المحامي د. ليث كمال نصراوين
أستاذ مساعد في القانون الدستوري
منذ صدور الدستور الأردني الحالي عام 1952 فقد خضع لعدد من التعديلات الدستورية بهدف إضافة أو تعديل أو إلغاء بعض بنوده وأحكامه خلال الفترة ما بين عام 1954 وحتى عام 1984 وذلك استجابة لأسباب داخلية محلية تتمثل في تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات وأسباب سياسية خارجية تتعلق معظمها بظروف الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة التي توحدت مع المملكة الأردنية الهاشمية منذ عام 1951 وحتى عام 1988 ، والاتحاد بين الأردن والعراق عام 1958. فقد جرى أول تعديل على الدستور الأردني بتاريخ 24/2/1954 بهدف الحد من تغول السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والذي كان يعد السمة الرئيسية للدستور الأردني لعام 1946 وتفعيل الرقابة السياسية لمجلس النواب على السلطة التنفيذية وخصوصا عند تشكيل أي حكومة جديدة. فقد تم تعديل المادة (53) من الدستور المتعلقة بطرح الثقة بالوزارة أو أحد الوزراء حيث اشترط النص بعد التعديل موافقة الأكثرية المطلقة من النواب على طرح الثقة بالوزارة أو الوزير في حين كان النص السابق يشترط أكثرية ثلثي الأعضاء. كما تم تعديل المادة (78) من الدستور المتعلقة بمدة الدورة العادية حيث تم زيادتها من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر. كما تم تعديل الفقرة (3) من المادة (54) بإلزام كل وزارة جديدة بأن تتقدم ببيانها الوزاري إلى مجلس النواب خلال 30 يوما من تأليفها إذا كان المجلس منعقدا وخلال شهرين إذا لم يكن منعقدا وذلك لتطلب الثقة على ذلك البيان. أما إذا كان مجلس النواب منحلا فعلى الوزارة الجديدة أن تتقدم ببيانها الوزاري خلال خمسة عشر يوما من اجتماع المجلس الجديد. كما تم إضافة الفقرة (2) إلى المادة (74) والتي ألزمت الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها أن تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل على أن تجري الانتخابات النيابية حكومة انتقالية.
أما التعديل الثاني على الدستور الأردني فقد جرى بتاريخ 12/10/1955 وكان مبرره الأساسي تغيير آلية تشكيل مجلس الأعيان في المادة (65) حيث تقرر حق الملك في تعيين جميع أعضاء مجلس الأعيان لمدة أربع سنوات وتم إلغاء الآلية السابقة والتي كانت تقوم على اختيار أعضاء مجلس الأعيان لمدة ثماني سنوات يتجدد تعيين نصف الأعضاء بالاقتراع كل أربع سنوات مع إمكانية إعادة تعيين من سقط بالاقتراع. كما تم تعديل المادة (54) من الدستور وتقليص الدورة العادية لمجلس النواب من ستة أشهر كما تم تعديلها عام 1954 إلى أربعة أشهر.
أما التعديل الثالث على الدستور فقد كان بتاريخ 1/5/1958 وذلك استجابة للظروف السياسية في ذلك الوقت والمتمثلة في إقامة الاتحاد الهاشمي بين الأردن والعراق عام 1958 حيث كان لابد من تعديل الدستور الأردني ليتوافق مع الدستور العراقي النافذ في حينه. فقد عدلت الفقرة (3) من المادة (54) المتعلقة بالبيان الوزاري حيث تم إعفاء أي وزارة جديدة من تقديم بيان وزاري لها إذا ما تشكلت أثناء عدم انعقاد مجلس النواب أو حله بحيث يعتبر خطاب العرش بيانا وزاريا لها لغايات الحصول على ثقة مجلس النواب. كما عدل تشكيل المجلس العالي لتفسير الدستور في المادة (57) ليتشكل من رئيس مجلس الأعيان رئيسا وثمانية أعضاء ثلاثة من الأعيان يتم اختيارهم بالاقتراع وخمسة من قضاة أعلى محكمة نظامية بعد أن كان برئاسة رئيس أعلى محكمة نظامية في الأردن. وألغيت المادة (74) المتعلقة باستقالة الحكومة خلال اسبوع إذا حل مجلس النواب في عهدها وتم استبدالها بما يفيد أن على الوزير الذي ينوي ترشيح نفسه للانتخاب أن يستقيل قبل ابتداء الترشيح بمدة خمسة عشر يوما على الأقل. كما عدلت المادة (89) بحيث أصبحت قرارات مجلسي النواب والأعيان تصدر بأغلبية أصوات الحاضرين ما عدا الرئيس الذي يصوت فقط للترجيح عند تساوي الأصوات وذلك بدلا عن النص السابق والذي كان يشترط صدور القرارات بالأغلبية المطلقة. وعدلت المادة (94) من الدستور المتعلقة بالقوانين المؤقتة وذلك بإلغاء الحالات المحددة على سبيل الحصر والتي كانت تعطي مجلس الوزراء حق إصدار قوانين مؤقتة - وهي الكوارث العامة وحالة الحرب والطوارئ والحاجة إلى نفقات مستعجلة لا تتحمل التأجيل - واستبدالها بعبارة فضفاضة هي اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل كمبرر لإصدار قوانين مؤقتة. وأخيرا عدلت المادة (95) من الدستور ليتلاءم مع الدستور العراقي حيث تم إعطاء عشرة أو أكثر من أعضاء أي من مجلسي الأعيان والنواب أن يقترحوا قوانين على أن يحال كل اقتراح على اللجنة المختصة في المجلس لإبداء الرأي ، فإذا رأى المجلس قبول الاقتراح أحاله على الحكومة لوضعه في صيغة مشروع قانون وتقديمه للمجلس في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها. في حين كان النص القديم يعطي الحق لكل عضو أو أكثر من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب اقتراح مشاريع قوانين.
