كتب- راكان السعايدة-ثمة سؤال جوهري على طاولة الحركة الإسلامية، وتردده نخب سياسية، حول ما إذا كانت الحركة ستقاطع انتخابات مجلس النواب السادس عشر أم «لا»؟.
والسؤال لم يلق اعتباطا، أو تنجيما، أو تخيلا، وإنما القي في ظل مزاج متنام ينحو إلى المقاطعة على مستوى قيادات مؤثرة في جماعة الإخوان وجبهة العمل الإسلامي، باستثناء ما يعرف بالتيار الرابع (الحماسي).
وكذلك على مستوى قواعد تملك تأثيرا عميقا في قرارات المكتبين التنفيذيين ومجلسي الشورى في الجماعة والجبهة، فالقواعد تبدي رأيها بالمشاركة أو المقاطعة، وتفرز مرشحين مقترحين.
وفي هذا رأيان، الأول، يرى أن التلويح بالمقاطعة ليس أكثر من ورقة ضغط على الحكومة تريد الحركة من خلالها تحقيق مكتسبات ليس أقلها استعادة جمعية المركز الإسلامي، وتحسن التفاهم حول الانتخابات، وفي النهاية ستشارك ولن تكرر تجربة المقاطعة السابقة المكلفة.
والآخر: اعتقاد أن الحركة تريد التحضير لقرار المقاطعة بخلق مناخ سياسي، سيظهر في تقرير اللجنة السياسية، فضلا عن توجه لإلقاء كرة اللهب في حضن القواعد لتحسم هي قرار المقاطعة، وحتى إذا ما اعتبر قرار القواعد غير ملزم فان تساوي المعتدلين والمتشددين العددي في المكتبين التنفيذيين في الجماعة والجبهة سيتكفل بحسم عاصف للقرار.
وتوحي هذه الأجواء أن الإسلاميين انتقلوا، وسط خشية وقلق من مسار الانتخابات النيابية، إلى الانخراط في بحث خياراتهم حيال الانتخابات، بعد طي ملف الخلاف على هوية أمين عام «العمل الإسلامي» بانتخابات لم تؤشر على توافق جوهري بين الفرقاء، إذ فاز حمزة منصور بفارق بسيط عن منافسه المتشدد محمد الزيود.
معنى ذلك، بحسب قيادي إسلامي بارز، ان الأزمة داخل البيت الإخواني انتهت شكلا ولم تنته مضمونا، وهي مرشحة للانتقال والاستقرار، بصورة أو أخرى، في ملف الانتخابات النيابية على قاعدة أي الأثرين تقتفي الحركة، أثر المشاركة أم المقاطعة.
يشير مراقبون، هنا، إلى أن مزاج قيادات وقواعد الإخوان، مسألة مهمة، لكنها ليست عاملا حاسما عند اتخاذ قرار بهذا الحجم، فللمسألة بعد سياسي هام لا يمكن تجاوزه بسهولة، وهناك اعتبارات تنظيمية وحسابات دقيقة القفز عنها قفزة في المجهول، ومغامرة غير محسوبة.
لذلك يدرس الإخوان قرارهم بصورة موضوعية لا عاطفية، ويراقبون مزاج الشارع وموقف قوى معارضة مستقلة وأطر اجتماعية قد يكون لها موقف من المشاركة على نحو جعل المراقب العام همام سعيد يطلق تصريحا حمل دلالات ذات قيمة لما يجول في رأس الجماعة.
وفوق هذا وذلك، فان ولادة قرار إخواني بالمشاركة أو المقاطعة ستكون صعبة وقيصرية في ظل أغلبية معتدلة تسيطر على القرار في مكتب تنفيذي الجبهة وأغلبية متشددة تسيطر على القرار في مكتب تنفيذي الجماع.
هذا يعني أن قرار المشاركة في الانتخابات النيابية يحتاج إلى تسويات وتفاهمات وقواسم مشتركة بين الإخوان، جماعة وجبهة، وبخلاف ذلك فالأرجح، بحسب قيادي إسلامي، ان تشهد الحركة أزمة كبيرة.
واللافت أن دعاة المقاطعة لم يغلقوا الباب في وجه دعاة المشاركة، بل تركوه مواربا لتحقيق تلك التفاهمات، وحدد لها عدة شروط: أن تكون مشاركة الحركة بأكبر عدد من المرشحين، وأن تكون مشاركة ضمن جبهة وطنية عريضة، وان تعلن استعدادها التصدي لأي محاولات تلاعب أو تزوير قد تحدث.
تلك الشروط، يقول مراقبون، تحمل في ثناياها تعجيزا وخرقا لتفاهمات سياسية تتعلق بالمشاركة الإسلامية في كل الانتخابات، وهذه الشروط قد تضعها في مواجهة أطراف خارجية، إضافة لحساسيتها خوض الانتخابات بجبهة عريضة.
وعلى الرغم من أن الأجواء العامة داخل الحركة تعطي إشارات متناقضة وضبابية وتشي بتعقيدات متنوعة إلاّ ان الإخوان يفضلون الربع الساعة الأخيرة موعدا لإعلان قراراتهم المهمة.
فالرد البروتوكولي على سؤال يطرح الآن.. هل ستقطعون الانتخابات أم «لا»؟ يأتي مقتضبا وحمّال أوجه بقولهم: «الأصل المشاركة والاستثناء المقاطعة».
والإجابة صحيحة، من الناحية النظرية، لكن يمكن أن تكون مختلفة لو أنها تدخل في التفاصيل، الأولية على الأقل، وتناقشها، حسب مراقبين.
وإلى أن يحسم الموقف بصورته النهائية، فإن تبريرات المقاطعة، غير المسنودة بمستمسكات حقيقية، تتكئ في جوهرها على أحاسيس عامة وخشية من أن يكون هناك تدخل من نوع ما في مسار الانتخابات من الملاحظات التي طبعت الانتخابات السابقة. ويلفتون كذلك إلى فتور الشارع وعدم تفاعله مع أجواء الانتخابات على حد قولهم.
لكن لهذا التبريرات وجها آخر، مسكوت عنه إسلاميا، فالأزمة الداخلية أثرت سلبا على مزاج الكوادر وساهمت في تعميق حالة الإحباط بينهم وأفقدتهم الحماس والثقة بقيادتهم الحركية، كما أنها كونت انطباعات سلبية عند أنصار الإخوان وقاعدتهم الناخبة، فظهر التنظيم الإسلامي بمظهر الضعف فمست مكانته وهزت صورته أمام جماهيره.
ويبدو أن طي ملف أزمة أمين عام «العمل الإسلامي» محاولة متأخرة لمنع تدهور شعبية الحركة الإسلامية، وإزالة بعض الغبار الذي تراكم على صورتها، وتخفيف حالة تملل الكوادر من سلوك القيادات، وهو ما لمس من تصريح للأمين العام حمزة منصور بعد انتخابه حول مآل الأحداث لو استمرت الأزمة.