حسب إحصائية نشرها المعهد السينمائي في دبلن، بلغ عدد الأفلام التي تناولت فكرة مصاصي الدماء تسعة آلاف ومائة وثلاثون فيلما حتى الآن، وجميعها استخدمت الفكرة الأساسية القائمة على وجود كائن / كائنات شريرة تنتمي إلى خرائب الحياة، وتعيش كالوطاويط في الأماكن المظلمة، ولا تطيق ضوء الشمس ولا تستطيع الصمود أمامه، وتعتاش على دماء البشر الخيرين، حيث تقوم بمصها « عروق منطقة الرقبة على وجه التحديد « فتصيبهم العدوى ويتحولون إلى مصاصي دماء، ما يؤدي إلى تكاثرهم، بدلا من أن يتم هذا التكاثر عن طريق التوالد الطبيعي الذي يميز بني البشر.
هي فكرة تغول الشر ومحاولة نشره كبديل للخير، وهي فكرة بدت مقبولة ومثيرة بداية ظهورها في السينما الأمريكية، لكن تكرارها أفقدها سحرها وأحالها إلى حكاية مبتذلة، إلى حد أن المشاهد لم يعد قادراً على احتمال سأم المقدمات والنتائج المعروفة سلفا، التي تتماثل نهاياتها على الدوام: مصاصو الدماء يتغولون ويثيرون الذعر في نفوس الآخرين، وينقلون عدواهم لهم عبر عروقهم التي يثقبونها بأنيابهم، وفي نهاية الأمر يتم القضاء على أولئك الأشرار عن طريق إظهار الصليب المقدس، أو دق الأسافين في صدورهم، أو حرقهم، أو إرغامهم على الظهور في ضوء النهار الذي يحيلهم إلى رماد.
تلك هي الحكاية التي تكررت في تسعة آلاف ومائة وثلاثين فيلما سينمائيا تثير الضجر والضيق لا بسبب مشاهد الدماء الكثيفة المملة، إنما بسبب إفلاس المخيلة السينمائية التي ارتضت تقديم أفكار متقادمة في أحدث إصداراتها.
أما فكرة مصاصي الدماء (لمن لا يعرفها) فقد انطلقت من رواية «دراكولا» التي كتبها الإيرلندي ابرام ستوكر العام 1897، مستوحياً أحداثها من شخصية «فلاد دراكولا فلاد « أمير مقاطعة فلاكيا في رومانيا القرن الخامس عشر، وهو الأمير الذي عُرف بساديته وطباعه الغريبة وأفكاره الظلامية وسلوكه الخشن مع الآخرين، إلى حد التلذذ بتعذيبهم وتقطيع أوصالهم.
تلك هي بداية الفكرة، أما نهايتها، فلا يبدو أنها قريبة، لأن آلة السينما الأميركية ما زالت تنتج أفلاما جديدة مبنية على نفس الفكرة التي مجّها الناس ومقتوها، مع ملاحظة أن سحر تلك الأفلام يتجلى في الشر أكثر من الخير، على الرغم من انتصاره الجريح في نهاية الأمر.
[email protected]