لم تكن ردود الفعل الإيرانية على خطاب اوباما النيروزي الذي ألقاه بمناسبة عيد النيروز ايجابية، فقد اظهر الإيرانيون قدرا كبيرا من الندية في الرد على هذا الخطاب التاريخي وحاولوا خلال اليوم الأول وتحديدا رد فعل خامنئي ونجاد ومستشار الرئيس نجاد علي اكبر جوانفكر حاولوا الإيحاء بان الدعوة الأميركية للحوار لم تأت من زاوية الرغبة في تجنب الدخول في حروب جديدة بالمنطقة مثلما كان يقول اوباما خلال حملته الانتخابية في الصيف الماضي بل حاولوا الإيحاء بصورة مباشرة إلى أن واشنطن تمد يدها إلى طهران من موقع الضعف والشعور بالعجز وقد عبر خامنئي بوضوح عن هذه القراءة لخطاب اوباما عندما كان يشيد بتجربة أجريت الشهر الماضي لتشغيل مفاعل بوشهر النووي. وقال: هذه نتائج تقدم علمائنا، والتي أقنعت العالم بأكمله بأنه لا يمكن اعتراض سبيل التقدم النووي الإيراني ، كما أن نجاد شخص الموقف الأميركي بنفس التقييم عندما قال في خطاب مسجل بمناسبة السنة الفارسية الجديدة إن القوى العالمية وصلت إلى طريق مسدود . لقد قادت القراءة الإيرانية للموقف التاريخي للرئيس اوباما من القضية الإيرانية إلى اتخاذ مواقف إيرانية هي أشبه ما تكون بشروط المنتصر التي تفرض على المهزوم وهنا المنتصر مجازا هي إيران والمهزوم الولايات المتحدة وذلك عندما قال مستشار الرئيس الإيراني علي اكبر جوانفكر في أول رد فعل إيراني على خطاب النيروز ما نصه (... يمكن لأميركا أن تمد يد الصداقة إلينا، من خلال التغيير الجذري لسلوكها. ما تلقيناه حتى الآن قبضات غير ودودة. العقوبات غير المحدودة التي لا تزال قائمة والتي جددتها الولايات المتحدة، هي خطأ ويجب مراجعتها) فيما قال خامنئي مرشد الجمهورية ما هو أكثر مما قاله مستشار نجاد (... إن إيران ستغير موقفها في حال بادر الرئيس اوباما بتغيير موقف الولايات المتحدة تجاه طهران،... إنه ورغم دعوة اوباما التي وجهها بالأمس للقيادة والشعب الإيراني فإنه لا يرى تغييرا في سياسة أميركا نحو إيران). .. واضاف خامئني في خطابه الذي ألقاه أمام آلاف الأشخاص الذين تجمعوا في مدينة مشهد لا نملك أي خبرة سابقة مع الحكومة والرئيس الأميركيين الجديدين، سنراقبهما ونحكم عليهما. تغيروا وسيتغير موقفنا. وإذا لم تغيروا موقفكم فلتدركوا أن شعبنا قد تعزز جانبه وأصبح أقوى خلال السنوات ال30 الماضية وإنه سيواصل المقاومة ، ان هذا الكلام يصل حد وضع الشروط السياسية على واشنطن مقابل قبول طهران الحوار معها، فكلام خامنئي يعني أن على واشنطن إن تغير سلوكها وبعد ذلك يصبح من الممكن الحديث معها وأنها إن لم تفعل فان الرد سيكون بمواصلة المقاومة. من الواضح أن القيادة الإيرانية لم تكن تتابع الحوار الداخلي الأميركي خلال الحملة الانتخابية الرئاسية ولم تسمع آراء اوباما الذي يريد حوارا يؤدي إلى تغيير سلوك إيران وان بديل ذلك هو الخيارات الأخرى غير الدبلوماسية والتي يتحدث عنها بوضوح المستشار للشؤون الإيرانية والخليجية دينس روس في مقاله الشهير بمجلة النيوزويك الدولية ، والمنشورة على موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في ديسمبر الماضي، والمعنونة ب الحوار الحازم مع طهران . فبعد أن ينتقد روس إدارة بوش وفشلها في الضغط على طهران، يدعو في احد خياراته إلى ممارسة العقوبات الذكية ضد الاقتصاد الإيراني، ويقول أن السبيل للضغط على طهران في شأن برنامجها النووي هو التركيز بدرجة أقل على منظمة الأمم المتحدة والتركيز بدلاً من ذلك بصورة كبيرة على الحلفاء الأوروبيين، واليابان، والصين، والمملكة العربية السعودية، لحمل إيران على إبداء تعاونها مع المجتمع الدولي في شأن برنامجها النووي، وتعاونهم مع واشنطن في العمل على تقويض الطموح النووي الإيراني. وأشار إلى أن تكاتف الجهود الأميركية والدولية سيكون له كبير الأثر على الضغط على إيران. أما اخطر ما دعا إليه دينس روس هو قوله (ضرورة الموازنة بين العصا (القوة الصلدة) والجزرة (القوة الناعمة)، وقال : علينا تقديم مزايا سياسية واقتصادية وأمنية لطهران شرط تغيير سلوكها ليس في قضية طموحها النووي فحسب، بل في مجال ما يُطلق عليه (الإرهاب)... إن المزاوجة بين العقوبات والحوافز سيُظهر لطهران الخسائر التي تلحق بها جراء مضيها في الطريق النووي، وكذلك ما سيكسبه قادتها من الاعتدال في سلوكهم. إن كلام روس يعني بوضوح أن الحوار مع طهران ليس ملهاة أو جدول أعمال مفتوح أو انه طريق بلا نهاية بل هو من البداية نوع من ممارسة القوة الناعمة أي تقديم للجزرة وعندما تفشل القوة الناعمة يأتي دور القوة الصلدة أي العقوبات والحرب وهو الأسلوب الذي سبق أن مورس مع نظام صدام حسين ومع الصرب في يوغسلافيا السابقة. على القيادة الإيرانية قراءة مقال دينس روس كملحق رئيسي مع خطاب اوباما النيروزي لتدرك ان طموحاتها الإقليمية وصلت خريفها مع عهد اوباما وليس ربيعها كما تعتقد .
