في العام 1789، أي بعد إعلان الدستور الأمريكي بسنتين، خاطب مؤسس الولايات المتحدة بنيامين فرانكلين المجلس التأسيسي الأمريكي قائلا: ''لا تظنوا أن أمريكا نجحت في الابتعاد عن الأخطار بمجرد أن نالت استقلالها، فهي ما زالت مهددة بخطر جسيم لا يقل خطورة عن الاستعمار نفسه، وسيأتي ذلك الخطر من تكاثر اليهود وسوف يصيبنا ما أصاب البلاد الأوروبية التي تساهلت مع اليهود الذين سعوا للقضاء على تقاليد أهلها ومعتقداتهم وفتكوا بحالتهم المعنوية وشبابها، وسعوا للسيطرة على كل المؤسسات الاقتصادية والأمنية والمالية، ورفضوا الاختلاط بالشعوب التي يعيشون معها''. فهل الولايات المتحدة الآن تماما كما تنبأ فرانكلين؟ وإلى أين وصلت سيطرة جماعات الضغط اليهودية (وحلفائها) وأقواها منظمة لإيباك في الولايات المتحدة؟ شهدت العاصمة الأمريكية، من 11-13/3/2007، أعمال المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة اختصارا باسم ''أيباك'' (AIPAC) أقوى جماعات الضغط الداعمة لإسرائيل وبخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. فعلى مدار الخمسين سنة الماضية، كانت ''أيباك'' حاضرة بقوة في الكونغرس لبناء علاقات إستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة، حيث تجلى تأثيرها على صناع القرار عبر حرص كبار الساسة وأعضاء الكونغرس حضور مؤتمراتها السنوية، والتنافس لإظهار التأييد والدعم للمنظمة وإسرائيل. وها هو هوارد فريدمان رئيس ''أيباك''، الذي يفخر بقوة منظمته ذات الـ 100 ألف عضو في الولايات المتحدة، يصرح عن مؤتمرهم السنوي: ''في ظل التحديات والفرصة المتاحة في الشرق الأوسط، نأتي لواشنطن لننضم إلى أمريكيين آخرين يشاركونا نفس المشاعر الطيبة تجاه العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لكي نتأكد من أن صوتنا يصل إلى الكونغرس''. والرئيس بوش ''تميز'' تاريخيا بحضور دائم لمؤتمرات أيباك. أما غيابه هذا العام فاقترن بحضور عديد الشخصيات وفي مقدمتهم تشيني نائب الرئيس وبيلوسي رئيسة مجلس النواب، ورموز الحزبين الديمقراطي والجمهوري. كما شارك في مؤتمر أيباك الأخير (6000) من الناشطين في المنظمة، مع عدد كبير من الباحثين والمختصين في شؤون الشرق الأوسط. وبمجرد إلقاء نظرة على عناوين الندوات في المؤتمر الأخير للمنظمة، نلحظ مدى قوة اللوبي اليهودي وتأثيره على السياسة الأمريكية الخارجية. فكل الندوات، بلا استثناء، ركزت على تأمين إسرائيل من أي خطر يحيق بها وتحشيد الدعم لها عالميا. إن أيباك، أحد أقوى خمس جماعات ضغط في واشنطن، هي من أكبر مراكز النفوذ بالساحة السياسية الأمريكية. والمتصفح لموقعها الالكتروني يدرك دون عناء أن وجودها هو لحماية إسرائيل، حيث تقول بأن ''مقابلاتها مع أعضاء الكونغرس تصل إلى ألفي مقابلة في السنة الواحدة تنتج عنها عادة مائة تشريع محاب لإسرائيل''. ومن الأمثلة المعبرة عن نوعية الخطاب السياسي الذي يسود مؤتمرات إيباك ما قاله جون إدواردز (المرشح الديمقراطي السابق لمنصب نائب الرئيس) في مؤتمر العام 2006: ''يجب أن نعمق علاقاتنا الاقتصادية ونقوي التعاون العسكري من أجل أن تحتفظ إسرائيل بتفوق مطلق. وهذا يعني أن ندعم علاقاتنا الدبلوماسية من أجل أن نقف معا ضد هؤلاء الذين يحاولون استخدام بعض المؤسسات الدولية لعزل إسرائيل ومعاقبتها''. وأضاف ''يجب أن نفكر بأساليب جديدة من أجل أن نربط إسرائيل بأحدث ما لدينا من تكنولوجيا وأن نربط إسرائيل بمؤسساتنا الأمنية الناجحة؟ على سبيل المثال، أنا أعتقد بضرورة بحث سبل تطوير علاقة إسرائيل مع الناتو ومن الممكن أن تصبح عضوا كاملا يوما ما، والناتو هو أعظم تحالف عسكري ديمقراطي في العالم اليوم.'' لا شك في أن أيباك تمتلك كل عناصر النجاح التي تجعل منها منظمة قادرة على التأثير وفرض مواقفها. وهنا نستذكر نفوذ إيباك في التأثير على الرأي العام عبر سيطرة قوية لها على وسائل الإعلام، وبالتالي الحملة الضارية التي تعرض لها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بسبب كتابه الأخير ''فلسطين: سلام لا فصل عنصري''. فالمنظمة التي تعلن صراحة أن أهدافها دعم إسرائيل وتأمينها، والدفاع عنها من أخطار الغد، وتحضير جيل جديد من القيادات الداعمة لإسرائيل، وتوعية الكونغرس عن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، استفادت من صدمة المجتمع الأمريكي من هجمات أيلول/سبتمبر في 2000، وما خلفته من صورة سلبية عن العرب والمسلمين، فنجحت في ربط ما يحدث لإسرائيل وما حدث لأمريكا، حيث اعتبرت أن الدولتين تواجهان عدوا مشتركا هو ''الإرهاب العربي الإسلامي''!!! ويبقى السؤال: إلى متى نتحدث عن ''اللوبي اليهودي'' (الإسرائيلي/الصهيوني) دون أن نعمل على تأسيس وتطوير لوبي مضاد حجما ونوعا وتأثيرا؟!!.
