لبيب قدسية- تطرقت في الحلقة الأولى عن الخلافات الحادة التي وقعت ما بين الزعيم المكابي (أريسطوبولس)، وأخيه (هيركانوس الثاني)، حيث انتزع الأول التاج من أخيه عنوة في عام(70ق.م)، ودارت بينهماحروب طاحنة، إستنجد كل منهما، بدولة أجنبية، ليتغلب على أخيه، فاستنجد (أريسطوبولس) بالرومان، واستنجد أخيه (هيركانوس) بملك العرب (الحارث)، والذي أمده بجيش كبير، قدر عدده بحوالي (50) ألف مقاتل، تمكنوا من التغلب على جيش (أريسطوبولس) وحاصروا القدس، لولا وصول الجيش الروماني القوي، الذي كان يقوده (بومبي).
سنة (63 ق.م): ـ
دخل القائد الروماني (بومبي) إلى القدس، وقضى على ماتبقى من الجيش اليوناني، وقضى أيضاً على مجموعات (المكابيين)، وعلى غرورهم وغطرستهم، وسطر الجيش الروماني على (مدينة أورشليم ــ القدس)، بعد أن أنهى وجود (السلوقيين) اليونان في بلاد الشام كلها، ودخل الرومان إلى (الهيكل)، واستباحوا كل ما وجدوه فيه، وقتلوا عدداً كبيراً من اليهود الذين احتموا داخل الهيكل، بلا رحمة ولا شفقة، وتقدم (بومبي) في ردهات الهيكل، حتى وصل إلى (قدس الأقداس)، ودنسه بقدميه في يوم السبت.
وبعد أن استتب الأمن في المدينة، غادرها (بومبي) بعد أن عين حاكماً عليها، هو المدعو(إسكارس)، وهو أحد قادة جيشه المنتصر،وأمره أن يحكم بإسم (روما)، وسيطر الرومان على كل البلادالسورية من الفرات إلى حدود مصر، وضيق الخناق على اليهود، وأمرهم أن يقدموا في هيكلهم ذبيحة كل يوم تكريماً (لقيصر روما)، وأمرهم بالخضوع والولاء له.
وقام باعتقال وأسر القائد المكابي (أريسطوبولس) الذي استنجد بالرومان، وأرسله إلى روما مع أولاده، مقيدين بالأغلال الحديدية، وقد أظهره (بومبي) في العرض العسكري، الذي أقامه الجيش الروماني في مدينة روما، إحتفالاً بالنصر العظيم على كل البلاد السورية، بما فيها (مدينة أورشليم ــ القدس).
سنة (49 ق.م):
مات الإمبراطور(بومبي)، وتسلم عرش روما من بعده الإمبراطور(يوليوس قيصر) فتنفس اليهود الصعداء، لأن (يوليوس قيصر)، كان متعاطفاً مع اليهود قبل تسلمه للحكم، فعين المدعو ( أنتيباتر) حاكماً على المنطقة، وهـــــو يهودي المذهب، آدومي ، الأصل، روماني الولاء والتابعية، فعين (كركانوس) الحشموني، حاكماً على مدينة أورشليم ــ القدس، وضعفت في زمانه قوة المكابيين، أما سلطة (أنتيباتر) الآدومي.
وعندما توفي (أنتيباتر)، تسلم إبنه (فصايل) إدارة القدس بدلاً من والده، وكان أخوه (هيرودس) والياً على (الجليل)،فدارت عدة معارك في شوارع المدينة (أورشليم) ما بين (الحشمونيين) بقيادة (هيركانوس) وبين الآدوميين بقيادة (فصايل)، فتغلب (الحشمونيون) ?لى الآدوميين، وهرب (هيركانوس) إلى روما، وفي هذه الأثناء مات الإمبراطور(يوليوس قيصر).
