سؤال تقليدي، لكنه ينطوي على خوف حقيقي، إزاء السجالات التي باتت تطبع واقع رابطة الكتّاب والمتاريس التي بدأ الفريقان المتنافسان على الاستحواذ عليها، في اقامتها والتخندق فيها، في مسعى واضح لتأثيم الاخر أو شيطنته، والادعاء بالطهر والتفاني في خدمة الثقافة الوطنية.. طوت الرابطة هذا الشهر 35 عاماً من عمرها ولم تتغير اشياء كثيرة في بنيتها، ولم تستطع ان تسجل حضوراً ثقافياً مميزاً أو لافتاً اللهم الا في الدور الوطني المتميز الذي لعبته ببراعة الى ما قبل فترة التحول الديمقراطي والتي استطاعت من خلاله ان تصوب الكثير من ''العناوين'' وان تؤشر على الكثير من الاخطاء وأن تعلي من راية القيم والثوابت الوطنية دون ان تتنازل او تحني هامتها، وكانت موضع اعجاب وتقدير عميقين من قبل قوى سياسية وحزبية واجتماعية وطنية عديدة (في دورها السياسي تحديدا)، رغم التراجع الميداني والملموس في تحقيق الاهداف التي قامت من اجل تحقيقها على صعيد النهوض بالواقع الثقافي الاردني وتحسين مستوى معيشة اعضائها الذين تضخموا على نحو يدعو للريبة طوال خمسة عشر عاماً (منذ الدفعة الاولى التي قبلتها الهيئة الادارية الاولى في جلستها المنعقدة في 24/7/1974).. ما اثار فزعاً واستغراباً في الآن ذاته عن سر هذا العدد الكبير من الاعضاء الذين باتوا يتباهون بعضوية الرابطة ويشاركون في ''معاركها'' الانتخابية ومعظمهم لا يستطيع كتابة فقرة واحدة دون الوقوع في اخطاء نحوية ولغوية مميتة، لكنهم كما يعلم الجميع (وقتذاك) كانوا نتاج صراع حزبي ''وسياسي'' لم يجد تعبيراته إلاّ في ''ساحة'' الرابطة، لأن سطوة الاحكام العرفية كانت شاملة. ماذا عن السجالات والجدل الدائر الان؟. من ''قرأ'' في عمق وتدقيق تصريحات رئيس الرابطة الزميل سعود قبيلات خلال اجتماع تيار القدس التحضيري لانتخابات دورة العام الحالي، ثم رد التجمع الثقافي الديمقراطي على تصريحات قبيلات ثم رد الاخير على بيان التجمع، يكتشف في غير عناء ان المنافسة خرجت على اطارها الديمقراطي واخذت طابعا سجالياً، تفوح منه رائحة تصفية الحسابات والضرب تحت الحزام، في محاولة مكشوفة من الطرفين، للطمس على الواقع غير المرضي (حتى لا نقول وصفا آخر)، الآخذ في التفاقم، الذي تعيشه الرابطة والذي هو حصيلة تراجع متواصل منذ العام 1989 بعد ان فقدت الرابطة دورها الجامع ومنبرها ''الوحيد'' الذي استطاعت احزاب وقوى وشخصيات وطنية عديدة ان تقف عليه وتعلن من خلاله مواقفها ورؤاها، ثم جاءت فترة التحول الديمقراطي، القصيرة من اسف، لتضع الرابطة في موقع اقل بريقا من السابق، ولكن في مكانة حفظها لها الجميع اعترافاً بالثمن الذي دفعته وبالنضال الذي خاضته في وجه اكثر من جهة حفاظاً على استقلالها ورفضاً لأي تبعية أو احتواء أو تحجيم.. لكننا هنا - حيث تكمن المفارقة - نتحدث في السياسة والخيارات الوطنية، فيما تتراجع الهموم الثقافية ويتضاءل الدور أو يتقلص، لأن ما توليه الهيئات الادارية المتعاقبة لهذا الشأن من اهمية، متواضع وبائس ولست اعفي نفسي كعضو في هيئات ادارية عديدة أميناً للسر والمالية وعضوا (بلا حقيبة) من هذا التقصير، وللذي يحاول ان ينفي أو يرى فيه اتهاماً قاسياً أن يعود الى محاضر الاجتماعات ليرى بأم عينيه مدى تواضع الانجازات واصرار الكثيرين وقد تخندقوا في متاريس متقابلة لم يكن سوى مناكفات وتربص وتوزيع للمغانم والامتيازات من سفريات وترشيحات (على شحها وندرتها احياناً) لكن ''الصراع'' الذي كان يدور حولها، عنيف ومدمر، تدفع الرابطة والثقافة الوطنية اكلافه وارتداداته التي يمكن ان نلحظها في ما يدور من سجالات ومناكفات ومحاولات واضحة لـ (ليّ) ذراع الحقيقة وصرف الانظار عن الشخصنة وتصفية الحسابات واطلاق شعارات تبدو زاهية ومقبولة، الا انها ملتبسة وتنحو الى مخاطبة الغرائز والاصطفافات وبناء معادلات جديدة لم تكن واردة ''ابداً'' على جدول اعمال الذين نهضوا وتصدوا للمهمة النبيلة في اشهار تجمع الكتّاب الاردنيين ولم ينجحوا في الحصول على تصنيف نقابي، فقبلوا على مضض - ولم يكن ذلك سهلاً - برابطة.. لكنها (الرابطة) فاجأت الجميع وكانت منارة وعنوانا وطنياً جامعاً وشجاعة، حتى - بل خصوصاً - عندما حاولوا ايجاد بديل عنها والغاءها، فازدادت حضوراً ودوراً ومكانة، لكنها - من اسف ايضاً - وقعت في ثنائية الاصطفافات والتحالفات وكان يمكن ان يكون هذا مقبولاً لو بقي في اطاره الديمقراطي التعددي والحرص على قيم المنافسة الحضارية، لكن ما يجري الان، يوحي بأننا لا نقترب من هذا المربع الذي يدّعي كثيرون انهم يقيمون فيه او يقصدونه. قد اكون ذهبت بعيداً في العمومية وربما اقرب الى الالتباس، لكن في فمي ماء، ما يعني ان ثمة ما هو ''مسكوت عنه'' لديّ كما لدى كثيرين من اعضاء الرابطة الذين لا يسرهم، رؤية الحال التي انزلقت اليها السجالات والردود والردود على الردود، .. على نحو قد يسمح بالعودة الى مقاربة... اخرى. [email protected]