تجربة تصدير الأفكار والأيدولوجيات عبر الحدود ليست حالة غريبة على منطقة الشرق الاوسط، فالمنطقة عايشت تجارب مختلفة ومتعدده لتصدير الافكار اليها، وفي بعضها وصل الأمر إلى حدود التدخل العسكري وتغيير شكل الأنظمة الحاكمة، وبعضها الآخر قوبل بأفكار مضادة ففي معركة الأفكار تلعب الأفكار المضادة دوراً أكثر حسماً من أساليب الردع والقمع التقليدية. وفي مختلف الحالات كان الفشل مصير التجربة. فالتجربة الأولى بدأت عربياً عربياً مع بداية ما اصطلح على تسميته صراع النظم العربيّة الذي بدأ عام 1955 مع قدوم عبد الناصر إلى الحكم في مصر عبر ثورة يوليو، ومحاولاته تصدير أفكاره اوآرائه وفرضها بالقوة على الانظمة العربية، معتمداً أسلوب الضغط على الأنظمة المقابلة والتحالف مع الجماعات الداخلية المعارضة في تلك الدول بهدف زعزعة استقرار بعض الأنظمة اوتغييرها، بل أن الأمر وصل إلى مرحلة التدخل العسكري كما حدث في اليمن عام 1962 بتغيير نظام الحكم من الأمامة إلى الجمهورية، وكان من نتيجة ذلك في المدى المنظور أن دخل النظام العربيّ في حالة من الانقسام والصراع والتورط العسكري وتشكل سياسة المحاور وزيادة كثافة التفاعلات الصراعية وإنهاك المجهود العربيّ ليأتي المدى الأبعد من هذه الحالة حاملاً معه الخسارة العربيّة المذهلة في حرب 1967. اما التجربة الثانية فقد جاءت إسلامية - عربية وبدأت مع وصول نظام الخميني إلى السلطة في إيران وانتقال ايران من مشروع الدولة الى مشروع الثورة الّتي وضعت أحد أهم أهدافها تصدير افكار الثورة إلى الخارج ومن ضمنها المنطقة العربيّة وقد لجأت إيران إلى ذات الأساليب في استخدام المال والبحث عن شركاء في الداخل للتحالف معهم وصولاً إلى تغيير أنظمة الحكم القائمة وقد توجت تجليات هذه المرحلة من صراع بحرب دامت مدتها أكثر من ثماني سنوات وكان من نتيجة ذلك ان توسعت دوائر فرص عدم الاستقرار ورفض الافكار الداخلة وفشل الرهان على قوى الداخل، واذا كان المشروع الايراني ما زال قائما فان المستقبل لن يحمل اكثر من التجربة السابقة. لتأتي التجربة الثالثة ببعد غربي وقد انقسمت هذه التجربة إلى مرحلتين الأولى منهما ارتبطت بانهيار الاتحاد السوفيتي وتحرر سياسة المساعدات الدولية من سلبيات التوتر وسياسات الاحتواء التي رافقت الحرب الباردة، بحيث بدأت الدول المانحة ربط تقديم المساعدات بقيام الدول المتلقية بتبني أفكار وخطوات انفتاح نحو التحول الديمقراطي واستيعاب قوى المعارضة، وقد ارتبطت هذه السياسة بالتعاون مع المؤسسات الرسمية للدول والمؤسسات الوسيطة وحققت بعض النجاحات خلال فترة زمنية وان كانت طويلة نسبيا .أما المرحلة الثانية، فقد ارتبطت بتحول السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط وتقديمها لمفهوم الديمقراطية ونشرها على مفهوم الاستقرار عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير، الّذي استند الى تصدير الأفكار ونشر الديمقراطية بشكل يتجاوز سيادة الدول إلى التعاون مع بعض القوى الداخلية واستخدام القوة وتغيير انظمة الحكم وهو المشروع الّذي ثبت فشله بعد أن رفضته الشعوب وبعد أن أخفقت تطبيقاته في العراق ولبنان وفلسطين. حتى اللحظة فان الثابت العام ان محاولات تصدير الافكار بالرهان على الداخل واستخدام القوة وتغيير انظمة الحكم مصيرها الفشل وايجاد ثقافة مناوئة للافكار الدخيلة وتحمل سمة الشك بعد ان يعترض العملية حالات من عدم الاستقرار السياسي والامني داخل الدولة لذلك ليس غريبا ان يكون اكبر خاسر اليوم في مشروع امريكا الديمقراطي للمنطقة هو حالة الديمقراطية نفسها بعد ان ارتبط تحقيقها حسب الطريقة الامريكية بشيوع حالة من عدم الاستقرار والعنف داخل المجتمعات النازعة نحو الديمقراطية. [email protected]