سنة (40 ق.م):
أصبح الإمبراطور (ماركوس أنطونيوس)، حاكماً على (روما)، ولقب ب( أغسطس قيصر)، وتمكن (هيرودس) من إقناعه، بتعيينه ملكاً على اليهود في فلسطين، ويكون تابعاً وموالياً للأمبراطورية الرومانية العظيمة، فعينه القيصر (ملكاً) على فلسطين.
سنة (37 ق.م):
حصل (هيرودس) على دعم عسكري من الإمبراطور الروماني (أغسطس قيصر)، وذهب إلى (أورشليم ــ القدس) وحاصرها، وتغلب على المكابيين اليهود فيها، وقتل آخر ملوكهم، وهو(أنتيكانوس) إبن (أريسطوبولس الثاني)، وذلك انتقاماً لأبيه الذي قتله (المكابيون اليهود).
وبعد أن استتب له الأمن، حاول استرضاء اليهود، بتقديم المال والحبوب إليهم، أثناء مجاعة عام(22ق.م)، ورمم الهيكل المدمر، عام (18 ق.م)، ورغم ذلك ظل اليهود يكرهونه ويعتبرونه أجنبياً.
وحاول (الملك هيرودس) كل جهده، للتوفيق بين اليهود والرومان، ولكنه فشل في ذلك، رغم إعتناقه للدين اليهودي، فهو آدومي وليس حشموني، ولذلك شايع الرومان على قومه.
وقد بنى (هيرودس)، القلعة الواقعة في باب الخليل، وبنى حولها ثلاثة أبراج، وكان له في جانب القلعة قصر كبير، كما بنى في القدس (حصن صهيون)، وفي زمانه ولد السيد المسيح، وتحديداً في آخر سنة من حكمه، فقد حكم (40) سنة، وسكت في عهده النقود في (فلسطين)، وكان (هيرودس) يقتل كل طفل يهودي يولد في (بيت لحم)..
سنة (4 ق.م ـــ 6 ب.م):
توفي (الملك هيرودس)، وعين الرومان إبنه (أرشيلاوس) مكانه، ولكنه كان ضعيفاً في إدارة البلاد، فقامت عدة ثورات في (أور شليم ــ القدس)، مما أدى إلى إقالته من منصبه، وظهر عدة زعماء وأحزاب متناحرة، أعلنوا أنفسهم ملوكاً على البلاد، ومنها (أور شليم)، فسادت الفوضى والقتل والنهب والسلب، وعمت القلاقل كل البلاد.
وصادف تلك الأحداث وجود المندوب الروماني(سابينوس) في أورشليم، فعهد إليه القيصر مهمة حفظ الأمن والإستقرار في المدينة، وقد أرسله (القيصر) قبل ذلك، ليحصي خزائن وأموال وأملاك (هيرودس) وكان سابينوس خازناً موثوقاً به عند الإمبراطور(أغسطس قيصر)، وقد استعان بوالي سورية (فاروس) وبملك العرب (أريتاس)، فأرسل إليه كل منهما (20) ألفاً من الفرسان، وحملوا على اليهود في (اورشليم)، حتى قضوا على الثورة، وأسر الرومان أكثر من (2000) أسير يهودي، وقتلوا جميعاً، وبعد هذه المعركة ، أصبح اليهود في حالة ذل وهوان شديدين.
وبعدها أرسل اليهود وفداً منهم ، إلى الإمبراطور (أغسطس) في روما، مكوناً من خمسين رجلاً، ليشتكوا إليه من ظلم (أولاد هيرودس)، ويرجون القيصر أن يضم أورشليم والبرد الفلسطينية الأخرى، إلى (سوريا)، وأن يجعلها إقليماً رومانياً، وأن لا يبقي لليهود فيها سوى حرية العبادة والإستقلال الديني فقط، وقد أيدهم في ذلك أكثر من (8) آلاف يهودي من سكان روما.
