بوح القرى .. كتابة وتصوير .. مفلح العدوان - أوشك أن أتأمل كل حجر في ذات رأس..
حيث هناك للمعالم معانيها المختلفة، وكأنها وضعت على عاتقها مهمة أن تكون حاملة للتاريخ، وحاضنة للذاكرة، والراوية للحكايات المنقوشة عن الناس وأرضهم في مخطوط القرية التي تشي واجهاتها المعمارية التراثية بثراء جوهرها، وجمال مظهرها.
ثلاثة معابد
وإذا كان استمرار البوح بالوقوف إعجابا بتلك الواجهات المعمارية، فلا بد هنا من الإشارة إلى ما وثقه الباحث نايف النوايسه في كتابه ?السجل المصور للواجهات المعمارية التراثية في الأردن/الكرك?، حيث وثق بالصورة والتحليل لبعض المواقع الأثرية في ذات رأس، مثل الأثر النبطي الموجود في الجهة الشرقية من القرية الذي يعتقد بأنه قد يكون معبدا أو مقرا لحامية نبطية، والذي يلاحظ وجود أبراج المراقبة على زواياه، وكذلك مدخل الموقع النبطي في الجهة الغربية من ذات رأس، وهو يقدم من خلال الصورة تلك الآثار من أكثر من زاوية، مشيرا إلى الإطار المعماري المتبقي من هذه المعالم، وهو أيضا يقدم في مروره على القرية جانبا مما كتب عن تلك الآثار الموجودة فيها، حيث يشير الباحث النوايسة حول ذات رأس بأنه ?زارها الرحالة ديوتي وذكر أنه رأى فيها بنائين ظن أن أحدهما معبد أو قصر مكون من حنيتين على جانبي المدخل لوضع التماثيل، وفي حقيقة الأمر أن ما رآه هو درج يقود إلى الشرفة العليا فضلا عن بركتي ماء. ويذكر جلوك أن في ذات رأس آثاراً ثلاثة معابد، كما وجد في جنوب البلدة مدافن رومانية تشبه مدافن النويجيس، والقويسمة.. واستخدم المواطنون حجارة هذه المعابد في بناء بيوتهم. وقد عثر على نقش يوناني يتضمن قسما من اسم الآلهة النبطية Atraqatis ، ووجد قبر ما بين ذات راس والشقيرا، عثر فيه على نقش حجري أبعاده( 42*55*14 ) سم، وكتب عليه Aureus of tibere ويؤرخ هذا القبر إلى نهاية حكم إريتاس (حارثة) الرابع، سنة 40م، وله شبيه في البتراء?.
كيرياكوبوليس
وبالعودة إلى زخم تاريخ ذات رأس يمكن القول بأنه لقد مرت على هذه القرية العديد من الحضارات الرومانية والبيزنطية والإسلامية، حيث أنه يلاحظ فيها وجود بناء روماني الطراز وصف قديماً بأنه معبد، ولكن دائرة الآثار العامة أجرت تنقيبات تحت البناء، وكشفت عن العديد من المدافن المنحوتة في الصخر، وجد بداخل إحداها أساور ذهبية مما يدل على أن البناء كان مدفنا لإحدى العائلات الثرية في المنطقة، ولقد أشرف على هذه الحفريات الباحث سامي الربضي مفتش آثار الكرك . كما أن هنالك في القرية بقايا هياكل رومانية الطراز استعملت حجارتها لبناء المساكن، أما الضريح الروماني الذي يقع في الجهة الجنوبيه الشرقيه فلا يزال بحاله جيده، ويعود تاريخه إلى القرن الثاني أو الثالث الميلادي.
وقد شهدت ذات رأس حكم الفترة البيزنطية، حيث سميت باسم كيرياكوبوليس، كما وجد فيها بقايا كنيستين عثر على أحدهما والباقي لم يعثر عليها.
وعندما استعملت في الفترة الحديثة حجارة المواقع القريبة من الآثار، في بناء البيوت الحديثة عثر على تاجيات الأعمدة البيزنطية في أحد البيوت، حيث أنتزعت من الكنيسة البيزنطية .
