أ. عبد الرحمن محمود جرار
تنشا أشكال متنوعة من القلق عن أفكارنا، أو عن تفسيراتنا للأحداث في الحياة ، والتي نعرف ، على المستوى العقلي ، إنها لا تستحق الانزعاج من اجلها . فنحن نقول لأنفسنا أن موقفا ما ليس مهما جدا ، وانه يمكن النظر إليه بطرق متنوعة ، وانه لا ينبغي أن يزعجنا . ومع ذلك ، فهو يزعجنا. وقد يلازمنا ويضايقنا مسببا القلق ، والانزعاج ، والتعاسة. ويطمئننا الأصدقاء ، ونقول لهم أننا نعرف صحة ما يقولوه لنا ، ولكننا مع ذلك لا نستطيع إخراج الأفكار المزعجة من رؤوسنا . وفي بعض الأحيان ، تكمن المشكلة في التفكير الخاطئ . وإذا استطعنا أن نفكر بوضوح وان نصحح الأشياء في عقولنا ، فان المشكلات تتبدد.
عند الحديث عن الأفكار اللاعقلانية نذكر ما يراه أنصار العلاج العقلاني للاضطرابات النفسية من أن هذه الاضطرابات هي نتاج للتفكير غير العقلاني الذي يتبناه الإنسان، وبالتالي فان السبيل إلى الحد من المعاناة الإنسانية هو التخلص من أنماط التفكير الخاطئة وغير العقلانية . فهم يرون أن المشكلات النفسية لا تنجم عن الأحداث والظروف بحد ذاتها وإنما عن تفسير الإنسان وتقييمه لتلك الأحداث والظروف.
ومن المنطلقات النظرية لأصحاب التوجه العقلاني في السلوك والعلاج : إن الإنسان لديه استعدادات فطرية للتفكير المنطقي ولديه القدرة على ضبط الذات وتحقيق الذات، وان الإنسان يتأثر وبخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة بأفراد أسرته ورفاقه وبمجتمعه بشكل عام ، وهو يتعلم التفكير اللامنطقي في مراحل مبكرة من عمره من خلال الحرص على الفوز برضا الآخرين له، وان الأفكار والمشاعر والأفعال لا تحدث بمعزل عن بعضها البعض بل انها تتفاعل فيما بينها . وان سبب الاضطرابات الانفعالية جميعا هو التفكير اللامنطقي ، فالمشكلة ليست بخبرات الفرد ولكن المشكلة بمعنى هذه الخبرات بالنسبة له، وان الإنسان يصنع عالمه بيديه ، فهو المسؤول عن المشكلة التي يعاني منها.
أمثلة من الأفكار اللاعقلانية
إن الأفكار اللاعقلانية أو اللامنطقية تتطور لدى الإنسان وتؤدي بالتالي إلى اضطرابات تتطلب التدخل العلاجي ، ومن هذه الأفكار :
البعض يعتقد انه يجب أن يحظى بحب الأشخاص المهمين في حياته طوال الوقت ، وان الناس الذين يؤذوننا أو يفعلون ما لا نحب هم سيئون بالضرورة ويجب أن يلاموا ويعاقبوا على أفعالهم ، وان الحياة مرعبة ولا تطاق إذا لم تسر كما نريد، وان من السهل على الإنسان أن يتجنب مواجهة صعوبات الحياة والمسؤوليات الشخصية لا أن يواجهها ويحاول تنظيم ذاته ، وان على الإنسان أن يعتمد على الآخرين ، وان الماضي يحدد السلوك الحاضر، والإحداث التي أثرت بمشاعرنا لا يمكن تغييرها أو محوها، ويجب على الإنسان أن ينزعج دائما لهموم الآخرين ومشكلاتهم ، وان الأشياء يجب أن تكون أفضل حالا مما هي عليه ، وهناك حل مثالي لكل مشكلة وإذا لم نجد الحلول الجيدة والسريعة لمشكلات الحياة اليومية فذلك أمر فظيع ومفجع، وان التعاسة هي نتيجة احداث خارجية مفروضة علينا ، ولا قدرة لدينا للتحكم بها، وينبغي علينا أن ننشغل بشكل مفرط في الأشياء الخطرة والمخيفة، ويجب أن نركز تفكيرنا على تلك الأشياء إلى أن يزول الخطر ، وان ما يفعله الآخرون مهم جدا بالنسبة إلينا ، وينبغي علينا أن نبذل كل جهد ممكن لتغييرهم كي يصبحوا على النحو الذي نفكر فيه، وإننا لا نسيطر على عواطفنا ، فنحن ضحاياها ، وليس باستطاعتنا أن نقرر كيف نعيش.
كيفية التعامل مع الأفكار اللاعقلانية
يمر الجميع بأوقات صعبة لا يحالفهم النجاح فيها ، ولا ينبغي أن تكون مثل هذه الأحداث ذات نتائج كارثية إذا فكرنا بعقلانية فيما حدث ، وفي معنى ما حدث، فمثل تلك الأحداث قد تثير التطور والتحسن إذا نظرنا إليها كذلك، بدل أن نسمح لها أن تثير القلق الذي يقود إلى التدهور.
يفكر البعض منا بطريقة غير عقلانية وتدار حياته بناء على هذا التفكير مما يسبب له بالتالي متاعب نفسية ، ولكن ما يراد قوله أن الشخص قد يكون فكر بطريقة خاطئة لأنه بالأصل لا يعرف طرق التفكير السليمة. فجزء كبير إذا من وجهات نظرنا ، ومعتقداتنا الخاطئة ونقص التفكير المنطقي ينتج عن أننا لم نتعلم ? أو لم يعلمنا احد ? كيف يكون التفكير المنطقي. وهنا فالعلاج يجب أن يركز على البحث في أساليب التربية الشخصية وكيفية إعادة تعديلها كي ننتج بعدها تفكيرا منطقيا ، وضرورة التركيز على الحوار مع الشخص الذي يفكر بطريقة لا عقلانية لكي نبين له الجانب اللاعقلاني في تفكيره ، مع ضرورة توجيهه نحو بعض الممارسات التي تساعده في عقلنة تفكيره .
ومن الإجراءات العلاجية التي بإمكان الشخص الذي يفكر بطريقة غير عقلانية أن يقوم بها للتخلص من الأفكار اللاعقلانية أن تحدد ما هي الأفكار اللاعقلانية من بين الأفكار المذكورة سابقا ، وحاول أن تدحضها ، اختر صديقا تعتقد انه يفكر بطريقة لا عقلانية في مواضيع متعددة... حددها واكتب موضوعين أو ثلاثة ، وحاول أن تكتب ما ستقوله لصديقك حول أفكاره.
إضافة لما سبق عليك أن تهتم بنفسك أولا لكن دون أن تصبح أنانيا وتتمركز حول ذاتك بالكامل ودون أن تخطئ بحب الآخرين ، وعليك أن تتحمل أخطاء الآخرين ، فأنت ليس بحاجة إلى أن تدخل في شجار معهم بسبب ذلك. وأن تتقبل حقيقة أننا نعيش في عالم من الاحتمالات ، إذ ليس هناك حقائق مطلقة وأكيدة . وان تتصف بقدر من المرونة في التفكير ، وضرورة الوصول إلى مرحلة من القناعة في الحياة والرضا عن الذات . وتأكد أننا جميعا نواجه الإحباط أو نشعر بالأسف أو الندم ، فهذه هي طبيعة الحياة . ونحن لا نستطيع إلغاء هذه الأشياء . إننا نستطيع تقليلها فقط.
مشرف التربية الخاصة- الكويت
ab _ [email protected]