وعلى ضوء ذلك الطلب أبقى الرومان جنودهم في أورشليم، وضموا (فلسطين) إلى سورية، وأصبحت ولاية تابعة لإمبراطوريتهم، وحولوا عاصمتها من أورشليم إلى (قيساريه) الساحلية، لمعاقبة أهل أورشليم أولاً، ولقربها من البحر ثانياً، ولمنع تجدد القلاقل والفتن والثورات، وانتقلت أورشليم ـــ القدس من الإستقلال التام إلى التبعية الرومانية، وأصبح يعين حاكمها مباشرة من روما.
سنة (6 م ـــ 36 م):
حكم (أورشليم ــ القدس)، عدة حكام من الرومان، كان آخرهم (بونتيوس بيلاطس) الذي صلب (السيد المسيح) في عهده، وكان يسميه العرب (بيلاطس النبطي)، ورغم أنه كان يكره اليهود، إلا أنه كان يداريهم ويلاطفهم، خشية على نفسه من دسائسهم وفتنهم لدى القيصر، ورغم حرصه الشديد من غضب القيصر، إلا أنه عزل أخيراً من منصبه.
سنة (32 م):
صلب (السيد المسيح) في (أورشليم)، عند مكان يقال له (الجمجمه أو الجلجثه)، وقد زار السيد المسيح القدس قبل إعدامه، أربع مرات، الأولى في نعومة أظفاره، والثانية والثالثة والرابعة لنشر تعاليمه الدينية، والتي ألقي القبض عليه من قبل اليهود، وساقوه إلى الحاكم الروماني (بيلاطس)، الذي حاول إطلاق سراحه، لكن إصرار زعماء اليهود وكهنتهم على إعدامه، جعله يخضع لهم، فأمر بسوقه إلى المكان المذكور، وأعدوا له الصليب، وصلب مع إثنين من أتباعه، غير أن القرآن الكريم لايقر حادثة الصلب، بقوله تعالى « وما قتلوه وماصلبوه ولكن شبه لهم» صدق الله العظيم.
سنة (37 ـــ 44 م):
عين (هيرودس أغريبا)، حاكماً على (أورشليم)، وهو حفيد (هيرودس الكبير)، وكان قبل ذلك حاكماً على (الجليل)، وأراد أن يعيد أمجاد جده الأكبر، فأعلن ولاءه التام إلى القيصرالجديد (غايوس قيصر)، الذي تسلم الحكم بعد وفاة والده (أغسطس قيصر) سنة (37م) .. ونال مبتغاه في حكم (أورشليم)، وانتعشت المدينة في عهده، وبنى فيها القصور والأروقة الفخمة والمسارح الضخمة، وأمر بإنشاء حارة جديدة في المدينة، سميت (زيتا)، وتقع في الناحية الشمالية الشرقية من المدينة، كما بنى السور الثالث حول(أورشليم)، وفي زمانه أنشيء أول (محفل ماسوني) في (أورشليم).
سنة (44 م) :
بعد موت (هيرودس أغريبا)، كان إبنه (أغريبا الثاني)، قد بلغ عمره (17) سنة، ولم تكن لديه القدرة على إدارة (أورشليم) القدس لصغر سنه، لذلك أرسل الإمبراطور الجديد(غايوس قيصر)، المدعو(كسبيوس فادوس) حاكماً على أورشليم.
ووجد الوالي الجديد، أن الفوضى والقلاقل قد انتشرت في البلاد، فالأمن مفقود والمجاعة عامة، والفتن والخلافات اندلعت مابين الحكومة والشعب، ومابين العرب والآدوميين، فانحاز الحاكم الروماني إلى العرب، وقبض على أربعة من زعماء اليهود، وقتل إثنين منهم، وأراح البلاد من شرهم وفتنهم، ولكنه استقال بعد سنتين من حكمه.
سنة (46 م):
تسلم الحكم بعده، (طيباريوس إسكندر)، وهو من اليهود الموالين لروما، وأول عمل قام به، أنه قتل إثنين من زعماء اليهود لتحريضهما الناس على الثورة ضد الرومان، بسبب الإحصاء العام لليهود في فلسطين، وخاصة (أورشليم) ــ القدس، وحصلت في زمانه مجاعة شديدة.
