لم تكن البحرين الشقيقة في يوم من الايام طفلة ضيّعها اهلها عن طريق الرحيل لينبري لها من يدّعي أُبوتها، او بستاناً بلا قوشان يبحث عمن يلوذ باسمه ليكون مالكه في دائرة الطابو، البحرين ليست مهرةً ترجّل فارسها فراحت مطلوقة العنان تنشد من يعتلي صهوتها وينزل الميدان، وهي ايضا ليست سيفا بلا شفار او رمحا بلا سنان، انها ارض الخلود وعرين الاسود، وميدان الحشد ومحطة الرباط لـ''ربيعة الخيل'' الذين من اصلابهم تحدّر الفرسان المرابطون اليوم في ثغر المنامة المقدامة، ومع ربيعة الخيل ''مُضر الحمراء'' وكل القبائل العربية العريقة التي عرفتها الجزيرة العربية واستقرت في البحرين الأبيّة. نعم.. البحرين الشقيقة خزانة العرب الاولى التي موّلت وجهّزت جيوش الفتح وأَعلت راية الاسلام، وما اهلها غير شُمّ الأنوف وبيض الوجوه الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''بأنهم خير أَهل المشرق''، وحين نقرأ في سورة الرحمن: ''مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخٌ لا يبغيان، فبأي آلاء ربكما تكذبان، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، فبأيّ آلاء ربكما تكذبان''، حين نقرأ هذه الآيات الكريمة، فأول ما يخطر على بالنا من البلدان التي تنطبق عليها نصوصها هي البحرين ولآلؤها. لقد سُقْتُ هذا الكلام كمقدمة للحديث عن اخواننا في الدين والعقيدة، اخواننا الايرانيين الذين عادوا للعزف على الوتر الذي سبق للشاه وان عزف عليه حتى كلّت يداه، عادوا ليخيطوا بالمسلّة التي خاط بها محمد رضا بهلوي بنائق سياساته الفاشية، عادوا ليغمسوا ريشتهم بحبر دواته وليسلكوا الطريق الذي سلكه فقاده من فشل إلى فشل حتى اضطر صاغرا في حينه الى الرضوخ والاستسلام امام ارادة الشعب البحريني الذي اختار بكل فئاته طريق الاستقلال والسيادة ورفض التبعية لاي دولة في الدنيا غير دولة البحرين وابلغ ذلك الى لجنة تقصي الحقائق التابعة للامم المتحدة والتي بناء على تقريرها اصدر مجلس الامن قراره في 11/مايو/1970 بان البحرين للبحرينيين وان كل ادعاء خارجي بها باطل، وبناء على ذلك القرار سقطت كل المطالبات الايرانية، فطوى الشاه بيديه الملف الذي ظل مفتوحا لما يزيد عن القرن ونصف القرن، واذا كان الشيء بالشيء يذكر فانه ليشرّف كل أردني ان يعلم بان الاردن في حينه كان الدولة العربية الوحيدة العضو في لجنة تقصي الحقائق صاحبة التقرير الذي وضع حداً للمزاعم الشاهنشاهيه، اقول ذلك دون الانتقاص من اهمية وقوف كل الدول العربية في ذلك الوقت الى جانب البحرين الشقيقة. تمّ ذلك في عهد وريث امبراطورية الطاؤوس الذي اطاحت به الثورة الاسلامية، اما ما يثير الدهشة والاستغراب اليوم فهي المواقف المؤسفة والمتناقضة للاخوة في الجمهورية الايرانية الاسلامية التي كنا وما زلنا نعشم عليها لعلمنا بانها تقف الى جانب قضية العرب الاولى في فلسطين، لكننا بتنا اليوم في حيرة من هذه المواقف المربكة. اذ كيف لنا ان نستوعب بان اخواننا في الدين والعقيدة يقفون معنا في قضيتنا التي يُحاصرنا فيها الصهاينة من الغرب بينما خناجر اخواننا تنغرس في خاصرتنا الشرقية، من خلال الادعاء الباطل بان البحرين العربية جزء من الاراضي الايرانية ليبدو لنا المشهد وكأننا وقعنا في مصيدة ''الكمرة الخفية''، فالاخوة الايرانيون الذين استظلوا بمظلة الحضارة العربية الاسلامية يعلمون اكثر من غيرهم ان البحرين كانت موجودة على خارطة الطريق منذ اقدم العصور، وعندما بزغ نور الاسلام على الجزيرة العربية كان للبحرين ملك اسمه ''المنذر بن ساوى'' التحق بالدين والدولة الاسلامية، وقد أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ملكه حتى مات، وقبل الاسلام كانت حضارة البحرين ''حضارة المياه والطهارة الدلمونية''، قد امتدت الى ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد. واخيرا، اود القول بانني مثل كل العرب الحريصين على اقامة علاقات طيبة مع اخواننا الايرانيين لا أريد أن انزلق في الكلام غير اللائق بحق من يفترض بانهم رفاق دربنا في مشوارنا الطويل لكنه العتب والعشم، وبعد ذلك النصيحة الصادقة التي نقول فيها لاخواننا في الاسلام: إن بالونات الاختبار التي تطلقونها من وراء الخليج العربي لن تصنع لكم شيئا ولن تحقق لكم هدفا في البحرين، وعلى العكس مما تتوقعون فإن كل بالون منها يزيد اخواننا البحرينيين قوة على قوة، وتماسكا على تماسك، ويجعلهم على اختلاف مشاربهم الثقافية اشد تلاحما وراء علم البحرين وسيادة البحرين وقيادة البحرين .. ''ويا بحر ما يهزّك موجٌ، ويا جبل ما يهدّك ريح''.
