهاج التعليمي الاسرائيلي في المدارس مستمر اليوم ايضا، وباستثناء شبكات التعليم الخاصة التي يعود أصلها الى الجليل (البارزة بينها هي كلية سخنين) والتي فتحت مدارس في شرقي القدس، لا تكاد تكون مدارس ثانوية تتقدم الى البجروت الاسرائيلي. بعض من المدارس الخاصة تعلم للثانوية الامريكية، البريطانية أو الفرنسية ولكن ليس الاسرائيلية. معارضة الامتحانات الاسرائيلية تأتي اساس من وزارة التعليم الفلسطينية، وهناك من يقول انهم في السلطة قلقون جدا من العملي ويرغبون في منعها. بل ومؤخرا بدأوا في السلطة يفكرون باصلاح في التوجيهي، ضمن أمور اخرى لوقف عملية الاسرلة في القدس. رغم المعارضة، في السنوات الماضية بدأت تعمل في بيت حنينا مدرسة خاصة تسمى رينسانس، المنهاج التعليمي فيها يتجه الى البجروت الاسرائيلية. «السكان يحتاجون الى اللغة والى الادوات لمواجهة واقعهم. ونحن نرى بان هناك مدارس اخرى تسير في أعقابنا»، يقول مدير المدرسة علاء الدين جابر. في السنة الاخيرة دعمت المدرسة مجموعة المبادرات الاجتماعية برزنتنس اسرائيل. «لا شك أن المدرسة لاحظت ألما حقيقيا في أوساط السكان ومن مصلحة المجتمع الاسرائيلي أن يكون تغيير في هذا المجال»، تقول المديرة العامة لبرزنتنس اسرائيل، نوريت تسور. ظاهرة الاسرلة في التعليم في القدس تجد تعبيرها ايضا في ارتفاع عدد الطلاب من شرقي القدس ممن يتعلمون في الجامعة العبرية والكليات الاسرائيلية في المدينة وخارجها. منذ العام 2000 ارتفع معدل الطلاب الفلسطينيين في كلية العلوم الطبيعية وفي كلية علوم الطب في الجامعة العبرية من 1 في المائة الى 10 في المائة. قبل نحو خمس سنوات اقاموا لانفسهم خلية طلابية مستقلة، وطن، تعمل  على نحو منفصل عن المنظمات الطلابية العربية من مواطني الدولة. أحد أسباب الظاهرة هو حقيقة أن المؤسسات الاكاديمية الاسرائيلية لا تعترف بالتوجيهي الفلسطيني في القبول للتعليم. في مرحلة لاحقة، فان من ينهي بامتياز تعليمه في جامعات الضفة  يتعين عليه أن يقاتل  كي تعترف اسرائيل بتأهيله. في السنة الاخيرة تدير مجموعة من عشرات  الاطباء الذين أنهوا تعليمهم في «القدس» صراعا ضد وزارة الصحة التي ترفض الاعتراف بهم كأطباء. وذلك رغم أن خريجي الجامعة الفلسطينية يحققون دوما علامات عالية جدا في اختبار الاجازة الاسرائيلية. اصلاحات التعليم «جسارة للبديل» و «افق جديد» تلزم مربيات الروضة والمعلمين بالحصول على القاب جامعية اسرائيلية. مئات عديدة من المعلمين يضطرون بالتالي الى اجراء تعديل لشهاداتهم في الكليات الاسرائيلية. «الناس يقولون لانفسهم لماذا يتعين عليّ أن أتعلم سبع سنوات اذا كان بوسعي أن أتعلم مباشرة في كلية اسرائيلية؟»، يقول حسام وتد، مدير مديرية المركز الجماهيري في بيت حنينا. «أنهيت التوجيهي بعلامة 69، ولكن هذا لا يهم الجامعة في شيء»، تقول هنادي القواسمي، ابنة 25 من بيت حنينا تعلمت الاعلام وادارة الاعمال في الجامعة العبرية. «لم أرغب في أن اجتاز سنة تمهيدية، ولكن في النهاية نجحت في أن أُقبل فقط استنادا الى البسيخومتري».البروفيسورة ميمي آيزنشتدت، رئيسة مدرسة الطلاب الاجانب في الجامعة العبرية، تشير الى أن عدد اصحاب شهادات التوجيهي ممن يتعلمون في المعهد التمهيدي للجامعة يزداد كل سنة. «لماذا يأتون؟ من أحاديث معهم يتبين أنهم يبحثون عن التعليم في أعلى المستويات. برأيي يرتبط هذا ايضا برسالة تسامح تأتي من الجامعة»، تقول آيزنشتدت. كما يلعب جدار الفصل دورا مركزيا في القصة. فقد أغلق هذا المعابر بين الضفة – بمؤسساتها الاكاديمية - وبين المدينة، والطلاب يفضلون الا ينتظروا كل يوم عند الخروج والدخول اليها. بل ان الجدار يفصل القسم المركزي من جامعة القدس، سفينة العلم للاكاديمية الفلسطينية المقدسية، عن معظم اجزاء المدينة. «كان عندي بديلان»، تضيف القواسمي، «انا اتعلم في الولايات المتحدة أو في الجامعة العبرية». واستبعدت الجامعات الفلسطينية منذ أنهت دراسة الثانوية. وعلى حد قولها، خلف القرار لا توجد دوافع سياسية، بل أساسا اعتبارات الراحة، ولكن «يمكن لهذا ان يؤثر على الهوية الفلسطينية وعلى أسرلة شرقي القدس». ومع ذلك تشير القواسمي الى أن الطلاب الفلسطينيين في الجامعة يحافظون على هويتهم الفلسطينية بل ويؤكدونها، وهكذا بانهم يحيون في كل سنة يوم النكبة والمناسبات الوطنية الفلسطينية. كنتيجة لهذه الظاهرة، يلاحظ المقدسيون مؤخرا تواجدا عربيا أبرز في الساحات العامة – في المجمعات التجارية وفي مركز المدينة. والقطار الخفيف ايضا، الذي يربط بين الشرق والغرب، يوجد له دور في هذه المسيرة. د. مايا حوشن، من معهد القدس تحرر منذ سنوات الكتاب الاحصائي السنوي للمدينة وتشير هي ايضا الى معطيات تدل على سياقات التغرب والاسرلة. وهكذا مثلا، خصوبة المرأة الفلسطينية انخفضت. قبل نحو عقد من الزمان، كان في العائلة الفلسطينية المتوسطة في المدينة 4.2 طفلا أما اليوم فلديها 3.9 طفلا فقط. وسجل ارتفاع أيضا في تعليم النساء وفي مشاركة النساء في قوة العمل. «يوجد ارتفاع في الطلب على العبرية، في الطلب على مؤسسات التعليم العالي اسرائيلية، فرص حياتهم في اسرائيل افضل بكثير اذا كان لديهم بجروت اسرائيلية ولديهم عبرية». ولكن حسب حوشن، يحتمل أيضا ان يكون تفسير آخر غير الأسرلة. يحتمل أن يكون هذا تغيير في مفاهيم الشباب الذين يفضلون الحياة اليومية والعملية على الكفاح الوطني». د. هيلل كوهن، الباحث في المجتمع الفلسطيني في القدس، يقترح أيضا تفسيرا بديلا، بموجبه هذا خلق لهوية فلسطينية بديلة، تتميز عن هوية الضفة وعن هوية عرب اسرائيل أيضا. «لهذا آثار على الهوية، ولكن هذا نوع آخر من الهوية. والدليل هو أنهم أسموا الخلية الطلابية «وطن»». هآرتس