سنة (48 م):
وفي زمن الحاكم (فنتديوس فومانوس)، ثار اليهود في (أورشليم)، بسبب تهجم أحد الجنود الرومان على مقدساتهم ، وقد اعتبروا أن الوالي الجديد هوالذي حرض الجندي على ذلك، وحاول (فومانوس) أن يقنعهم بأنه لم يحرض الجندي، لكنهم أصروا على إتهامه، فأصدر أوامره باستنفار الجيش الروماني في المدينة، وظن اليهود بأن الجيش سيهاجمهم، فهربوا من الشوارع الضيقة مسرعين، ومن خوفهم وهلعهم داسوا على بعضهم البعض، فقتل منهم الكثير، وعندما استفاقوا من هذه الكارثة، قاموا بالإعتداء على أحد عبيد الحاكم، ويدعى (إسطفان)، ونهبوا ماكان يحمله بيديه، فطالبهم (فومانوس) بتسليم المعتدين، فرفضوا تسلينهم، وفي ذات الوقت، مزق أحد الجنود الرومان كتاب التوراة، فجاء زعماء اليهود وكهنتهم إلى (فومانوس) يشكون إليه أمرهم، فأرضاهم بقطع رأس الجندي الذي حقر إلاههم ومزق كتابهم.
وفي عهد (فومانوس) أيضاً، حصل خلاف شديد ما بين اليهود والسمريين في مدينة (شكيم) ــ نابلس، وقتل عدد كبير من اليهود، فاحتكموا إلى فومانوس، ولكنه إنحاز إلى السومريين ضد اليهود.
فرفع الفريقان (فومانوس) و(اليهود)، شكواهما إلى القيصر، فاقتنع القيصر بأقوال اليهود، وأقال (فومانوس) من أورشليم، وجرده من رتبته العسكرية، وعين والياً غيره على (أورشليم).
سنة (55م):
جاء بعد (فومانوس) المدعو(قلوديوس فيلكس)، وهو شقيق المدعو(بالاس)،الذي كان صديق الإمبراطور الحميم، وكانت فلسطين عند تسلمة لمهام حكمه، في حالة فوضى عارمة، وظهر فيها زعماء متناحرين على الزعامة والحكم، ومنهم الزعيم اليهودي المصري الأصل، الذي صعد إلى (جبل الزيتون)، ودعا أتباعه من اليهود إلى الجبل، وتحصنوا فيه، وأعلنوا الثورة على الرومان، فجاءه الحاكم (فيلكس) بجيش كبير، وحاصرهم وتغلب عليهم وقتل منهم أكثر من (400) شخص، وتشتت شملهم.
وفي عهده أيضاً حصلت أول مشادات عنيفة وإضطرابات شديدة في مدينة (قيساريه) القيصرية، مابين اليونانيين واليهود، حول من هو الأحق منهم بحكم المدينة وإدارتها، وكانت (قيسارية) مقسومة إلى شطرين متساويين بينهما، ويقول اليونانيون أن (هيرودس) هو الذي أسس هذه المدينة، وجعلها عاصمة له، بدلاً من (أورشليم)، وبنى فيها الهياكل والتماثيل اليونانية، وهذا ما يجعل المدينة من حق السوريين اليونانيين.
أما دعوى اليهود، فإنهم يقولون، إن المدينة يهودية، لأن بانيها يهودي الأ صل، ويجب ألا يحكمها غير اليهود، وقد إندلعت بينهما عدة معارك مسلحة، أدت إلى قتل العديد من الطرفين المتنازعين، حتى تدخل الحاكم الروماني (فيلكس) ودخل بجنوده إلى(قيساريه)، وتمكن من إعادة الهدوء والسكينة إليها، وسمح للطرفين، بأن يرسلوا ممثلين عنهم إلى الإمبراطور في روما، لعرض مشكلتهم عليه.
