جيفري كمب*
إذا ما تمكن الجمهوريون من استعادة مجلس النواب الأميركي، أو مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي، في الثاني من نوفمبر المقبل، فسيدينون بالفضل في فوزهم لمجموعة متحمسة، وغاضبة، من الأميركيين البيض، متوسطي العمر، الذين ينتمون في معظمهم إلى الطبقة الوسطى وينتظمون في حركة «حفلة الشاي».
والاسم مستمد من «حفلة شاي» بوسطن الشهيرة عام 1773، وذلك عندما قام مواطنو «ماساشوستس» الغاضبون من ثِقل الضريبة التي فرضها برلمان بريطانيا التي كانت تحكم أميركا في ذلك الحين، على الشاي وغيره من البضائع، قاموا بتحطيم صناديق الشاي المحملة على السفن التجارية الراسية في ميناء بوسطن. وهو الأمر الذي تطور فيما بعد إلى اندلاع الثورة الأميركية.
أما «حفلة الشاي» الحالية فقد جاءت أصلاً كرد فعل على تصرفات إدارة الرئيس أوباما منذ أن جاءت إلى الحكم.
والدافع وراء الغضب الذي يتملك «حفلة الشاي» تجاه تلك الإدارة هو إنفاقها المسرف، وصرفها مليارات الدولارات من أجل إنقاذ الشركات الكبيرة المتعثرة مثل «جنرال موتورز»، وقيامها بمد حبل إنقاذ إلى البنوك والمؤسسات المالية الكبرى على حساب دافعي الضرائب الأميركيين الذين يعتقد معظمهم أن تلك البنوك كانت المسؤولة عن الأزمة المالية التي بدأت في عام 2008.
والحقيقة أن العديد من مدراء تلك البنوك والمؤسسات المالية، كانوا يتقاضون رواتب خيالية، مقابل عملهم الذي أدى في النهاية إلى ذلك الانهيار، وأنهم لم يتعرضوا لأي عقاب على ما قاموا به، الأمر الذي فاقم من غضب حركة «حفلة الشاي» وغضب العديد من الأميركيين. والمفارقة في هذا الخصوص أن التداعي الاقتصادي ومعظم عمليات الإنقاذ التي تشعر الحركة بالغضب حيالها قد حدثت في الشهور الأخيرة من ولاية الرئيس السابق بوش، ولم تكن إدارة أوباما هي المسؤولة عنها بشكل رئيسي، لكن المشكلة هي أن الذاكرة عادة ما تكون ضعيفة في أوقات الأزمات الاقتصادية.
وحركة «حفلة الشاي» ليس لها شكل محدد، ولا قيادة واضحة، ولا ترتيب هرمي معين، ولا مكتب سياسي، ولا لجنة مركزية. وهناك العديد من «حفلات الشاي» في مختلف الولايات، وكل واحدة منها تتبنى آراء مختلفة عن آراء الجماعات الأخرى المشابهة فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية؛ مثل زواج الشواذ، والإجهاض، والسياسة الخارجية. لكن رغم اختلافها، فهي جميعاً تتبنى حجة واحدة هي تلك المتعلقة بأن الحكومة الفيدرالية قد باتت أكبر وأقوى مما ينبغي، وأنه أصبح من المهم نزع جزء من سلطتها، وإعادتها للمؤسسات المحلية، مع العمل في نفس الوقت على تخفيض الضرائب.
وقد اكتسبت «حفلات الشاي» تأييد ودعم عدد من الجمهوريين المعروفين مثل سارة بالين حاكمة الآسكا السابقة التي خاضت الانتخابات الماضية على بطاقة ماكين كمرشحة لمنصب نائب الرئيس، و»جلين بك» نجم شبكة «فوكس ستار» اللامع، والجمهوري المتحرر «رون بول»، والجمهوري المحافظ المتطرف «جيم دو مينت».
