صدر عن مطابع معوشي وزكريا الكتاب الأطروحة للأستاذ حنا مسلّم بعنوان «الخفايا في حياة الياس أبو شبكة». الكتاب في مئتين وخمس واربعين صفحة، يلقي الضوء على حياة الشاعر ويركز تركيزاً شديداً على خفايا واسرار الشاعر غير المعروفة إلى حينه، خصوصاً في القسم الثاني من الكتاب الذي يحمل عنوان: «أبو شبكة ونساؤه» إذ يعدد أسماء النساء التي ارتبطت بحياة الشاعر وألهمته في كتاباته الشعرية.
ففي «افاعي الفردوس» تتجلى شهوته العارمة وثورته على المرأة الفاجرة، وفي «غلواء» يظهر حبه الحقيقي ومعاناة قلبه الجريح لزوجته حب حياته «أولغا»، أما في «نداء القلب» و»إلى الأبد» فقد استكان الشاعر إلى ليلي معوض وارتاح إليها قلباً وعقلاً وروحاً، فهي التي فهمته حتى الصميم.. فعاشت في صميمه حتى مماته.
في الكتاب مقابلات حيّة مع زوجة الشاعر وبعض من محبوباته. كل واحدة منهن تبدي رأيها به وتعتبر نفسها هي الوحيدة الملهمة له.. فأي منهن الأكثر تأثيراً وإلهاماً؟!
من الكتاب
الشعر... الشعر ومن ثم الشعر... عروسة الخيال هذه لا تنزع ثيابها ولا تبدلها، ولو لمرة واحدة.. هي دائماً فاتحة ذراعيها، ملوحة بمنديلها الأبيض، وراقصة أمام إنسان مفتون بها، غارق إلى فوق أذنيه وعينيه وشعره...! ما تنفك تدغدغ حواسه، وما يفتأ يطاردها في كل مكان.
يمشي على الطريق وعصاه في يده لا يتركها إلا ساعة ينام، يضرب بها الأرض.. مشيته كانت توقف المارة متلفتين، وسكان البيوت متفرجين متعجبين.. ومنهم من يقول: تعالوا نتفرج على المجنون.. تمر من أمامه وتلقي عليه التحية.. (صباح الخير يا استاذ) ويبقى يهتز بمشيته كأنه يتمرّن على دور في مسرحية وأن الليلة ليلة تمثيلها.. وبعد خطوات يعود فيلتفت إليك ويجيبك عن تحيتك: «صباح الخير، لا تؤاخذني لم أنتبه لك»، ويكمل سيره البهلواني المضحك...
مع زوجة الشاعر
تقول السيدة أولغا ساروفيم زوجة الشاعر في مقابلة أجريتها معها في الزوق في 4 نيسان 1979: «كان الياس ينسى انه تناول العشاء فيقول لها: «إيمتى سنتعشى يا أولغا؟» فتجيبه: «لقد أكلت يا الياس...». عفواً نسيت ذلك...! عدم المؤاخذة...
يستيقظ كل صباح بين الساعة الرابعة والخامسة ويبدأ الكتابة وركوة القهوة إلى جانب والنارجيلة الى الجانب الآخر.. وقلما توقف عن هذه العادة إلا إذا ألمّ به صداع شديد أقعده في الفراش..
لم يكن عنده نوع معين من الأكل مفضّل، وقلّما يسأل عن أكلة أعجبته أو لم تعجبه.. المهم أن يأكل.. ولكن ليس له عن القهوة والنارجيلة بديل...
غريب أن يكون هذا الشاعر الذي صور الشهوة عارمة أكّالة أن يكون محتشماً بكلامه وتصرفاته وتعامله مع أهل بيته وزائريه وعارفيه..
لا يحب المرأة المتدللة الغنوج السافرة عن صدرها أو ركبتيها يريدها دائماً محتشمة.. ولا يتكلم مع النساء اللواتي يهذرن بالكلام.
مع ليلي معوض
... وتقولى ليلي، وكأنها تعيش الساعات بقرب حبيبها، إن الياس كان يقول لها: «يجب أن يكون حبنا مثالاً يقتدي به الناس، ومدرسة يتعلم فيها كل مَن أراد الحب الصادق.. وأن يعطي هذا الحب شعاعات تضيء على الجميع.. ويجب أن ينضج حبنا كالاسفنجة...
وتفتخر ليلي متباهية بمحبتها للياس أبي شبكة فتقول: «ولمَ الخجل.. ألم يحبني، ألم يكتب شعراً فيَّ...؟!
لقد رفعني الياس إلى أعلى قمة المجد يوم أحبني وكتب شعره عني في «إلى الأبد...!»
«إن حبه لي في حياته كان أقوى من حبي له. ولكن، بعد مماته، أصبح حبي أنا أقوى...!»
تغار من أولغا زوجة الشاعر غيرة قاتلة فتقول: «أمنَ العدل أن تكون هذه المرأة لهذا الرجل؟!...» وكأنها تريد أن يكون لها وحدها...
وعندما قلت لها ان اولغا تقول: «إن الياس أحبها ولم يحب سواها...» قالت ليلي بهدوء: «نعم أحبها طيلة حياته، ولم يذكر مرّة أنه لم يحبها...! حتى انه في «أفاعي الفردوس» وفي أشد العربدة كان يحبها...» وقد ذكرها في هذا البيت:
«وتَوقي إحدى زواياه،
فلي حرمة بإحدى الزوايا»
ودون أي سؤال تقول ليلى: «اسمع، ان وراء كل قصيدة في «نداء القلب» و»الى الأبد» حادثة معينة لا يعرفها القارئ مهما كان متعلماً إلا إذا اطّلع على القصة أو الحادثة التي كانت مصدراً لها...».
فموضوع قصيدة «الرسول» في ديوان «إلى الأبد» هو أنّ أبا شبكة لم يستطع زيارة ليلي فما كان منه إلا ان ذهب الى بيت مجاور، ومن هناك أرسل مع رجل هرم رسالة نقلها هذا الشيخ بدوره الى ليلي وأتاه برسالة منها فترجمها الشاعر إلى قصيدة:
يا رسول الحبيب قل لحبيبي إنني مثله سجين عليلُ
وتكمل ليلى شرحها لشعر أبي شبكة فتقول: «تصوّر كم كان وفياً في بيته الذي يقول فيه:
قل لليلي: رأيته، فهو باقٍ
نظرٌ حالمٌ وقلبٌ بتولُ
في قصيدته استغراق في «نداء القلب» تقول ليلي: «إن موضوع هذه القصيدة استوحاه من لقاء بين الشاعر وليلي وكانا سائرين فانهمر المطر فجأة، فخلع سترته ووضعها فوق رأسها، وانحنت هي على صدره لمدة قصيرة فكانت هذه القصيدة:
ألقيه مخموراً على صدري
وانسي الزمان
فكل ما أذكر من عمري
هذي الثوان.