وعندما وصلت الوفود إلى روما، وعرضوا مشكلتهم على الإمبراطور، حكم لصالح اليونانيين، فثار اليهود معترضين على هذا الحكم، كعادتهم عندما يكون القرار لغير مصلحتهم.
سنة (60م):
تسلم الحكم في فلسطين المدعو (فستوس)، وكان حازماً وشديداً، وتمكن من إخماد ثورة اليهود في (أورشليم)، وفي عهده أمر الإمبراطور (نيرون)، ببقاء رئيس الكهنة وخازن الهيكل اليهوديان في روما، محتجزين لديه حتى يضمن إخلاصهما وطاعتهما له، ولكن فترة حكم (فستوس) لم تدم طويلاً، حيث أنه مرض مرضاً خطيراً، ومات بعده
سنة (61م):
عين الإمبراطور (نيرون) المدعو(البينوي)، حاكماً على فلسطين وأورشليم، وكان حازماً ضد اليهود، غير أنه أمر بترميم الهيكل اليهودي، وكثرت في عهده مظاهر البطالة بين الناس، فاستخدم أكثر من (18) ألفاً من العمال في رصف شوارع (أورشليم) ــ القدس.
سنة (65 م):
وجاء بعد (البينوي) حاكماً رومانياً يدعى(فلوروس)، وأمر في سنة(66م) بتعداد الضحايا التي ذبحت في عيد (الفصح)، فكان عددها(255600)رأس، فتأكد لديه كثرة الناس في أورشليم وما حولها من البلدان، كما تأكد لديه مدى الغنى الذي يتمتع به السكان، وكان يطمح من ذلك إلى الثراء والغنى بأسرع ما يمكن.
وفي عهده تجددت الإضطرابات في مدينة (قيساريه)، وتجرأ اليونانيون على اليهود واحتقروهم، حتى أنهم رفضوا بيع قطعة صغيرة من الأرض قبالة كنيسهم، وبنى صاحبها اليوناني عليها حوانيت صغيرة، وترك لليهود ممراً ضيقاً يؤدي إلى الكنيس، فذهب أحد اليهود إلى (فلوروس) وعرض عليه رشوة كبيرة فقبلها، ولكنه ترك اليهود واليونانيين يقتتلوا فيما بينهم على هذا الممر، واستعمل الطرفان السلاح في نزاعهما، فتغلب اليونانيون على اليهود، وهربوا من المدينة إلى مكان يبعد عنها حوالي (8)كم، وأرسلوا(جون) الراشي إلى الحاكم (فلوروس)، ليتدخل لصالحهم، خاصة وأنه تلقى رشوة منه، وبدلاً من نجدة اليهود، فقد ألقى القبض على (جون) وزجه في السجن.
وذهب (فلوروس) إلى أورشليم، قادماً من (السامرة)، وكانت الأوضاع مضطربة في المدينة، وعلى وشك اندلاع ثورة لليهود، فأرسل رسولاً إلى زعماء اليهود، يحذرهم من مغبة القيام بأية اضطراباتفي المدينة، ولكنهم تجاهلوا تحذيره، واحتموا في داخل الهيكل، فجاء إليهم بجيشه وبطش بهم، وأمر جنوده بنهب المدينة والهيكل وكل الأ سواق، وأذاقهم مر العذاب.
سنة (66م):
ظهر الزعيم اليهودي الجديد (مناحيم)، وهو الإبن الأصغر ل (يهوذا الجليلي)، ودخل إلى (أورشليم)، مرتدياً ملابس الملوك، وحوله حاشية من اليهود المدججين بالسلاح، وأعلن نفسه ملكاً على أورشليم، فاحتل أتباعه(قلعة أنطونيا والقصر الملكي) وطردوا الجنود الرومانيين من المدينة، وقتلوا كل من استسلم إليهم واستولوا على أسلحتهم، ولم يبقَ في المدينة روماني واحد.
