نرمين الحوطي*
لم تنل العلاقة بين علم الإعلام وفن المسرح حظها من الدراسة الموضوعية في العالم العربي ذلك أن خبراء الإعلام يرون فيه اتصالا مباشراً بالجماهير لترسيخ قيم ومفاهيم معينة في وجدانه وفكره، في حين أن خبراء المسرح يرون فيه فناً له تقنياته وأصوله التي بدأت منذ عصر الإغريق القدامى قبل الميلاد.
ونظراً لأنهم يعتبرونه فناً عريقاً، فإنه مع تطور العصور وتولي القرون تشعبت تقنياته لدرجة أن ظهرت اتجاهات تنادي بالمسرح من أجل المسرح، بحيث يجب ألا يتحول المسرح إلى إعلام أو دعاية لأنه بهذا يترك مجال الإبداع الفني إلى ميدان الوعظ والإرشاد والتوجيه المباشر. وكان هذا من نظرهم بمثابة انحراف عن منهجه الدرامي والإبداعي.
ومع رسوخ علم الإعلام في القرن العشرين بصفته في مقدمة العلوم التي تؤثر في الجماهير تأثيراً مباشراً أو غير مباشر، فقد اهتم خبراء السياسة وعلماء الاجتماع والنفس والثقافة والحضارة بإمكانات هذا العلم الذي استطاع أن يستوعب في قنواته علوماً بل وفنوناً كثيرة.
وكان المسرح من ضمن هذه الفنون التي أدركت أن المسرح الحقيقي لابد أن تكون له رسالة فكرية وثقافية وحضارية تعمل على صياغة عقول الجماهير وإن كانت بأدوات فنية غير مباشرة تجمع بين إثارة الانفعال الممتع والفكر الرصين. وكان الكاتب والمخرج الألماني " برتولد بريخت " رائداً في هذا المجال وابتكر ما عرف بالمسرح الملحمي الذي لم يخجل من أن يقدم للجمهور رسالة فكرية وثقافية بأسلوب مباشر يكاد يتشابه مع الأسلوب الإعلامي في توجيه الجماهير. ورفض أن يسمي مسرحه بالمسرح الدرامي وأسماه بالمسرح الملحمي لأن هدفه كان عقل المتفرج الذي يحاول إعادة صياغته في ضوء مفاهيم وتوجيهات جديدة.
ونظراً لأن المسرح في العالم العربي بصفة عامة فناً حديث المنشأ لا يتجاوز عمره إلا قرنا من الزمان بسنوات قليلة، ونظراً لأن ظهور المسرح العربي الجاد كان في الفترة التي ظهر فيها المسرح الملحمي الذي وجد صداً عند القادة السياسيين والاجتماعيين في العالم العربي فإن الجانب الإعلامي لهذا المسرح كان من أهم الخصائص التي ميزته، مع اختلاف درجات التوظيف الإعلامي المباشر أو غير المباشر، وكان المسرح المصري بصفة خاصة بعد قيام ثورة يوليو 1952 في مقدمة المسارح التي تم توظيفها إعلامياً لترسيخ الثورة في وجدان الجماهير وعقولها.
ونظراً لأن المسرح الكويتي بدأ في نفس الفترة على يد رائد مصري هو زكي طليمات، ونظراً لأن الدولة في الكويت كان يهمها ترسيخ توجهاتها وتطلعاتها، فكان من الطبيعي أن يركز المسرح الكويتي، بطريقة أو بأخرى على الجانب الإعلامي وخاصة أنه مدعوم من الدولة.
