هايل عبد المولى طشطوش
الحرية تعني ان يعمل الإنسان ما يقدر على عمله حسب مشيئته لا يصرفه عن عمله أمر غيره، وهذا المعنى يتوافق مع المعنى الأصلي للحرية الذي هو ضد العبودية فالحرية بمجملها تعني ان الإنسان له كرامته محترم في ذاته وماله وتصرّفه مالك لذلك كلّه أصالة.
لم تعرف الشرائع والنظم حرية التعبير عن الآراء والأفكار ولم تكفلها وتقدرها كما كفلها وقدرها الإسلام وقد سجل الإسلام سبقا عظيما في هذا الإطار تفوق فيه على الثورات الكبرى التي نادت بالحرية كالثورة الفرنسية وغيرها حيث قال تعالى {لاإكراه في الدّين} (سورة البقرة، من الآية: 256 ). وقوله تعالى: {أفأنت تُكره الناس ََعلى أن يكونوا مؤمنين} (سورة يونس، من الآية: 99) فعدم الإكراه هو الحرّية بالمعنى الحديث.
ومن ابرز دلائل الحرية في التاريخ الإسلامي هي الإبداعات التي قدمها العقل العربي المسلم والأفكار العظيمة والعلوم الساطعة التي أنار بها علماء المسلمين عقول البشرية فكانت علامة فارقة ودلاله واضحة على حرية الفكر وانطلاقة من عقاله ليبدع ويرسم للعالم منهجية جديدة من نظم الحياة بجوانبها المختلفة ما زال العالم المعاصر إلى اليوم يتفيأ ظلالها .لان الإسلام جعل الإنسان مخلوقا مميزا عن سائر المخلوقات بوظيفة لم تعط لغيرة وهي الاستخلاف وهو لم يستحقها إلا لأنه صاحب فكر وعقل وإدراك، وهكذا فالإنسان مادام يمتاز بالفكر عن سائر المخلوقات فان هذه الميزة ترتقي به وتجعله حرا يشعر بالعزة والكرامة ، لان الحرّية تقود إلى التفكير، والتفكير يستلزم قدراً من الحرية حتى يكون له أثر في الحياة. فالإنسان يفكر كيف يشاء، وله الأمن في ذلك حيث لا عقاب على تفكيره، وقد بلورت السنة المطهرة ذلك حيث قال عليه الصلاة والسلام ، :» إن اللّه تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم». وأهم مجالات التفكير الإنساني، هو مجال العلم والبحث والاجتهاد والاستنباط والاكتشاف، فبالعلم يرتقي تفكير الإنسان، وكلما ارتقى تفكيره زادت معارفه، وتهذّب سلوكه وتمدّن طبعه، وازدادت سعادته. كما أفسح القرآن المجال للتفكير ولام المقلدين المعطلين لهذه الموهبة وهذه الخاصية التي تميز البشر عن غيرهم من المخلوقات، بل شرفه اللّه بالمعرفة والتفكير والعلم كميزة لم يََرْقَ إليها صنف آخر من المخلوقات. وعاتب المعطلين لمداركهم الفكرية السابحين في بحر التقليد الأعمى ومن ذلك قوله تعالى: {ويتفكرون في خلق السماوات والأرض} .(سورة آل عمران، الآية: 191).{أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها}. ( سورة ق ، من الآية: 6). {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} .( سورة الذاريات، الآية: 21).
لأجل ذلك كله منح الإسلام الناس حرية القول، وحمى الكلمة من كل ما يمسها بسوء، وجعلها مقدسة وضرورة من ضرورات الحياة، لا كرامة للإنسان بدونها، فقد ميزّ الله البشر بالنطق، وفضلهم على الجمادات والحيوانات بهذا الامتياز بقوله تعالى: {ولقد كرَّمْنا بني آدمَ وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً}. (سورة الإسراء، الآية:70 ). لكن الإسلام لم يترك شيئا دون قيود وضوابط تنظمه وتهذبه وتجعله وسيله من وسائل الخير للامه فقد نظم هذه الخاصية لأنه أدرك أنها لا يمكن أن تؤدي وظيفتها على أحسن وجه إلا بالمحافظة عليها وترتيبها وتنميتها وتهذيبها ، لذلك اهتم الإنسان منذ الخليقة بلغته وتطويرها وتهذيبها، كلما تقدمت به المعارف، لأنها تمثل كيانه وشخصيته واستقلاليته، فوضع قواعد الكلام السليم المرتب الذي يساعد على ترتيب أفكاره والتعبير عنها وإبلاغها للسامعين بكل وضوح، وحتى يتمكن سامعه من أن يفقه مايقول وما يريد. وإنما وظيفة الكلام هو التعبير عما فيه صلاح المجتمع ودرء المفاسد عنه، ولذلك حثّ الدين على الصدق في القول، لأنه طريق البرّ والنجاح، وذم الكذب وجعله من اكبر القبائح لانه طريق الضلال والهلاك.
لذا يجب أن لا يفهم أن معنى حرية الرأي هو «الفوضى» بل هي الكلمة الصادقة التي تصلح حال المجتمع وتكون بمثابة النصيحة التي لاغنى عنها لكل الناس حيث قال علية الصلاة والسلام «الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ، قال :» لله ولرسولة ولائمة المسلمين وعامتهم « نسال الله أن يصلح مجتمعاتنا ويحفظ بلادنا من كل شر انه سميع مجيب.
