ليس مهما فقط أن تسن أو أن تتطور القوانين والأنظمة بما يتلاءم مع المستجدات المستقرة أو أن يتم التأكيد اللفظي على سيادة القانون، إذ بالإضافة إلى كل ذلك لا بد من تكريس حالة احترام القانون لأنه بتواتر احترام القانون تبدأ عملية جديدة لها علاقة بتشكل ثقافة نابعة عن هذا التواتر فيغدو احترام أي قانون جزءا أساسيا في سلوك الفرد والجماعة سواء كان خاضعا للرقابة المباشرة التي تترتب عليها إجراءات عقابية أو غير خاضع لهذه الرقابة لان عدم احترام هذا القانون أو ذاك يصبح خروجا على الثقافة الجمعية. إلا إن عملية الانتقال إلى حالة احترام القانون ليست عملية إلية تبدأ بشكل تلقائي وإنما عملية قابلة للارتداد، فعلى سبيل المثال، عندما يقر أو يستحدث أي قانون يكون الأساس من حيث التطبيق الالتزام به وليس خرقه أو طيه، ومن حيث الشمول فإن غالبية القوانين تأخذ سمة العموم وليس الاستثناء، فادا ما حدث عكس ذلك أو بعضه تتعقد عملية الانتقال بالقانون من كونه مواد جامدة يترتب على مخالفها إجراءات عقابية إلى ثقافة ناظمة للسلوك، ويزداد التعقيد في هذه العملية إذا كان بعض القائمين على هذه القوانين من حيث التطبيق أو التشريع أو بعض من يعتبرون في موقع القدوة لا يؤكدون التزامهم بها، مهما كانت درجة أهمية هذا القانون في تنظيم المجتمع ومهما كانت درجة بساطة عدم الالتزام بأي تشريع.
يساق ذلك، في إطار الجهود الكبيرة التي شهدها الأردن خلال العام الماضي للحد من حوادث السير، والتي تمخضت عن إقرار قانون جديد للسير وتبني خطط جديدة في التعامل مع الواقع المروري، وفي الوقت الذي ركزت فيه مختلف الجهات على أهمية الالتزام الذاتي بالقانون دون أن يكون مصدر هذا الالتزام الخوف من الرقابة، فان ما يثير الاهتمام استمرار واحدة من أهم حالات عدم الالتزام بقانون السير وهي على قلة عددها إلا أن لها أهمية محورية وعميقة، لأنها أولا تتعلق بعدم التزام عدد من وسائط النقل الإدارية ذات الصفة الفردية والجماعية التابعة لبعض المؤسسات الحكومية والشرطية والعسكرية بقانون السير، خاصة في مجال السرعة المحددة على الطرقات، رغم أن بعض الوسائط يقل من هم برتبة مدير عام فما فوق، والذي من المفترض أن يكون أكثر حرصا على تأكيد احترام القوانين وليس خرقها، لأنه بحكم موقعه يعتبر شخصا مسؤولا، ولأنها ثانيا أن صادفتها رقابة السرعة فإنها أو بعضها في اغلب الأحيان لا تخضع للمخالفة ، في الوقت الذي كان ينبغي أن تكرس فيه عملية شمول الرقابة والتطبيق وهذه الفئة من المخالفين في حركتها احترام القانون لا خرقه، لأنها تشكل رمزية مهمة وعامل القدوة والركيزة الأولى في الانتقال إلى حالة احترام القانون ومن ثم إلى طور تكريس ثقافة قانونية مجتمعية حول السير. الأمر الذي يشير إلى انه لا يمكن تصور أن تتكرس حالة احترام للقانون طالما إن هناك ممن هم قائمون عليه لا يؤكدون هذا الاحترام برقابة وبدون رقابة. والى ألان لا يمكن تصور ممن هم في اعلي الرتب في سلك الدولة أو من يمثلون إحدى مؤسساتها وهم يخرقون قانون السير دون إحساس بالمسؤولية أو دون إعفاء من المسؤولية.
الجهد المبذول من قبل مديرية الأمن العام في الحد من حوادث السير جهد كبير ويستحق التقدير، إلا انه وحده لن يكون كافيا، لان الحاجة تبقى ملحة للانتقال من حالة الخوف من القانون إلى حالة احترام القانون، ومن ثم محاولة الانتقال إلى تكريس حالة ثقافية عامة تنعكس على سلوكيات المجتمع إن بصفة فردية أو جماعية.
Osama_tlailan@yahoo.com