تمر أوضاعنا المالية والاقتصادية في هذه المرحلة بضائقة وظروف صعبة قلَّ أن مرت بمثلها من قبل جراء الارتفاع الكبير في المديونية الخارجية التي وصلت في شهر آذار من العام الحالي إلى (14.3) مليار دينار وستصل إلى (17.5) مليار دينار مع نهاية هذا العام، وجراء العجز المالي في الموازنة العامة لهذا العام الذي وصل إلى (2.93) مليار دينار قبل وصول المنح والمساعدات وسينخفض مع وصولها إلى (2.06) مليار دينار وفق تقديرات وزير المالية، وقد حدث تراكم الديون وازدياد العجز المالي نتيجة للتوسع في الإنفاق العام وارتفاع النفقات الجارية ولجوء وزارة المالية إلى الاقتراض الداخلي والتوسع في زيادة الرواتب والعلاوات والتضخم في حجم الأجهزة التنفيذية والإدارية والإنفاق الباذخ على السيارات والمكاتب الرسمية ونفقات السفر، واتساع رقعة الفساد الذي ينهش الموارد المالية للدولة، يضاف إلى ذلك أن بعض الحكومات كانت تعي حجم المشكلة إلا أنها ترجيء اتخاذ قرارات جريئة وحازمة لعلاجها خشية أن تفقد من شعبيتها إن كان لها شعبية، وقد فاقم ذلك من حجم الأزمة التي يعاني منها الوطن.
والحكومة الحالية مضطرة لاتخاذ قرارات علاجية سريعة للحد من الزيادة المتصاعدة للديون الخارجية ومن مقدار العجز المالي للموازنة، وذلك بتخفيض الدعم عن بعض السلع التي تستهلك مبلغاً كبيراً من الدعم واقتصار تقديم الدعم لشريحة المواطنين ذوي الدخل المحدود والمتدني فيما يتصل بالسلع الأساسية التي يحتاجونها، والعمل الفعلي الجاد على إعادة هيكلة المؤسسات العامة ودمج المتشابه منها في مهامه، وترشيد النفقات الحكومية ووقف التعيينات في أجهزتها باستثناء ما هو ضروري منها، وتفعيل التحصيلات الضريبية وجعل ضريبة الدخل تصاعدية واستعادة عوائد مكافحة الفساد وتحويلها إلى خزينة الدولة.
وعلى وجاهة هذه الإجراءات التي ستتخذها الحكومة وأشار إلى معظمها وزير المالية لابد للحكومة أن تخطط لتقليص عدد الوزراء وترشيق الحكومة بدمج بعض الحقائب الوزارية وفق ما كان معمولاً به في السابق كدمج وزارتي البلديات والبيئة في وزارة واحدة، وإلغاء وزارة تطوير القطاع العام وتحويل مهامها إلى ديوان الخدمة المدنية، ودمج الثقافة ووزارة الشؤون الإعلامية، وتقليص عدد وزراء الدولة ومستشاري الحكومة، كما لا بد من إلغاء التفكير بأية زيادة في عدد النواب والأعيان، وقد يساعد كل ذلك على ترشيد الإنفاق بشكل ملحوظ.
وصوناً للمال العام وحفاظاً على المصلحة العليا للوطن لا بد من مضي الحكومة قدماً في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين الذين ألحقوا الضرر بسمعة الوطن وبددوا أمواله في غير الصالح العام، والالتزام بما جاء في كتاب التكليف الملكي السامي من تصدٍ لكل حالات وشبهات الفساد وتحويل قضاياه إلى القضاء ليقول كلمته فيها إذ لا أحد بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، ولا أحد فوق القانون، فالأردنيون أمام القانون سواء ولاحصانة لمسؤول ولا حماية لأحد من يد العدالة، وما ينطبق على الفاسدين لا بد أيضاً أن ينطبق على من يتعمد تبديد الأموال العامة وإلحاق الضرر بأوضاعنا المالية والاقتصادية والاستثمارية، وإلى جانب ما يتم إيقاعه بالفاسدين والمبددين من إدانات قانونية فإنهم يتعرضون أيضاً لإدانات مجتمعية ترصد أفعالهم وتدين تصرفاتهم وتستهجن سلوكهم وتؤيد القصاص منهم.
إن المرحلة الاقتصادية الدقيقة والحساسة التي يعيشها الأردن تقتضي أن لا يتاح فيه المجال لاستغلال الموقع الرسمي وجني المنافع الذاتية، واللهاث وراء الإثراء السريع غير المشروع، فمصلحة الوطن تتطلب منا جميعاً مسؤولين ومواطنين على حد سواء التمتع بالحس الوطني العالي وتغليب المصلحة العليا على كل ما عداها من مصالح فردية نفعية.