النفط في عالمنا نعمة ونقمة ونحن أمم شتى

النفط في عالمنا نعمة ونقمة ونحن أمم شتى

يعاني العالم اليوم من نعمة النفط، التي تحولت الى نقمة مركبة على العالم، وكابوس على عالم الفقراء، والدول محدودة الموارد، فالبترول كربون في القبة الفضائية التي تحيط بالارض يؤدي الى اختناق العالم تدريجياً، وتسخين الارض وتغيير حقائق المناخ وطبيعته، وتهديد مصادر المياه والزراعة والثروة الطبيعية والتسبب بكوارث بيئية متلاحقة تضرب خبط عشواء في العالم، ونذير شر يهدد مناطق كثيرة في العالم، بتمدد البحار وغمر الشواطئ العامرة بالسكان والمدن كما تهدد بتوسيع الصحراء، في اسيا وافريقيا، ومناطق اخرى في هذا العالم.

والنفط، ايضا بغلاء اسعاره، نقمة على الفقراء ومحدودي الدخل في العالم، ورافعة للاسعار في العالم، واذا استمر النفط في ارتفاعه، فسيقسم العالم الى قلة من الاغنياء القادرين واكثرية من الفقراء المكدودين.

لقد تمكنت دول المنظومة الغربية، من بناء تقدمها وصناعاتها وحضارتها الحديثة في مرحلة مبكرة خلال سيطرتها على منابع النفط في العالم الثالث والحصول على الطاقة باسعار رخيصة، وهناك دول كثيرة في العالم، ومنها دول الشرق الاوسط، اعاقها الاستعمار الغربي والتسلط الخارجي والتهديد العسكري والغزو والاحتلال، والتخلف الاجتماعي الذي كان حصيلة قرون من الاستبداد والتسلط الداخلي والخارجي، عن تحقيق نهضة حقيقية، وهي تجهد تحت ثقل تبعات الماضي والازمات التي خلفها الاستعمار وتصاعد كلفة البناء والتقدم وثقل المديونية وثقل حاجات الشعوب لايجاد موقع كريم لها في عالم اليوم.

ثمة حاجز اخر يقف في طريق الشعوب المكافحة ونحن منها وهو الحاجز التقني والمعرفة التي تؤسس لمجتمعات المعرفة المعاصرة، فلا زلنا في اول ابجدياته، وما لم نطوع المعرفة والتقنية والعلمية لحاجات شعوبنا ولاغراض التقدم والانتاج وهو تحد مطروح على معاهد العلم والجامعات، فلن نسّرع الخطى نحو التقدم والتغيير ومواكبة العصر.

فالنفط الذي هو احد نعم الحضارة الحديثة تحول الى نقمة على البشرية في السماء، تخرب مخلفاته المنظومة المناخية، ونقمة على فقراء الارض، يهدد غلاءه قدرة الشعوب على النماء والعيش الكريم.

فالبحث عن مصادر بديلة للنفط، لا زالت خارج قدرة الدول الفقيرة وتقنياته لا زالت مكلفة، سواء منه استخدام زيوت تستخرج من الزراعة، أو من توليد الطاقة النووية، وهذه ايضا، مفازة صعبة ومكلفة على الدول محدودة الامكانات.

وتأتي العولمة التي تمثل ابشع انواع الجشع الرأسمالي وتحكم الدول الغنية ذات الوفرة باقتصاديات العالم واسواقه ومرافقه الاقتصادية وحركة المال فيه لتجعل العالم في زمن العولمة وتصاعد اسعار النفط روما جديدة يحكمها قياصرة يملكون مقدرات العالم وسواده فقراء بالكاد يحصلون على لقمة العيش.

العالم يتغير ولكنه لشعوب كثيرة لا يتغير الى الافضل، فالشعوب الغنية من الغرب تتمتع بثمار الحضارة والتقدم الذي بُني كثير منه من عرق ودماء وثروات الشعوب الفقيرة في حقبة الاستعمار وقدر الشعوب الفقيرة ان تعاني من آثار الغازات الدفينة التي تسبب الدول الغنية المتقدمة في العالم ثمانين بالمائة منها، وتمتنع حتى الان عن معالجة اسبابها وآثارها على البيئة العالمية خوفا على مكاسب مصانعها وشركاتها ومرابحها الرأسمالية وهذا ما يعطل الجهود الدولية لايجاد حل ينقذ العالم من سموم الكربون المتراكمة والمتزايدة في الغلاف المحيط في الكون فالحضارة الغربية التي تبيعنا شعارات حقوق الانسان وقيم الديمقراطية تعاملت مع العالم، بالتسلط الاستعماري، والاحتلال، والحروب والرأسمالية المفرطة بالجشع ونهب مقدرات الشعوب، فضلا عن التخلي عن مسؤولياتها، كدول في حل القضايا الناتجة عن سياساتها، او معالجة مفرزات حضارتها على البيئة والانسانية.

ونحن في الوطن العربي، نعيش وسط هذه الدوامة، وننقسم الى منظومة شعوب فقيرة مكدودة، تواجه اصعب مشاكل الامة واخرى غنية ولا رابط بين المنظومتين الا غلالة من المشاعر السطحية وقليل من الاحسان الذي لا يخفي غياب التكافل، وضحالة التشارك والتضامن، في الغنم والغرم، بين شعوب الامة، ولو في الحد الادنى.

وكأن الفقر في بلاد العرب، أمة لها أهلها ومشاكلها والغنى أمة اخرى، لها اهلها واهتماماتها، وظروفها المختلفة ولا رابط بينها، سوى تاريخ تستحضره لذكرى من الماضي في المناسبات، العالم يتغير، وكلفة التغيير ومصاعبه تزداد باستمرار ووقعه على شعوب امتنا يختلف من قطر الى قطر، خاصة عندما يتصرف كل قطر في امتنا، وكأنه أمة قائمة بذاتها، وهنا مكمن الخطر.