كما أنه قد لمع هذا المكان الأثري كمحطة مياه، وحظي بأهمية دينية لوجود آثار لثلاثة معابد في نفس المنطقة أما المعبدان الأكبر حجماً واللذان لم يعودا واضحي المعالم فهما يقعان على تل في المنطقة السهلية، بينما المعبد الأصغر فموقعه في الجنوب الشرقي، وهو ما يزال يحتفظ بمخططه العام .
رحالة وآثاريون
وفي سياق الدراسات الأثرية حول ذات رأس يمكن ادراج أهم الرحالة الذين قاموا بزيارة الموقع ،على النحو التالي: الرحالة Seetzen الذي زار القرية عام 1805م، ووصلها عن طريق وادي الموجب، حيث تجول فيها، وكتب عنها. كما زارها الرحالة Berkhart عام 1812م، وعمل على دراسة الملتقطات السطحية وطبيعة الارض فيها. وكذلك Irbyandnangles حيث استطاعوا عبور الكرك عام 1818م، وسلكوا الطريق الرومانيه، وكتبوا عن موقع ذات راس متحدثين عن بقايا العمائر المتهدمة، وعن بقايا لثلاث عمائر مبنية على طراز العماره الرومانية. وأيضا زارها Albert ducde ضمن زيارته للكرك ولمواقع في البحر الميت عام 1858م. وكذلك مر بالقرية كل من Mauss and Sauvaive اللذين زارا الكرك عام 1866م، واتجها باتجاه الشوبك، وقد كتب هذان الرحالان عن ذات راس حيث تحدثا عن الطريق الروماني وأنه محاط بجدارين. كما أن بعثة للحكومة العثمانية قامت بزيارة لذات راس عام 1893م، وحاولت أن تضع يدها على الموقع . ومن أهم الرحالة الواصلين للموقع بعد عام 1893 C.W Wilson - vincet - w. lebby - gautter. ومن الضروري هنا الإشارة الى أن الرحالة Alois musil زار موقع ذات راس في 1896-1902م، واستطاع إعداد خرائط للبقايا الاثريه ما بين الموجب والحسا، كما تحدث موزل عن إعادة الإستيطان في ذات راس من خلال استعمال البقايا القديمه للمباني. وكذلك يشار إلى Glueck بأنه قام بمسح أثري للعديد من المواقع في شرق الأردن وزار ذات راس، وتحدث عنها وقدم صوراً لها، وقام بدراسة المعبد الصغير وأشار في دراسته إلى تاريخ بنائه وموقعه.
ويضاف الى ما سبق تلك الجهود التي قامت بها دائرة الآثار العامة، من خلال العديد من التنقيبات في موقع ذات راس، وفي عام 2002 تم إجراء حفرية علمية من قبل مجموعة من طلبة قسم الآثار والسياحة بجامعة مؤتة بإشراف الدكتور تيسير عطيات، وبعد ذلك في عام 2003 قامت مجموعة من طلاب قسم الآثار بإجراء أعمال التنقيب الأثري لموقع ذات راس.
موقع ديني
وبعد.. فلا بد من إطلالة أكثر شمولية حول جانب من تلك الآثار في ذات رأس، خاصة المعبد الذي تتضح معالمه فيها، ما يسمى بمعبد ذات رأس، الذي يفرد له الباحث أحمد عوض إسماعيل المواجدة مساحة لتوضيح تفاصيله في رسالته الماجستير التي عنوانها ?مظاهر الاستيطان النبطي في هضبة مؤاب/دراسة مقارنة?، حيث يقول تحت عنوان معبد ذات رأس: ?أنشأ الأنباط بها (ويقصد قرية ذات رأس) ثلاثة معابد، أهمها ما يسمى بالمعبد الصغير، والذي يؤرخ له في الربع الثاني من القرن الثاني الميلادي، ويواكب المرحلة الثالثة لبناء معبد التنور. بني معبد ذات رأس الصغير بشكل مستطيل من الحجارة المشذبة، ويتجه نحو الجنوب، ويرتفع فوق منصة مبنية من الحجارة الكبيرة، ويحتوي على باحة داخلية يتم الدخول إليها عبر مدخل على جانبيه مشكاتان في الواجهة الخارجية للجدار الأمامي، وللمعبد صالة مركزية نافذة إلى قدس الأقداس. تعتبر منطقة ذات رأس من المواقع النبطية الدينية الهامة في هضبة مؤاب، حيث مثلت مركزا استيطانيا كبيرا خلال القرنين الأول والثاني الميلاديين، أكد ذلك تعدد المعابد النبطية فيها، ووجود المدافن والنقوش التي تشير إلى مجتمع مستقر مارس حياته الدينية والاقتصادية؛ إذ إنها تقع على الخط التجاري النبطي المار عبر وادي الحسا باتجاه الشمال، ولأن الأنباط قد أقرنوا مصائرهم وشؤون حياتهم المختلفة بالتجارة، فقد حرصوا على بناء معابدهم بالقرب من الطرق التجارية، وربما كان ذلك من أجل أن تبارك الآلهة تجارتهم، أو من أجل أن يقوم التجار العابرون من هذه الطرق، بتأدية شعائرهم الدينية فيها، وهو كذلك ما يقوم به أفراد المجتمع القاطنين بالقرب منها?.