وفي نفس الوقت الذي كان فيه اليهود يغرسون سيوفهم في صدور الجنود الرومان، إندلعت في قيسارية مذبحة ضدهم، حيث ثار اليونانيون (السوريون)، وذبحوا من اليهود أكثر من (20) ألفاً في يوم واحد، وقد جرى نفس الشيء في كل مدينة سورية.
وعندما احتل اليهود مدينة أورشليم، هرب الحاكم (كيستيوس)، إلى الجنوب مع بقايا جيشه، قدر عددهم بحوالي (20) ألفاً، وبعد إعادة تنظيم قواته، تقدم إلى أورشليم وحاصرها، فانقسم اليهود إلى قسمين، قسم أراد أن يفتح أبواب المدينة ليدخل الجيش الروماني إليها، وقسم رفض ذلك، وفيما هم يتجادلون بعصبية وقلق شديدين، وصل إلى مسامعهم خبراً مفاده، أن (كيستيوس) قد رفع الحصار فجأة، وانسحب الرومان من حول أورشليم، لسبب لايزال مجهولاً حتى يومنا هذا.
وأثناء تراجع الجيش الروماني، أخذ اليهود برميهم بالحجارة والقاذورات والسباب والشتائم، فانقلب الإنسحاب إلى هزيمة مخزية للرومان.
سنة (67م):
غضب الإمبراطور(نيرون)، من نتيجة الهزيمة الرومانية في (أورشليم)، فأرسل قائده( فلافيوس فسبسيان)، لإطفاء ثورة اليهود، وجهزه بجيش كبير قوامه (60) ألفاً من الفرسان المحترفين في القتال، ووصل هذا الجيش إلى منطقة (الجليل)، شمالي فلسطين، واشتبك مع اليهود فيها،وكان يرأس الجماعات اليهودية قائدهم (يوسيفوس) فانتصر عليهم، وأرسل قائدهم يوسيفوس إلى روما أسيراً، وباع الأسرى الآخرين منهم كعبيد أذلاء.
وبعد عدة شهور وصل القائد الروماني (فسبسيان) إلى (أورشليم)، وحاصرها مدة طويلة، حتى أصاب أهل المدينة مجاعة عظيمة، فقام العديد من اليهود بالإنتحار برمي أنفسهم من فوق الأسوار، قبل أن يدخلها الجيش الروماني.
سنة (68 م):
عاد (فسبسيان) إلى روما، ليتولى عرش الإمبراطورية الرومانية، بعد إنتحارالملك (نيرون)، وسلم إبنه (تيطس) قيادة الجيش الروماني الذي يحيط بمدينة (أورشليم)، فمات العديد من اليهود رعباً وهلعاً، لخوفهم من القائد الجديد الذي لايعرف الرحمة ولا الشفقة على اليهود.
سنة (70 م):
وصل القائد (تيطس) إلى أسوار (أورشليم)، ومعه جيش روماني جرار، مكون من أربعة فيالق، قدر عددها بحوالي (30) ألفاً من الفرسان المحترفين في القتال، ومعهم حوالي (50) ألفاً من الإداريين، وكان معه فرقة متطوعة من العرب الأنباط.
نصب (تيطس) معسكره في الجهة الشمالية من المدينة، وعلى (جبل سكوبس)، ووزع فيالقه على الجبال المحيطة ب(أورشليم)، وأحاطوا بالمدينة كإحاطة السوار بالمعصم، ونشر أبراجه المتحركة حولها، ونصب المنجنيقات في الشمال والشرق والغرب وترك الجنوب.
وأمر بقطع الأشجار التي تحيط بمبنى السور، حتى لا تعيق تحرك الجنود في المنطقة، وحاصر المدينة أربعة أيام حتى نفذت مؤونة المحاصرين من اليهود وسكانها من العرب وغيرهم، وقدر عدد سكانها بحوالي المليون إنسان، وحوالي (23) ألف مقاتل،يتحصنون في ثلاث حصون منيعة هي:(حصن هيرودس ــ في باب الخليل، وحصن أنطونيا ــ شمالي الحرم، وحصن الهيكل ) وخيم الرعب والخوف والجوع على جميع الناس داخل المدينة.