وفي بعض الحالات المعروفة، أدى الدعم الذي حظيت به تلك الجماعات من تلك الأسماء الكبيرة إلى فوز عدد من المرشحين الجمهوريين الذين لم يكونوا معروفين سابقاً في الانتخابات التمهيدية رغم أنهم كانوا يخوضونها أمام مرشحين جمهوريين آخرين أكثر خبرة ورسوخاً. كانت أكثر تلك الحالات دراماتيكية تلك التي شهدتها ولايتا نيفادا وديلاور، حيث تمكنت امرأتان هناك، هما «شارون أنجل الشابة»، و»كريستي دونيل» الطاعنة في السن، من الإطاحة باثنين من الجمهوريين الراسخين، والمضي قُدماً بعد ذلك لتحدي الديمقراطيين في الانتخابات القادمة. ورغم أنهما قد لا تفوزان في تلك الانتخابات، فالشيء المؤكد هو أنهما قد حققتا قدراً كبيراً من الشهرة.
ومن المشكلات التي يواجهها المحللون لـ»حفلة الشاي»، مسألة أن الحركة، وبخلاف السخط والغضب اللذين تبديهما تجاه الحكومة الفيدرالية بسبب إسرافها في الإنفاق، لا تمتلك شيئاً ذا شأن يمكن أن تفخر به في مجال السياسة الخارجية مثلا، حيث تتبنى تجاه تلك السياسة رؤية مشوشة وغير متماسكة لحد كبير.
وبعض مؤيدي «حفلة الشاي»، مثل سارة بالين، يتبنون رؤى تقوم على ترسيخ الدفاع القومي وتعزيز مفهوم الاستثنائية الأميركية، ومبدأ التدخلية الذي يقوم على حق الولايات المتحدة في التدخل في شؤون الدول الأخرى، إذا ما كان ذلك سيدفع خطراً أو يحقق مصلحة قومية.
وهناك مؤيدون آخرون مثل «رون بول»، يؤمنون باتباع سياسة خارجية أكثر انضباطاً، وبأنه ليس من حق الولايات المتحدة التدخل في شؤون الآخرين، وبأن سياستها الدفاعية يجب أن تركز على حماية الأراضي الأميركية أولا.
والجزء الوحيد من السياسة الخارجية الذي يمكن لمعظم حركات «حفلة الشاي» الاتفاق بشأنه، هو ذلك الخاص بضرورة تبني الولايات المتحدة لسياسات أكثر صرامة تجاه موضوع الهجرة غير الشرعية، وضرورة تخصيصها مزيداً من الإمكانات والموارد لضبط وحماية الحدود من المتسللين.
وبناء على ما تقدم، يمكن القول إن حركة «حفلة الشاي» هي نسخة أميركية من الأحزاب اليمينية الجديدة في أوروبا، والتي تؤكد هي الأخرى على تعزيز الاهتمام بالشؤون الداخلية والحاجة إلى الحد من تيار الهجرة غير الشرعية، كأولويات قصوى للقارة.
ولا شك أن كثيرين ينتظرون بلهفة ماذا سيحدث في انتخابات التجديد النصفي الوشيكة، وهل سيتمكن الجمهوريون من استعادة السيطرة مرة أخرى على مجلسي الكونجرس، وهل سيكون للفائزين من المنتمين لحركة «حفلة الشاي» أي تأثير على السياسة الخارجية، وهل سيدعمون استمرار الحرب في أفغانستان أم سيدعون بدلاً من ذلك لسرعة سحب القوات الأميركية من هناك؟
ونظراً لأن تلك الحركة ليس لها تنظيم مركزي، فمن الصعب تخيل كيف يمكن لها أن تصبح قوة سياسية ذات تأثير دون أن تتحول في نهاية المطاف إلى نواة لحزب جمهوري أكثر راديكاليةً من الحزب القائم حالياً. وإذا ما حدث شيء مثل هذا، فإن الأمل في سياسات تقوم على توافق الحزبين، وعلى تحقيق قدر أكبر من التفاهم المتبادل بينهما من أجل حل العديد من المشكلات الأميركية، سيصبح أبعد منالاً بما لا يقاس.
(مدير البرامج الإقليمية الاستراتيجية في مركز نيكسون بالعاصمة الأميركية واشنطن).
الاتحاد الاماراتية