وهذا التوجه كان واضحاً منذ بداية المسرح الكويتي في عقد الستينات في القرن العشرين والتوظيف الإعلامي، سواء أكان سياسياً أو اجتماعيا أو اقتصادياً أو ثقافيا أو حضارياً كان واضحاً ومتبلوراً إلي حد كبير لدرجة سيطرته على التقنيات الفنية التي جعل منها في بعض الأحيان مجرد أدوات لتوصيله. وهذه ظاهرة طبيعية بل وإنجاز يذكر للمسرح الكويتي الذي لم يعتمد فقط على الاقتباس بل تطرق إلى الموضوعات والمضامين التي تمس الحياة في الكويت مثلما نجد في مسرحيات صقر الرشود وعبد العزيز السريع ومحمد النمشي وغيرهم، وكانت القضايا التي جسدوها في تلك الفترة قضايا محلية عربية وقومية، وبرغم التوظيف الإعلامي الذي يصل في أحيان كثيرة إلى درجة المباشرة فإن الجمهور الكويتي أقبل على المسرح بشغف واضح، مما شجع القائمين عليه في أن يركز على القضايا الملحة، ولا يلجأ إلى الابتذال أو الافتعال بهدف جذب الجمهور للتسلية.
وبرغم أهمية هذا التوظيف الإعلامي وعمقه في منطلقات المسرح الكويتي، فإن الدراسات النقدية والتحليلية والأكاديمية لم تمنحه الأضواء التي يستحقها.
إن من يتصدى لدراسة المسرح الكويتي، لا يمكن أن يتجاهل أهمية التوظيف الإعلامي فيه، ويكفي للتدليل على ذلك أن معظم المسرحيات قد استعانت بشخصية الراوي حتى يتمكن المؤلف أن يستخدمه أداة مباشرة لتوصيل توجهاته الفكرية والاجتماعية والحضارية والسياسية بل والاقتصادية. وفي بعض العروض كان الراوي يتحول إلى ما يشبه المتحدث الرسمي بلسان المؤلف.
ولم يكن الراوي بصفة دائمة، ذلك الشخص الذي قام بدور الجوقة في المسرح الإغريقي في تعقيبه على الأحداث وتفسيرها، بل نوع المؤلفون المسرحيون هذا الدور الذي تراوح بين شخصية مسنة تتميز بالحكمة وتعلق على الأحداث والشخصيات من داخل النص وليس من خارجه، إذ أنها شخصية من شخصيات العرض نفسه.
وفي أحيان أخرى يقدم المؤلف أكثر من شخصية تتحاور فيما بينها لكن هذا الحوار هو نوع من التعقيب أو التحليل أو التفسير الذي يفهم منه الجمهور ما لا يحدث أمامه على منصة المسرح، ومن الطبيعي أن يوظف المؤلف المسرحي شخصية الراوي أو الرواة في إخبار الجمهور بالمواقف أو الأحداث التي لا يمكن تجسيدها على منصة المسرح، لكن في حالة المسرح الكويتي بصفة خاصة كان التوظيف الإعلامي هو الهدف الاستراتيجي الأساسي الذي يريده المؤلف توصيله إلى الجمهور. هنا تكمن أهمية التركيز على التوظيف الإعلامي الذي لعب دور العمود الفقري في بناء مسرحيات كثيرة في المسرح الكويتي.
ونظراً لارتباط التوظيف الفكري والاجتماعي والثقافي في المسرح الكويتي بالتوظيف الإعلامي الذي يكاد يغطي معظم القضايا المثارة في المجتمع فإن المشكلة هنا ترتكز على المدى الذي لعبه هذا التوظيف الإعلامي، سواء بالسلب أو بالإيجاب في المسرحيات المعروضة للجمهور وتحليل هذه المشكلة وتفكيك عوامل وعناصرها، يمثل العمود الفقري للدراسة كلها، خاصة أن نسبة لا يستهان بها من الكتب المسرحية، لم تستطع وضع هذا التوظيف الإعلامي في خدمة البناء الفني للمسرحية، بل إن بعضهم وضع هذه المشكلة الفكرية والفنية إلى أي مدى كان دور التوظيف الإعلامي إيجابياً أو سلبياً في الإبداع المسرحي.