نصح القائد تيطس اليهود بأن يفتحوا له الأبواب، ليدخل المدينة بدون قتال، وليس له شروط سوى خضوعهم للدولة الرومانية، ودفع الضرائب لها، ولكنهم رفضوا طلبه، فشرع في قتالهم، وأخذ جيشه يدك المدينة دكاً بحجارة المنجنيقات وكتلها الملتهبة بالنار، وهاجمها من جميع الجهات، وشارك في المعركة ينفسه، وقتل من اليهود (12) شخصاً.
ودخل الجيش الروماني إلى المدينة، من باب حطه وباب العامود وحارة الواد، وقتل عدة آلاف من اليهود في الشوارع وفي الهيكل الذي أحرقه الرومان وسقطت جدرانه، وباع (تيطس) اليهود الأسرى عبيداً في الإحتفال الذي أقامه في (أورشليم)، ثم تركها متوجهاً إلى (قيساريه)، وترك فيها الفيلق العاشر الروماني، وحرم على اليهود والمسيحيين دخول المدينة، وبعد مدة من الزمن عاد المسيحيون إليها، وبقيت محرمة على اليهود.
سنة (106 ـــ 114م):
عاد اليهود إلى أعمال الشغب من جديد، في زمن الإمبراطور(تراجان)، وتمكنوا من العودة إلى (أورشليم)ــ القدس، بسبب ضعف الحامية الرومانية فيها، فثاروا على الجنود الرومان، وقتلوا ونهبوا أسلحة العديد منهم.
سنة (117م):
وفي عهد الإمبراطور(أدريانوس)، صمم على الإنتقام من اليهود، فعين واليه على (أورشليم)، المدعو(أكيلا)، وهو شقيق زوجته، فأمر الوالي الجديد بعدم ختان اليهود، وعدم قراءة التوراة، وعدم تقديس يوم السبت، وحول المدينة إلى مستعمرة رومانية.
سنة (135م):
حشد اليهود جموعهم بقيادة (باركوخيا)، الذي ادعى بأنه المسيح المنتظر، وقام بثورة على الوجود الروماني في مدينة (أورشليم)، وحدثت معارك دموية بين الرومان واليهود، إنكسر فيها اليهود وأصيبوا بخيبة أمل، نتيجة المذابح التي وقعت بهم، ولم يتمكنوا من السيطرة على (أورشليم)ـــ القدس.
وقتل (باركوخيا) على يد الوالي الروماني (يوليوس سيفيروس)، الذي شتت اليهود في جميع البلدان، وأصبحت (أورشليم) في عهد الإمبراطور(أدريانوس) خراباً كاملاً، فهجرها سكانها، وغدت قرية صغيرة تابعة إلى مدينة (قيساريه)، وقد أجلى سيفيروس المسيحيين واليهود معاً من (أورشليم)، وبنى فوق (الكنيسة والجلجلة) هيكلين وثنيين ونصب تمثالي (المشتري والزهرة).
سنة (139م):
بنى الإمبراطور (أدريانوس) مدينة جديدة فوق (أورشليم ) القديمة، وذلك في الذكرى الواحدة والعشرين لتوليه عرش الإمبراطورية الرومانية، وبعد أربع سنوات من خراب (أورشليم ــ القدس)، وسمى مدينته الجديدة (إيليا كبيتولينا)، ومنع اليهود من النظر أو الدخول إليها.
التسلسل التاريخي لمدينة (القدس الشريف) من (5000 سنة ق.م ـــ 2010 ب.م) «2» ... القدس في زمن الرومان ــ البيزنطيين
12:00 21-2-2010
آخر تعديل :
الأحد