إيمان مرزوق - قد يبدو للكثيرين أن السعادة نتيجة طبيعية للنجاح أو العكس!
لكن ما يحدث على أرض الواقع مغاير لدرجة صادمة فقد يعوق إصرارنا على النجاح والتميز إحساسنا بالرضا والسعادة والسكينة!
وهنا نتساءل؛ هل يمكن لأي منا، أياً كان موقعه أن يحقق النجاح المتوازن في البيت والعمل بالطريقة التي يريد؟ وماذا لو لم تثمر جهودنا في تحقيق النجاح عن النتائج التي نُريد؟ هل سنكون في هذه الحالة فاقدين للسعادة والاستقرار النفسي؟
في هذا الكتاب يكشف لنا الدكتور عبدالله محمد علي تلمساني، كيف أن كفاحنا للوصول إلى النجاح قد يقودنا إلى مواجهة معضلة قد تؤثر سلباً على سعادتنا واستقرارنا النفسي.
ويقدم من خلاله معادلة متوازنة وخطوات عملية لدعم جهودنا للوصول إلى التميز مع الحفاظ على استقرارنا النفسي.
يأخذ الكتاب بعين الاعتبار ثقافة الناس، وتراثهم الديني، ومواريثهم الحضارية، مرتكزا على قاعدة راسخة قوامها تعاليم الدين الإسلامي وما ينبض به من فكر خلاّق، وتجارب مثمرة وثرية في تنمية الشخصية الإنسانية للوصول إلى حياة أكثر استقراراً، مليئة بالرضا والتميز.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف تناول الباحث في الباب الأول منه، مفهومي النجاح والسعادة، والعلاقة بينهما، وسبل إزالة أي تعارض بين منظورنا لكل منهما.
يتبع ذلك تعريف لمفهوم طريق التوازن وأهميته في توفير حياة أفضل لنا ولمن يرغب.
أما في الباب الثاني من هذا الكتاب فيعرض الكاتب عناصر طريق التوازن، والتي تشمل القراءة المتوازنة للواقع والمستقبل، والتحرر من أثقال الماضي، والتعامل الإيجابي مع المشاكل، وتبني سلوكيات متوازنة، وإيجاد تناسق بين سلوكياتنا وقيمنا الأخلاقية على المستوى الشخصي والعملي، والأخذ بزمام المبادرة.
ويضع المؤلف في الباب الثالث إطاراً عاماً للمضي في طريق التوازن، كما يقدم خطوات عملية لتقييم مدى ما حققناه من التطوير الشخصي والعملي والأخلاقي بهدف الوصول إلى مستويات أعلى من الرضا والتميز. مستشهدا بعدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وبمقولات للعديد من المفكرين من الشرق والغرب، إضافة إلى مواضيع ذات علاقة بطرق التعامل مع المشاكل، والقيم الأخلاقية، والسلوكيات على المستوى الشخصي والمهني.
«طريق التوازن» منهج في التفكر والتدبر، يعينك على صياغة أولويات حياتك بعقل سليم، لتستكشف به ذاتك بهدف تطويرها لتحقيق التوازن بين النجاح والسعادة.
وفي أول مواضيع الكتاب يعرض المؤلف لمفهوم النجاح تبعا لعدة معايير قائلا:
تعتمد المجتمعات على مقاييس عامة لتقييم مدى نجاح الفرد، وتشمل هذه المقاييس على سبيل المثال التفوق العلمي والعملي والحصول على المال والشهرة والسعادة الأسرية وما إلى ذلك، إلا أن تعريف النجاح قد يختلف من شخص إلى آخر.
على سبيل المثال هناك الشخص الذي يقتصر مفهوم النجاح لديه على مدى
تحقيقه للمقاييس العامة التي تعارف عليها المجتمع، وبالتالي فإنه يقيس مدى تحقيقه للنجاح بمدى تقدير المجتمع لإنجازاته، ويحرص دائماً على عدم تدني مستوى تقدير المجتمع لهذه الإنجازات.
كما أن هناك نموذجاً آخر، وهو الفرد الذي يهتم بمقاييس المجتمع العامة للنجاح من قبيل أنه جزء ينتمي إلى هذا المجتمع ويهمه أن يحظى بقبوله
وتقديره إلا أن لديه أيضا معاييره الشخصية الإضافية, والتي قد تشمل تحقيق أهداف مهنية أو اجتماعية أو روحية معينة تحظى باهتمامه الخاص.
ويمكن اعتبار هذا النموذج من الأشخاص على درجة أعلى من «التوازن» من حيث مفهومه للنجاح, وذلك لعدم اعتماده الكامل على تقدير نجاحه أو حتى ذاته من خلال نظرة الآخرين إليه, حيث أن لديه أكثر من مصدر لتحقيق الرضا عن ذاته وإنجازاته.
من الناحية الأخرى فإن هناك أيضا النموذج من الأفراد الذي لا يشمل مفهومه للنجاح أي اهتمام بمقاييس المجتمع, حيث يقتصر مفهومه للنجاح على تحقيق معاييره الخاصة سواء كانت علمية أو مهنية أو اجتماعية أو روحية, وبالرغم من محدودية مستوى توازن هذا المفهوم للنجاح من حيث انفصاله عن التوجه العام للمجتمع, إلا أن ذلك عادة ما يجعل مجهودات مثل هذا الفرد على مستوى عال من التركيز, وفرصة أعلى في تحقيق التميُّز في المجال المعين الذي اختاره, وقد يصل مفهوم الفرد لتحقيق النجاح إلى مستوى متقدم من تجاهل مقاييس المجتمع العامة فيبلغ به الأمر إلى رفضها أو العمل على إظهار مدى عدم اكتراثه بهذه المعايير, وفي حين أن هذه السمة قد تكون من سمات فترة المراهقة لدى النشء كطريقة لإثبات الذات أو جذب الانتباه فإن استمرار تبني هذا المفهوم لفترات ما بعد المراهقة قد يمثل حالة من عدم اتزان الفرد.
مما سبق يتضح أن مفهوم النجاح يختلف من شخص لآخر، وذلك من حيث مدى اهتمام الفرد وتقييمه لمفهوم المجتمع العام للنجاح من جهة ومفهومه الشخصي والخاص للنجاح من الجهة الأخرى, وبصرف النظر عن تعريفنا الشخصي للنجاح, فإن تحقيقه في أي مجال يتطلب التميز فيما نفعله, وقبل أن يكون التميز سمة أو سلوكا فرديا أو مؤسسيا هاما لتحقيق النجاح, فإنه حالة ذهنية لدى الفرد أو المؤسسة ترتبط بهاجس دائم بضرورة الوصول للأفضل, وعدم الرضا عما تم تحقيقه, لذا فإن رضا الفرد أو المؤسسة عما تم الوصول إليه من إنجازات وقبول أنه ليس بالإمكان أحسن مما كان يُفقد الفرد أو المؤسسة الرغبة-ومن ثم القدرة -على تحقيق مزيد من النجاح.
إن حالة عدم الرضا عن إنجازاتنا المطلوبة لتحقيق مزيد من النجاح قد تقف عائقا أمام طريقنا إلى السعادة» وهذا ما يناقشه الكتاب في فصوله.
