حسام جميل مدانات - أصبحت الأمراض المزمنة والمستعصية، مثل السرطان والسكري والذبحة الصدرية والربو، مسؤولة عن نحو ثلثي الوفيات في عالم اليوم. وهذه نسبة عالية فعلا، وأسبابها متعددة ومتنوعة، لعل أهمها هو التراجع الكبير لنسبة الوفيات بسبب الأمراض المعدية بفضل انتشار إجراءات التطعيم ضد العديد من الأمراض، وتحسن العناية الصحية في معظم دول العالم.. لكن استفحال خطر الأمراض المزمنة يعود أيضا لأسباب مباشرة زادت عدد الإصابات وخطورتها في البلدان المتقدمة والنامية على السواء، ولدى مختلف الفئات، من كبار السن إلى الأطفال، ولدى الجنسين، ومن مختلف فئات الدخل، الفقراء والأغنياء على السواء.
الأمم المتحدة تتدخل
نظمت الأمم المتحدة في يومي 19 و 20 أيلول 2011 اجتماعا عالي المستوى، مكرسا للوقاية من الأمراض غير المعدية ولضبطها وعلاجها. أفضى الاجتماع إلى طلب صياغة توصيات قبل نهاية عام 2012، وتحديد أهداف طوعية يبدأ تنفيذها خلال عام 2013.
هذه هي المرة الثانية في تاريخ الأمم المتحدة، التي تبادر فيها إلى قرع جرس الإنذار للتنبيه لمشكلة صحية عامة وخطيرة. كانت المرة الأولى عام 2001، لتسليط الضوء على انتشار امراض الايدز والسل والملاريا. وأثمرت تلك المبادرة في رصد مخصصات عالمية بلغت قيمتها عشرين مليار دولار، لتنفيذ حملات وقائية وعلاجية في 150 بلدا.
ويرى بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة، أن الأمراض المزمنة وغير المعدية لم تعد مقتصرة على الأغنياء، بل إنها تصيب الفقراء بنسبة أكبر، وهي تسبب 80% من الوفيات في البلدان الفقيرة أو النامية. ففي عام 2008 سببت 36 مليون وفاة في العالم من ما مجموعه 56 مليونا. وتتوقع الأمم المتحدة أن يزيد عدد الوفيات الناتجة عن هذا النوع من الأمراض بنسبة 24% في افريقيا في نهاية العقد الحالي. وهي تشكل عبئا كبيرا على الدول الفقيرة بسبب الكلفة العالية من حيث التعطل عن العمل، كلفة العلاج الطويل الأمد أو المستمر عادة.
أربعة عوامل خطر أساسية:
تنتج الأمراض المزمنة بشكل عام عن عدة عوامل، منها أربعة هي الأخطر والأوضح أثرا. أولها التدخين، الذي يزداد انتشارا في الدول الفقيرة بعد أن ركزت الشركات المنتجة للتبغ حملاتها الدعائية فيها، نظرا لتراجع استهلاكه في الدول المتقدمة، حيث يشهد التدخين حربا ضروسا تشنها الحكومات ومؤسسات المجتمع المحلي. ففي بعض المدن أصبح التدخين ممنوعا حتى في الشوارع، بل إن دولة مثل استراليا قد حددت هدفا منظورا لجعل القارة خالية من التدخين.
السبب الثاني هو الخمول الجسدي والعقلي الذي أصبح هو السمة السائدة لدى شعوب العالم الثالث، ولدى الغنية منها قبل الفقيرة. ويكفي أن نلاحظ النسبة العالية للبدانة وما يصاحبها من أمراض السكري والشرايين بين سكان الدول العربية النفطية.
السبب الثالث هو الغذاء غير المتوازن وغير الصحي، ونلاحظ انتشار مطاعم الوجبات السريعة، أو وجبات القمامة كما تسمى في الغرب، في معظم الدول النامية، باعتبارها مؤشرا على الانفتاح والتطور والتشبه بالمجتمع الأمريكي.
أما السبب الرابع والأخير فهو الكحول، وتأثيراته السيئة على الجسم عامة، وعلى الكبد خاصة، والأهم من ذلك أن الأموال التي تنفقها الفئات الفقيرة على الكحول تكون على حساب الانفاق على الغذاء الذي يحتاجه أطفال الشخص المدمن.
نشير أخيرا إلى أن الدول الفقيرة عاجزة بالتأكيد عن مواجهة مشكلة الأمراض المزمنة من حيث الكشف والوقاية والعلاج. فالمريض بالسكري من النوع الأول مثلا في الدول الافريقية السوداء يعجز عن شراء الانسولين، ولا تزيد فرصة بقائه حيا بعد إصابته، إذا لم يحصل على العلاج، عن سبع سنوات في المعدل. ولا تستفيد سوى 60% من الدول الفقيرة من مساعدات دولية لاتخاذ إجراءات ضد الأمراض المزمنة.
عن: Science et Vie
