لعل موقف حركة ناطوري كارتا التي تتخذ من القدس مقراً لها، هو الموقف اليهودي الأبرز رفضاً للمحرقة الصهيونية بحق أهل غزة، وهي الحركة المعروفة برفض الاعتراف بوجود الكيان الاسرائيلي نفسه، مستندة في ذلك الى ثوابت عقائدية لطائفتها الموسوية وقيادتها التاريخية رَسَخَتْ في أدبياتها منذ تأسيسها في عام 1935. نشطت الحركة مؤخراً بتنظيم التظاهرات الرافضة لسياسة الاحتلال والصهيونية عقيدة وممارسة، ولعل المفردات الأعنف التي تحشدها الحركة في بياناتها باتت تعبيراً يدل على نجاحات تحرزها في إعادة ترتيب صفوفها من جديد، وعلى إتساع لافت في حِراكها السياسي والتنظيمي ينادي بإسقاط إسرائيل، وإعلان قيام الدولة الفلسطينية وتدويل القدس. وتندّد الحركة بمحرقة غزة التي تسميها إبادة جماعية في غرب فلسطين ، وتصف قيادات الكيان بأنها زمرة من المحتالين الإرهابيين العالميين ، أما الكيان ذاته فتصفه بأنه دولة إرهاب عدوانية، وحشية، مُغَامِرَة، شيطانية ووليدة مؤامرة استعمارية دولية ، تظلم اليهود وتفتعل اللاسامية خدمة للمصلحة السياسية للحركة الصهيونية . وتنسجم هذه التوصيفات لناطوري كارتا مع الطروحات الفكرية للحركة العالمية المناهضة للصهيونية، وتتسق مع المساعي الهادفة الى تعرية السياسة الاسرائيلية وفضحها سعياً لفصل اليهود عنها. ناطوري كارتا تعني في اللغة الارامية التي هي العربية الاولى التي تكلم بها السيد المسيح- (حراس المدينة). وتعد افكار حركة ناطوري كارتا الاكثر منطقية وواقعية في الطوائف الموسوية العالمية، إذ ترى ان الصهيونية أداة نازية لمحرقة لليهود والعرب على حد سواء. يقول الرباني هيرش زعيم الحركة في تصريحات لصحيفة يديعوت أحرونوت ، (ان الأمم المتحدة وافقت على قيام دولة إسرائيل بسبب محرقة بحق اليهود.. البعض يقول إن المحرقة لم تحدث، ولكن مَن نفذ المحرقة؟ النازيون؟.. الألمان؟ إذن فليعوضوا على اليهود دولة داخل ألمانيا وليس في فلسطين). واللافت ان هيرش لا يعترف باسرائيل التي أرادها هيرتزل دولة لكل اليهود لا دولة يهودية. والغريب ان قرار مجلس الامن للمنظمة الاممية 181 لعام 1947رفع سقف المطالب الصهيونية من اقامة دولة لكل اليهود الى فرضه دولة يهودية في فلسطين، في تضاد مع رغبات الأباء العلمانيين المؤسسين للصهيونية وحركة الربانيين المتصهينين، الذين لا يجدون للان تعريفاً واحداً واضحاً ومتفق عليه لجوهر إسرائيل. وجود الحركة واستمرارها وافكارها تُعمّق من الخلافات داخل الحركة اليهودية نفسها التي تتقهقر في ظروف السلام مع الجيران ويتلاشى كيانها تدريجياً بانعدام الاخطار الخارجية، فتتراجع وتخبو فكرة يهودية الدولة، وتتفكك حركتها الصهيونية ما يؤدي في تناسب طردي الى تعمّق الخلافات الحادة بين اتباعها لتصل الى حد التكفير والصِدام والمواجهات الدامية، التي تتسبب بها ذرائعية قبائلية متخلفة وانشداد نحو الماضي وعقلية التحجر. واليافطة التي نراها ضمن بيت هيرش وعليها عبارة هذه منطقة فلسطينية ، تلخص مبادئ ومنطلقات الحركة التي لا يدفع اعضاؤها الضرائب ويرفضون خدمات الدولة، ويديرون اقتصاداً مستقلا. ولا يحمل هيرش بطاقة هوية إسرائيلية، ويرى نفسه مواطناً فلسطينياً. ولأعضاء ناطوري كارتا نمطهم الاجتماعي والاقتصادي الخاص بهم. ويقع مقرهم الرئيسي في (بروكلين) في نيويورك، وتنتشر تجمعاتهم في تل الزهور، والقدس، وبريطانيا، وأستراليا وغيرها من الدول، وقد أرسلوا إلى الأمم المتحدة عام 1948 رسالة عارضوا فيها قيام إسرائيل. [email protected]