تلبس الجن للإنسان بين علماء المسلمين وعلماء الغرب

تلبس الجن للإنسان بين علماء المسلمين وعلماء الغرب

د. يوسف بن مصطفى مشعل

كما أسلفنا سابقا فإن جمهور علماء المسلمين السابقين واللاحقين قد أثبتوا حقيقة تلبس الجن بالإنسان، اعتمادا على أقوال جمهور المفسرين للآية الكريمة (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة 275، واعتمادا على الأحاديث الصريحة في معناها والثابتة في أسانيدها، والتي أوردنا سابقا بعضها ونذكر في هذه الحلقة المزيد منها معتذرين عن حصرها جميعا لكثرتها وتعدد طرقها مما يفيض المجال عن الإحاطة بها.
     ومن أبرز علماء السلف الذين أثبتوا حقيقة التلبس إمام التابعين أحمد بن حنبل، حيث ورد في /مجموع الفتاوى/ لابن تيمية ج24 ص277: «قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن أقواما يقولون إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال الإمام أحمد: يا بني يكذبون، هذا يتكلم على لسان المصروع»، وجاء في كتاب /الفتاوى/ لابن تيمية ج4 ص276،ص277: «دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق علماء السنة والجماعة»، وفي كتاب /الملل والنحل/ ج5 ص13،ص14: «بهذا القول قال ابن القيم وابن حزم وابن كثير والقرطبي»، وقال ابن القيم: «إن دخول الجن في جسم الإنسان مثل دخول الماء في العود والنار في الحديد ودخول الغذاء في جميع أجزاء البدن» كتاب (الروح) لابن القيم الجوزية ص216.
     أما علماء زماننا هذا فمنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله إذ قال في /جريدة المسلمون/ العدد 449 في 15 ربيع الأول عام 1416 هجرية: «تلبس الجني بالإنسي هو الحق الذي أجمع عليه العلماء ونقله أبو الحسن الأشعري عن أصل السنة»، وقال الشيخ أبو بكر الجزائري في /عقيدة المؤمن/ ص229،ص230: «أذى الجن للإنسان ثابت لا ينكر حيث ثبت بالدليل النقلي والحسي»، والشيخ الدكتور عمر سليمان الأشقر في كتابه (عالم الجن في ضوء القرآن والسنة).
     وقد استندوا كما قلنا على آراء جمهور المفسرين لقوله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة 275، إذ يقول الإمام القرطبي:»في هذه الآية دليل على فساد من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس»تفسير القرطبي ج3 ص355، وقال الطبري في تفسيرها ج3 ص 101 في تفسيره /جامع البيان في تأويل القرآن/: «يتخبطه الشيطان في الدنيا، وهو الذي يتخبطه فيصرعه من المس يعني من الجنون»، وقال ابن كثير في تفسيرها ج1 ص 326 من /تفسير القرآن العظيم/: «أي لا يقومون من قبورهم إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياما منكرا»، وقال الشوكاني في تفسيرها ج1 ص295 في تفسير /فتح القدير/: «الشيطان قد يمس الرجل وأخلاطه مستعدة للفساد فتفسد ويحدث الجنون»، وقال الألوسي: «قوله تعالى (من المس) أي الجنون، يقال مس الرجل فهو ممسوس: إذا جن، وأصله للمس باليد، وسمي به لأن الشيطان قد يمس الرجل وأخلاطه مستعدة للفساد فتفسد ويحدث الجنون» نقلا عن كتاب (عالم الجن في ضوء القرآن والسنة) ص263 للدكتور عمر سليمان الأشقر.
وروى الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه من حديث مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال حدثتني أم أبان بنت الوازع بن زارع بن عامر العبدي: عن أبيها أن جدها الزارع انطلق إلى رسول الله ومعه ابن مجنون قال جدي فلما قدمنا على رسول الله قلت إن معي ابنا لي مجنونا، أتيتك به تدعو الله له، قال آتني به قال فانطلقت به إليه وهو في الركاب، فأطلقت عنه وألقيت عنه ثياب السفر وألبسته ثوبين جديدين، وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول الله فقال أدنه مني، واجعل ظهره مما يليني فأخذ النبي بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله، فجعل يضرب ظهره حتى رأيت بياض إبطيه، ويقول اخرج عدو الله اخرج عدو الله، فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول، ثم أقعده رسول الله بين يديه فدعا له فمسح وجهه، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله يفضل عليه» قال الهيثمي: رواه الطبراني وأم أبان لم يرو عنها مطر- مجمع الزوائد ج3 ص3 ، قلت وأم أبان قال عنها الحافظ: مقبولة ? تقريب التهذيب ج2 ص619، وقد روى لها البخاري في صحيحه فقد جاوزت القنطرة.
