تلقيت العديد من التعقيبات عبر الهاتف أو البريد الالكتروني أو الموقع الالكتروني على مقالي السابق المعنون ب « المواطن العربي ونقص أوكسجين الحرية».
بعض التعقيبات مؤيد، وبعضها معارض لوجهة نظري، وتلك هي الحال الصحية التي نرنو إليها من تعميم حرية الرأي والتعبير مع الاحتفاظ بالاحترام المتبادل، والتأكيد على أن اختلاف الرأي لا يفسد الودّ.
وقد توقفت عند تساؤل بعض المداخلات عن قائل البيت الشعري الذي اختتمت به المقالة ومناسبته.
ولما كان الأمر يسيراً فقد وجدت من الأفضل أن أشير إلى ذلك كلّه في هذا المقال، وأورد القصيدة كاملة لتعم الفائدة.
إن قائل البيت المذكور هو: نصر بن سيّار الكناني (46-131هـ) الموافق (666-748م) والقصيدة من البحر الوافر وقد أرسلها إلى آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد يحذره فيها من تعاظم الثورة العباسية ضد الحكم الأموي.
ويذكر الجاحظ في ( البيان والتبيين) أن نصراً كان من الخطباء الشعراء ويُعَدُّ في أصحاب الولايات والحروب والتدبير والعقل وسداد الرأي.
وتشير كتب الأدب والتاريخ إلى أن نصراً كان آخر ولاة الأمويين على خراسان في أوائل العقد الأول من القرن الثاني للهجرة، وكان محنكاً حازماً، فاستشعر بوادر الانفجار ونذر الخطر، وكتب إلى يزيد بن عُمر بن هُبيره والي العراق، في تلك الأيام، يُعلمه في أبيات من نظمه، بما وقع في خراسان من الاضطراب، ويحذره من خطورة الوضع طالباً نجدته، فلم يسعفه لأنه كان مشغولاً بمجالدة الخوارج في العراق، فاستغاث بالخليفة في الشام، وأعلمه بحال أبي مسلم الخرساني وخروجه وكثرة من معه، ومن تبعه، وحذّره من غوائل الفتنة القائمة ودواهي الكارثة القادمة ولكن الخليفة كان منشغلاً بالفتنة التي وقعت في أيامه بين القيسية واليمنية، فلم يستطع نجدة واليه نصر بن سيار... ولكن الأخير لم ييأس فظل يكتب القصائد إلى العرب بالمدينة محاولاً استثارة هِمَمِهم للوقوف في وجه أبي مسلم الخرساني وخطره الداهم.. ولكن دون جدوى !
والقصيدة، لا تعدو أن تكون رسالة تحذير، لغتها عادية وألفاظها بسيطة، وصورها واضحة ومباشرة.. يقول نصر :
أرى خَلُلَ الرّمادِ وميض نار
ويوشك أن يكون له ضرامُ
فإن النّار بالعوديْن تُذْكَى
وإن الشرَّ مَبْدَؤُه كلام
فإنْ لم يُطْفِها عقلاءُ قومٍ
يكون وقودها جثث وهام
أقول من التعجب: ليت شعري
أأيقاظ أميّةُ أم ينامُ
فإن يقظوا فذاكَ بقاءُ مُلكٍ
وإن رقدوا فإني لا ألامَ
وإن كانوا لحينِهَمُ نياماً
فقل قوموا، فقد حان القيامُ
ففرّي عن رحالك ثم قولي
على الإسلام والعربِ السلامُ
وللبيت الأول أكثر من رواية ولكنها تتفق في المعنى المراد، وقد مرض نصر بن سيار في الريّ ثم رحل إلى ساوه، فمات فيها وعمره 85 سنة، وليكون موته دلالة على نهاية الدولة الأموية.
[email protected]