سيظل الحادي عشر من ايلول يوماً مميزاً في تاريخ الولايات المتحدة والعالم وسيذكر الذين عاشوه ومن جاء من بعدهم ان العالم قبله يختلف عن العالم من بعده. فقد سبب هذا اليوم بما حمله من دلالات ومعان وآثار علامة فارقة واطلق سلوكاً وظواهر وحروباً وممارسات واجراءات ما زالت تتوالى فالولايات المتحدة الاميركية ليست دولة عادية ليخصها الحدث فهي تنتشر تأثيراً ونفوذاً وثقافة ونمط حياة وتدخلات وضغوط وسيطرة وهيمنة وارسال قوات في مختلف انحاء العالم وقد دفعت العديد من دول العالم وشعوبه ثمناً لما حدث في ذلك اليوم باكثر مما دفعت الولايات المتحدة الاميركية التي استغلت الحدث او ركبته او بنت عليه او اصابها ردة فعل. فكان احتلال افغانستان وما زال وكان احتلال العراق وما زال وكانت الحرب الاميركية على الارهاب والتي جاءت ثمرة من ثمار الحادي عشر من ايلول وقد زجت الولايات المتحدة فيها دولاً عديدة وصل بها الامر محاربة شعوبها والصدام معها خوفاً وطمعاً واستجابة. ولم يعرف العالم حتى الان تعريفاً حقيقياً للارهاب اذ لم ترغب الولايات المتحدة بقبول تعريف الارهاب الا من وجهة نظرها ولم ترغب ايضاً في البحث في اسباب الارهاب وانما ارادت ان تبدأ حربها عليه من حيث كان وان تعالج وتواجه ظواهره دون التوقف عند اسباب. حرب الحادي عشر من ايلول اطلقت موجة اميركية عامة تحاول التعرف على الاسلام حتى جرى الصاق التهم بما جرى في ذلك اليوم بجماعة اسلامية كما قامت نظريات معادية تدعو لحرب او صراعات الحضارات واخرى تقول لماذا يكرهوننا واصبح الاميركي غير آمن على المستوى العالمي وتطلب ذلك انفاقاً امنياً هائلاً وتدخلاً في شؤون الدول الاخرى والزامها بمعايير امنية وقانونية تحمي الاميركيين وتكفل لهم حقوقاً فوق القوانين والدساتير لتلك الدول. ما جرى في ايلول قبل سبع سنوات يتطلب وقفة اميركية جادة من المراجعة العميقة التي تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الاميركية العليا التي تحققها العلاقات الطيبة بين الولايات المتحدة والعالم واعادة بناء صورة اميركية جديدة تؤمن بحق الشعوب ايضاً في حريتها وتعزيز مصيرها وعدم التدخل في شؤونها ونهب ثرواتها.. أي العودة بالولايات المتحدة الى المنطلقات السامية التي اطلقها (ويلسون) في الحرية والاخاء والمساواة وحق الشعوب في تقرير المصير.. وهو ما تتحدث عنه الادارات الاميركية وانقلبت عليه وخاصة ادارة بوش الاخيرة التي تقوم ايديولوجيتها المحافظة على نزعة فوقية وعدائية لمصالح الاخرين. العالم بعد (11) ايلول اصبح اكثر اضطراباً ونزاعات وانشقاقات وفوضى ومجاعات واكثر تلوثاً لعدم اهتمام الولايات المتحدة باتفاقيات الشراكة مع العالم وخاصة البيئية (كيوتو) وفي منطقة الشرق الاوسط حيث ترابط الجيوش الاميركية على شكل احتلال في بلدين (العراق وافغانستان) وعلى شكل قواعد وتدخلات في عديد من البلدان العربية كما انها تتدخل عسكرياً بالضرب او القصف مباشرة باذن او بدون اذن كما حدث في اليمن ويحدث الآن في باكستان . وهنا دول دمرت واخرى تواجه التهديد والتدمير مثل ايران والسودان.. ونتاج ذلك اليوم المشؤوم اصبحت الحريات في العالم الثالث وفي بلداننا العربية اقل وجرى مصادرة العديد من هوامشها بذرائع الامن ومواجهة العنف والارهاب وعدم اغضاب الولايات المتحدة.. وبعد (11) ايلول اصبحت الادارة الاميركية اكثر انحيازا لاسرائيل واكثر دفاعا عن مصالحها واعطتها اكثر من ضوء اخضر لتصفية القضية الفلسطينية ورهن حقوق الشعب الفلسطيني وتصوير قضيته على انها قضية ارهابيين ومعتدين يستهدفون الديمقراطية الاسرائيلية، لقد تعطلت التسوية السياسية وما زالت وزادت المنطقة احتقانا في سوريا ولبنان وازداد التطرف الاسلامي والديني واتسعت الفجوة بين الانظمة والشعوب.. أما اذا قيمنا آثار الحادي عشر من سبتمبر على بلدنا الاردن تحديدا فانني استطيع القول ان ذلك اليوم وتداعياته رتب علينا كلفا امنية كبيرة في حفظ أمن واستقرار بلدنا من التطرف والتدخلات الخارجية واعمال العنف ومثال ذلك استهداف عمان وفنادقها وقتل واستشهاد العشرات من الاردنيين على يد تنظيم القاعدة ودوافع أخرى كما أننا دفعنا كلفة غير مباشرة في ارتفاع اسعار النفط الذي كنا ناخذه باسعار رخيصة وباعفاءات كبيرة من العراق السابق كما حرم الاردنيون من سهولة الحركة الى الولايات المتحدة ومن دراسة تخصصات عديدة كالطيران وغيرها اسوة بالعرب والمسلمين الذين جرى تشويه صورتهم.. الحادي عشر من ايلول يوم أسود مشؤوم ليس على أميركا وانما على العالم والخلاص من آثاره واعراضه لا بد ان يساهم العالم كله فيها ليس على هذه الطريقة الاميركية القائمة التي تجند العالم في حرب لم تتراجع تفاقماتها وتداعياتها بعد سبع سنوات وانما زادت والاسباب ما زالت هي هي التي سببت (11) ايلول وما زال معسكر المعادين للولايات المتحدة يزداد وآخر الصور ما حدث في روسيا.