أما التعديل الرابع على دستور 1952 فقد تم بتاريخ 23/8/1958 على ضوء انتهاء الاتحاد الهاشمي بين الأردن والعراق وذلك بهدف تعديل النصوص التي تم الإشارة فيها صراحة إلى دستور الاتحاد العربي في الدستور الأردني وهي المادتان (45) و(102) واللتان تم إضافة عبارة (دستور الاتحاد العربي) إليهما في التعديل الثالث.
أما التعديل الخامس فقد تم بتاريخ 27/1/1960 واقتصر على المادة (68) من الدستور والتي أعطت الحق للملك في تمديد مدة مجلس النواب مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على سنتين. إن المبرر الأساسي لهذا التعديل هو مواجهة مشكلة عدم إمكانية إجراء انتخابات تشريعية في موعدها الدستوري بسبب ظروف الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية في ظل الوحدة بين الضفتين. لذا فقد تم إعطاء الملك الحق في تمديد مدة مجلس النواب بعد انتهاء ولايته لمدة لا تزيد عن سنتين كبديل عن إجراء انتخابات تشريعية جديدة. وقد تم تطبيق النص السابق لأول مرة في 15/4/1971 عندما انتهت ولاية مجلس النواب الذي انتخب في 15/4/1967 ونظرا لتعذر إجراء انتخابات تشريعية جديدة في الضفتين الشرقية والغربية بسبب احتلال الضفة الغربية من قبل إسرائيل في حزيران من نفس العام فقد تم تمديد مدة ذلك المجلس استنادا لأحكام المادة (68) من الدستور حتى 15/4/1973.
أما التعديل السادس على دستور 1952 فقد تم بتاريخ 1/4/1965 حيث تم تعديل المادة (28) المتعلقة بولاية العرش وأعطي الملك الحق في اختيار أحد أخوته الذكور وليا للعهد على أن تنتقل ولاية الملك من صاحب العرش إليه. إن المبرر الرئيسي لهذا التعديل هو تمكين المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال من تعيين أخيه سمو الأمير الحسن بن طلال وليا للعهد.
أما التعديل السابع على الدستور فقد جرى بتاريخ 5/4/1973 حيث تم تعديل المادة (88) من الدستور وأعطي مجلس النواب بأكثرية أعضائه المطلقة في حال شغور محل أحد أعضاء مجلس النواب في أية دائرة انتخابية ولأي سبب من الأسباب الحق في انتخاب عضو لملء ذلك المحل من أبناء تلك الدائرة الانتخابية إذا كانت هناك ظروف قاهرة يرى معها مجلس الوزراء أن إجراء انتخاب فرعي لملء ذلك المحل هو أمر متعذر. إن الهدف الأساسي من هذا التعديل هو مواجهة حالة تعذر إجراء انتخابات فرعية في حال شغور أحد مقاعد مجلس النواب خاصة في ظل الوحدة بين الضفتين والظروف السياسية الصعبة التي كانت تعاني منها المنطقة في ظل الاحتلال الإسرائيلي حيث كان لابد من إيجاد بديل عن إجراء انتخابات فرعية لملء الشاغر في مجلس النواب من خلال إعطاء مجلس النواب نفسه الحق في انتخاب أحد أبناء الدائرة الانتخابية لشغر المقعد النيابي.