وفي موقع آخر تشير الباحث المواجدة إلى الاستيطان الديني في ذات رأس ويقارنها بمواقع نبطية أخرى حيث يقول: ?ويمكن مقارنة الاستيطان الديني النبطي في ذات رأس، بالاستيطان النبطي في خربة الذريح على وادي اللعبان في وادي الحسا، وذلك لأن كلا المعبدين في الموقعين السابقين يرتبطان بكثافة سكانية قريبة منهما، حيث دعت الحاجة لبنائهما من أجل إرضاء الآلهة وإقامة الشعائر الدينية فيهما، والحفاظ على تجارتهم المارة بالقرب منهما. وهذا يتناقض مع معبد خربة التنور الذي بني بسبب قدسية المكان الذي لا تتوفر به الظروف المناسبة للسكان والتي كان من أهمها توفر مصادر المياه، مما دعا القائمين على خدمة المعبد لجلبها له من أسفل وادي الحسا?.
دفاتر الطابو
وحول ورود ذات رأس في الوثائق العثمانية، يمكن إيراد ما وثقه الباحث المهدي عيد الرواضية، في ?مدونة النصوص الجغرافية لمدن الأردن وقراه? حيث يشير الى ذات رأس بأنها ?كانت مزرعة إلى جانب القرية المعروفة باسم (راس)- ثم أصبح اسم المزرعة يطلق على القرية.وردت في دفتر الطابو رقم 970 : مزرعة ذات راس تابع ناحية الكرك، خالية من المحصول. وفي دفتر الطابو رقم 185: مزرعة ذو راس تابع ناحية الكرك، من خواص أمير لواء الكرك والشوبك، حاصلها مائة وخمسون آقجة).
سيرة قرية ذات رأس
تقع ذات رأس إلى الجنوب الشرقي من المزار في الكرك، على مسافة 10 كم، وهي تتبع إلى لواء المزار الجنوبي، في محافظة الكرك، وتقع ضمن حدود بلدية مؤاب الكبرى.
الديموغرافيا
يبلغ عدد سكان ذات حوالي 2882 نسمة (1484 ذكور و 1398 إناث)، يشكلون 513 أسرة تقيم في 625 مسكنا، ويعملون في الزراعة، والوظائف الحكومية.
التربية والتعليم
توجد في قرية ذات رأس المدارس التالية: مدرسة ذات رأس الثانوية للذكور، ومدرسة ذات رأس الثانوية للإناث، ومدرسة ذات رأس الإعدادية للذكور، ومدرسة ذات رأس الإعدادية للإناث، ومدرسة شقيرة الغربية الأساسية المختلطة، ومدرسة شقيرة الشرقية الأساسية المختلطة.
الصحة
يوجد في القرية مركز صحي أولي.
المجتمع المدني: يوجد في القرية المؤسسات التطوعية التالية: جمعية العينه التعاونية الزراعية، وجمعية ذات رأس الخيرية، وجمعية شقيرة الشرقية الخيرية، وجمعية شقيرة الغربية الخيرية، وجمعية الامتياز الخيرية، وجمعية شقيرة الغربية التعاونية، وجمعية شقيرة الوسطى التعاونية، وجمعية شقيرة الشرقية التعاونية، وجمعية دار القرآن الكريم، ونادي ذات رأس الرياضي.