قد نتحدث أحيانا عن عدم وجود مستوى جيد من التعليم، وعن الرغبة في تحسين عملية التعليم التي نريد أن تحدث ازدهارا في المجتمع، وحاليا نحن نعيش في مجتمع المعرفة، وهذا المجتمع يقوم على أساس الإبداع الذي يتمثل في الذكاء الفردي والذكاء الجماعي . والقادة التربويون يلعبون دورا هاما في بناء المجتمعات القوية التي تستند على المعرفة .
ومجتمع المعرفة هو المجتمع الذي يساهم بفاعلية في إنتاج المعرفة وتطويرها، وليس مجرد إتقان الاستفادة منها، وحسن استعمالها وتوظيفها. وقد أصبح التقدم في العالم اليوم يقاس بمعايير القدرة على إنتاج المعرفة وتحديثها وتراكمها. وتحول هذا المجال، أي مجال المعرفة، إلى محور التنافس بين الدول والمجتمعات المتقدمة التي تتسابق في بينها على اكتساب مصادر القوة والتفوق الحضاري . خصوصا بعد أن تحول الاقتصاد الحديث إلى ما يعرف بالاقتصاد المعرفي، وهو الاقتصاد الذي تشكل المعرفة فيه العصب الأساسي، وتساهم في تحديد هويته وصورته .
وتبدأ الحلقة في هذا المجال من القيادة التربوية التي تقوم على فكرة بناء مناخ ابتكاري في المدارس يقود إلى بناء قدرات الطالب، وهذا يتطلب أولا توفير مناخ ايجابي للمعلم في المدرسة، حيث يوفر مثل هذا المناخ الايجابي بين المعلم والقيادة المدرسية تحسين الأداء وتحسين الممارسات الصفية مما يؤدي إلى تعزيز نتائج الطلبة . وقادة المدارس بحاجة إلى تعزيز قدرات المعلمين من خلال استمرار عمل المعلم في المدرسة، ويمكن النظر إلى هذه الناحية من عدة زوايا عن طريق فحص العلاقة ما بين قادة المدارس والمعلمين، وهل العلاقة ايجابية بمعناها الحقيقي المتمثل في أداء المعلم وأداء الطلبة في الفصول الدراسية؟ وهذا يرتبط بطريقة مباشرة بنتائج الطلبة . ومن الامور الهامة في هذا المجال أن يهتم قادة المدارس بتشجيع مناخ الابتكار في المدرسة وتنمية قدرات المعلمين والاهتمام بعملية القيادة التحويلية من خلال الاطلاع على البحوث والدراسات وتحويلها إلى سياسات وممارسات فعالة في المدرسة .
وهنالك ثلاثة عناصر تسهم إلى حد ما في نجاح المدرسة، أول هذه العنصر يتلعق بعملية التواصل ما بين المدرسة والمجتمع المحلي، وعملية التواصل التي نريدها هي التي تقود إلى التفاعل المطلوب بدلا من أن يكون المجتمع المحلي متواصلا على أساس رد الفعل من المدرسة، وهذا يتطلب أن يشارك المجتمع المحلي في صنع قرار المدرسة من خلال عملية التخطيط الاستراتيجي وخطة المدرسة الإستراتيجية التي يجب أن تتضمن اهتمام المدرسة بقضية مجتمع المعرفة، فلم يعد كافيا أن يعتمد التعليم على نقل خبرات المعملين إلى الطلبة، لان المستقبل يحمل الكثير من التحديات، لذلك لا بد للطلبة من مواجهة تلك التحديات عن طريق بناء قدراتهم للتعامل معها . أما العنصر الثاني فهو يشمل القيم والأهداف مع التركيز على تنفيذ تلك الأهداف التي تخدم القيم الواجب أن تسود في المدرسة والمجتمع. ومن أهم تلك الأهداف التي يجب الانتباه إليها تعزيز التعلم لجميع الطلبة من خلال ترسيخ مفهوم مجتمع المعرفة، وتحقيق تلك الأهداف أو عدم تحقيقها يجب أن يستند إلى بيانات الأداء . والعنصر الثالث هو قدرة القيادة المدرسية على إحداث التغيير من خلال وضع برامج تهتم بالابتكار والإبداع ، لان التقدم الذي تريده القيادة المدرسية لا بد إن يكون في طريق يقود إلى مجتمع المعرفة، ومجتمع المعرفة يحتاج إلى الابتكار والإبداع، لذا تتحدد تلك المسارات بقدرة القيادة المدرسية على تعزيز التفكير والابتكار، وإدراك مثل هذه القضايا هو بداية الطريق الذي يقود إلى مجتمع المعرفة مع التأكيد أن هذه القضايا التي يجب تطويرها لا تعتمد على الفرد فقط بل السعي دائما لا تكون قضايا يهتم بها مجتمع الطلبة ومجتمع المدرسة كاملا وإلا نكون قد ابتعدنا عن أهدافنا .
ومن متطلبات مجتمع المعرفة أيضا تعزيز الذكاء الجماعي، وعليه فالتعليم يجب أن يركز من خلال تلك الممارسات على بناء المجتمعات القوية، وسبب ذك هو ما يعرف حاليا بالاقتصاد القائم على المعرفة . لذلك عندما نبحث عن قادة تربويين في المدارس يمتلكون قدرة على بناء مجتمع المعرفة نجد أن قادة المدارس هم غالبا من نوعية القيادة التقليدية التي لا يمكن أن تقود المدرسة نحو مجتمع المعرفة .
وتشير الدراسات إلى أن القادة في المدارس يواجهون تحديا حقيقيا من خلال فهمهم لعملية التحسين في المدرسة، وهم يقومون بهذه العملية لكن التحدي الأهم هو كيفية المحافظة على هذا التحسن، كما أشارت الدراسات أن المحافظة على استمرارية عملية التحسين يتطلب تعاونا بين أطراف العملية التعليمية : قادة المدارس والمعلمون من خلال العمل معا بشكل تعاوني، واهم عقبة في هذا المجال سيطرة قائد المدرسة على المعلمين . والسؤال هنا هل يمكن لفريق قيادة المدرسة أن يتخلى عن جزء من سلطته للمعلمين؟ من اجل تجاوز تلك العقبة يجب الاهتمام بتطوير أداء المعلم والوصول إلى مفهوم المعلم الفاعل، والوصول إلى هذا المفهوم يتطلب قيادة التغيير وهذا التغيير يحتاج إلى الابتكار من خلال تغيير دور المعلم التقليدي إلى معلم يقود فريقا من الزملاء والطلبة، معلم باحث يستفيد من الدراسات التربوية ويطبق نتائجها . فكيف يمكن أن نحسن أداء المعلم إذا كان بعض قادة المدارس لا يعرفون الدور المناط بهم ؟
د . ادوارد عبيد
مدير مركز تدريب المعلمين في الأمانة العامة للمؤسسات التربوية المسيحية في الأردن