وبتاريخ 9/11/1974 تم إجراء التعديل الثامن على الدستور الأردني حيث أعطي الملك حق حل مجلس الأعيان وإعفاء أحد أعضائه من العضوية. كما تم تعديل المادة (73) من الدستور وإعطاء الملك الحق في تأجيل الانتخاب تأجيلا عاما لمدة لا تزيد عن سنة واحدة إذا كانت هناك ظروف قاهرة يرى معها مجلس الوزراء أن إجراء الانتخاب أمر متعذر. وبتاريخ 7/2/1976 تم إجراء التعديل التاسع بإلغاء عبارة (لمدة لا تزيد عن سنة واحدة) من تعديل عام 1974 حيث أصبح الملك يتمتع بحق تأجيل الانتخاب تأجيلا عاما إذا كانت هناك ظروف قاهرة يرى معها مجلس الوزراء أن إجراء الانتخاب أمر متعذر. إن هذه التعديلات قد جاءت استجابة للظروف السياسية الاستثنائية التي كانت تمر بها البلاد في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والوحدة مع الأردن. كما جاء التعديل استجابة لمقررات مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الرباط بتاريخ تشرين أول عام 1974 عندما قرر الملوك والرؤساء العرب الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. فعلى أثر ذلك تم حل مجلس النواب الأردني في 23 تشرين الثاني 1974 وبالتالي كان لابد أن يتم حل مجلس الأعيان فأعطي الملك لأول مرة حق حل مجلس الأعيان. كما عدلت المادة (73) من الدستور وأعطي الملك حق تأجيل الانتخابات التشريعية لمدة عام لتعذر إجراء انتخابات تشريعية في موعدها بعد قرار مؤتمر الرباط ثم الغي القيد الزمني على مدة تأجيل الانتخاب وأصبح الملك يملك تأجيل الانتخاب تأجيلا عاما إذا كان إجراء الانتخاب أمرا متعذرا.
أما التعديل العاشر والأخير على دستور 1952 فقد جرى بتاريخ 9/1/1984 حيث تم التصدي لحالة ما إذا استمرت الظروف القاهرة التي تجعل من إجراء الانتخاب أمر متعذرا وتبرر تأجيل الانتخاب تأجيلا عاما حيث تم تعديل المادة (73) من الدستور وأعطي الملك حق إعادة مجلس النواب المنحل ودعوته للانعقاد إذا ما استمرت الظروف القاهرة فترة طويلة على أن يعتبر ذلك المجلس قائما من تاريخ صدور الإرادة الملكية بإعادته. كما تم إضافة الفقرة (6) إلى المادة السابقة والتي أجازت إجراء الانتخاب العام في نصف عدد الدوائر الانتخابية على الأقل بالرغم من استمرار الظروف القاهرة وذلك بأمر من الملك على أن يتولى الأعضاء الفائزون انتخاب ما لا يزيد على نصف عدد الأعضاء في الدوائر الانتخابية الأخرى التي تعذر إجراء الانتخاب فيها وأن يتم الانتخاب بأكثرية الثلثين على الأقل.
إن مبررات التعديل السابق تكمن في توفير حلول دستورية للخروج من مأزق عدم إجراء انتخابات تشريعية لفترة طويلة بسبب استمرار الظروف الطارئة التي بررت تأجيل الانتخاب تأجيلا عاما وبالتالي إنفراد السلطة التنفيذية بالسلطة. حيث تم إعطاء الملك حقين أحدهما أن يقرر دعوة مجلس النواب الأخير والذي انتهت ولايته إلى الانعقاد من جديد بإرادة ملكية ، أو أن يقرر إجراء الانتخاب في نصف عدد الدوائر الانتخابية التي من الممكن إجراء الانتخاب العام فيها ? والمقصود بها الدوائر الانتخابية في الأردن - على أن يقوم الفائزون بانتخاب ممثلين من الدوائر الانتخابية التي يتعذر إجراء الانتخابات فيها ? والمقصود بها الدوائر الانتخابية في الضفة الغربية. وهو ما تم تطبيقه عام 1984 حيث تم دعوة مجلس النواب التاسع الذي تم انتخابه في 18 نيسان 1967 إلى الانعقاد بإرادة ملكية اعتبارا من 9 كانون الثاني 1984. وفي الثالث عشر من آذار 1984 جرت انتخابات فرعية لملء المقاعد الشاغرة بسبب وفاة أعضاء مجلس النواب التاسع في الضفة الشرقية ثم قام المجلس بانتخاب أعضاء الضفة الغربية للمقاعد الشاغرة لتعذر إجراء الانتخابات فيها حيث عادت الحياة البرلمانية إلى الأردن. وقد استمر هذا المجلس الذي اعتبر مجلس النواب العاشر حتى 30 تموز 1988 بعد أن أكمل مدته الدستورية وتم تمديدها حتى صدرت الإرادة الملكية بحله قبل فك الارتباط بين الضفتين.