لم يعد خافيا على أحد أنّ السياسة التي ينتهجها الأردن أصبحت عبئا على كثير من دول المنطقة؛ خاصة أنها نابعة من رؤية أردنية تعرف ما لها وما عليها، أساسها الإنسان ونهجها الجميع بأطيافهم وأفكارهم وحريتهم، سياسة تعترف بالرأي والرأي الأخر وتنتظم في صف الحياة وتقديسها، سياسة ترفض ما تقارفه العصا العربية الغليظة في وجه مواطنيها، هكذا بدت صورة الأردن أمام الجميع، الصمود في وجه العواصف بالحوار والاصلاح والتغيير والاستجابة لمتطلبات المرحلة برجولة واحترام. هذا هو الأردن يقهر اعداءه ويهزم توقعاتهم بصموده وصبره واريحيته، ولننظر الى الفكر المريض الذي يتحدث به الأعداء عن صمود الأردن من»أن الأردن وعبر صمود نظامه في البقاء بعيدا عن مسار دول الربيع العربي قد هزم توقعات أجهزة الإستخبارات الاسرائيلية، كما أنه هزم توقعات باراك شخصيا بأن يصبح الأردن مثل مصر واليمن وسوريا، وليبيا، شارحا أن إسرائيل كانت تعد العدة لأن تنفذ خطة الترانسفير بالتزامن مع إنهيار الأوضاع الأمنية في الأردن؛ لكن صلابة النظام الأردني، والرفض الشعبي للثورة ضد النظام الأردني قد أوقف خططا إسرائيلية عدة». هذا ما تحدث عنه باراك ونشرته وكالات الأنباء العالمية، وبالتالي يجب ان يكون هذا الدرس دافعا لكل مواطن أردني لتفويت الفرصة على المغامرين والمقامرين بالأمن والاستقرار لصالح الفوضى والخراب.
ولا يتورع وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك المصاب بعقدة الأردن بالتحريض عليه حيثما ذهب وتحدث، بل ويطالب صُنّاع الفكر والنخب السياسية الأميركية بالضغط على الإدارة الأميركية لإجبار الأردن على إتخاذ قرارات سياسية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وهذا ما يرفضه الأردن رفضا قاطعا رغم الترغيب والترهيب، وهذه المسألة تحتاج الى وعي حقيقي في هذه الظروف العصيبة التي تجتاح المنطقة؛ خاصة أننا أمام سنياريوهات مؤلمة بدأت تطل برؤوسها في لبنان وسورية ونحن على مرمى النار، والوعي يجب ان تقوده القوى الشعبية الأردنية قبل الحكومة وأجهزة الدولة؛ لأن القادم مرعب ومؤلم ويحتاج الى عقول مفتوحة وسياسات جادة لا تداهن ولا تقبل حلولا خجولة، بعيدا عن لغة العصا الغليظة، وكم اعجبني رأي وزير الداخلية الوزير المثقف غالب الزعبي حين التقيته الجمعة الماضية بصحبة نخبة طيبة من ابناء هذا الوطن حين كان الحديث عن حراك ذلك اليوم بقوله: لن نستخدم القوة حتى لو دفعنا الشارع إليها، وستبقى سياسة الأردن مفتوحة للحوار والتغيير والاصلاح والبناء والعطاء وحتى لو تطاول المغرضون، وهو رأي يستحق التقديرمن الجميع خاصة قوى المعارضة التي يجب أن تقرأه بعناية وعيون بصيرة؛ لأنّ المنطقة والمرحلة الاقتصادية تمر في ظروف عصيبة، فلنفهم المرحلة بتداعياتها وسيناريوهتها.
أما ابناء الأردن بأطيافهم، بعشائرهم ومجتمعهم المدني كلهم فمطالبون بتجاوز أزمة الثقة التي صنعتها أقلام مغرضة، وتغذيها قوى ظلام لا تحب لبلدنا الاستقرار والأمان، ومن يظن أن الربيع هو في إراقة الدماء والقتل والخراب اقول هؤلاء واهمون؛ لأن من يكتوي بالنار ويعرف نتائجها يدرك ماذا يحصد الدم! الدم لا يحصد غير الدم، والقتل يولّد الحقد والدم، ونحن في غنى عن وصفات المغرضين والحاقدين وكارهي الحياة، لنمضي بثقة الواثق ببلده كي نتخلص من أزمة الثقة ببعضنا بعضا ونتجاوز أزمة عدم الثقة ببلدنا، ولننظر بعيون مفتوحة لا بنصف عين لهذا الملك الإنسان الذي ينتصر لإنسانيتنا وأوجاع مجتمعنا لذوي الاحتياجات الخاصة الذين هبّ لإنقاذهم من ابناء جلدتنا، وتصوروا كيف يكون حال هؤلاء لو أن الأردن لا قدر الله تسرقه تلك الحفنة المتطفلة الى الخراب والفوضى؟ ولنقرأ رسالة الهاشميين على مر التاريخ كيف تحترم الإنسان وترفض اهدار كرامته، ولنقدّر هذه الرؤية ولنواجه ازمة الثقة والأخلاق بالوعي والثقافة والصمود في وجه العاتيات والحرائق الملتهبة، حففظ الله الأردن وشعبه وقيادته في ذكرى الاستقلال.