     وورد في مسند الإمام أحمد: «حدثنا عبد الله بن نمير عن عثمان بن حكيم قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلى بن مرة قال لقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ما رآها أحد قبلي ولا يراها أحد بعدي لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها فقالت يا رسول الله هذا صبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة قال ناولينيه فرفعته إليه فجعلته بينه وبين واسطة الرحل ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثا وقال بسم الله أنا عبد الله اخسأ عدو الله ثم ناولها إياه فقال القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل قال فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث فقال ما فعل صبيك فقالت والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة ....» للحديث تكملة، رواه الإمام أحمد والطبراني بإسناد رجاله رجال الصحيح كما قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد ج3 ص4، وأخرجه الحاكم في المستدرك ج2 ص617 وصححه ووافقه الذهبي، ولهذا الحديث أشباه فرواه الإمام أحمد بلفظ آخر، كما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه حديث شبيه بنفس المعنى رواه الطبراني والبزار.
     وعن ابن عباس أن «امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن به لمما، وانه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا، قال: فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثعّ ثعّة فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى» وفي رواية: «فسعى» ، رواه أحمد والدارمي ج1 ص12 قال الهيثمي: وفيه فرقد السبخي وثقه ابن معين والعجلي وقال عنه الحافظ: صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ.. تقريب التهذيب ج2 ص108.
     أما علماء الغرب فقد أثبت جمهرة منهم حقيقة تلبس الجن بالإنسان، فهذا العالم الأمريكي (كارنجتون) عضو جمعية البحوث النفسية الأمريكية يقول في كتابه (الظواهر الروحية الحديثة): « واضح أن حالة المس هي على الأقل حالة واقعية لا يستطيع العلم أن يهمل أمرها ما دامت توجد حقائق كثيرة مدهشة تؤيدها ، وما دام الأمر كذلك فإن دراستها أصبحت لازمة وواجبة لا من الجهة الأكاديمية فقط ، بل لأن مئات من الناس وألوفًا يعانون كثيرًا في الوقت الحاضر من هذه الحالة «، ويقول الدكتور (بل) في كتابه (تحليل الحالات غير العادية في علاج العقول المريضة): « لدينا الكثير الذي يصح أن نميط عنه اللثام وعلى الأخص ما كان متعلقًا بحالة المس الروحي باعتباره عاملاً مسببًا للأمراض النفسية والعصبية  « ويضيف قائلا: « ومع ذلك فحينما يأتي ممارسو القوة الروحية الحديثون بالعجب العجاب في طرد الشياطين أو الأرواح الماسة ومداواة المرضى والمحزونين فلا يكون من نصيبهم من بعض الأطباء إلا نظرة الزراية والاستخفاف «،  ويقول الدكتور جيمس هايسلون في كتابه عن المس : «إنه تأثير خارق للعادة تؤثر به شخصية واعية خارجية في عقل شخص وجسمه ولا يمكن إنكار مكنة حدوث المس»، وبذلك يقول أيضا الدكتور ( كارل ويكلاند ) والدكتور ( الكسيس كاريل ) الحائز على جائزة نوبل في الطب والجراحة .. نقلا عن كتاب (عالم الجن في ضوء القرآن والسنة) ص83 للدكتور عمر سليمان الأشقر.

 hishamkhraisat@gmail.com