جمانة فوزي النعيمات - ذهب الجمهور إلى جواز الزواج بالكتابيات لقوله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ )، ولا يحل الزواج بمن لا تدين بدين سماوي، قال تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ )، فالزواج بهن تحكمه المصلحة والضرورة التي تحقق مقاصد الزواج، ومقصد الزواج بهن، هو استمالة قلوبهن للإسلام، أو لضرورة عف أنفسهم في بلاد الغربة ولا يوجد مسلمات هناك، فعندها يباح الزواج بهن .
وروى أن عمر بن الخطاب بعث إلى « حذيفة بن اليمان « قائلا : بلغني أنك تزوجت امرأة من أهل « المدائن « من أهل الكتاب، وذلك ما لا أرضاه لك، فطلقها، ولا تبقى في عصمتك . فكتب اليه « حذيفة « : أحرام هذا الزواج أم حلال ؟ ولماذا تأمرني بطلاق هذه المرأة الكتابية ؟ لن أطلقها حتى تخبرني . فكتب إليه سيدنا عمر : « هذا الزواج حلال، ولكن في نساء الأعاجم خلابة، وخداعا، وإني لأخشى عليكم منه «. وفي رواية قال له : « إني أخاف أن يقتدي بك المسلمون فيختاروا نساء أهل ذمة لجمالهن وكفى بذلك فتنة للمسلمين».
فيلاحظ التدبير السياسي الذي اتبعه الخليفة عمر بن الخطاب، وهو تقيده للمباح الذي يلحق الضرر على العامة، وخوفه من الجاسوسات على ولاته والذين يتولون مركز سياسي في الدولة، خوفا من تسريب أسرار الدولة، وخوفه على الصالح العام من توقان المسلمين للزواج بالأجنبيات لحسنهن، وما في ذلك من أضرار اجتماعية لا تخفى، فإن كان له حق التزوج بالكتابيات وأباح له الشرع، فلا بد أن يقيد بما لا يعود على المجتمع بأضرار، لأن الحق في الإسلام له نظرة اجتماعية، وهو أن لا يؤدي استعماله لحقه إلحاق الضرر بالمجتمع .
وزواج الشباب المسلم الذي يسافر للخارج من نساء الغرب، له تداعيات كثيرة من ارتفاع نسبة العنوسة في أوطانهم لعزوفهم عن الزواج ببنات جلدتهم، وإفسادهن عليهم أمور دينهم وولائهم له، و استحسانهم لأمور دينهن، أو على أقل تقدير عدم استهجانه، فيضعف تمسكه بدينه وولائه له والتعايش معه، ومن ثم التمسك بعادتهن وتقاليدهن المنافية لدين الإسلام .
فضلا على أن الزواج بنساء كتابيات، سيؤدي للاختلاف بالمعتقدات والممارسات العبادية، فيولد نفرة وانقساما داخل الأسرة، فتذهب المودة والرحمة، و يتربى الأولاد إما لا لهوية دين معتبر، أو بميلهم لدين أمهم لكونها المداومة والراعية لهم في ظل انشغالات الأب.