كانت فترة الامتحانات في إحدى الجامعات حين قال أحد الأساتذة في معرض حديثه عن الطلبة والتدريس: «الأستاذ الجامعي مثل القاضي المحلف، وقد يصعب تقدير مدى الصعوبة التي يعانيها في هذه الفترة تحديدا، فترة تصليح أوراق الامتحان لتقييم الطلبة... وإذا كانت الحياة الجامعية مليئة بالمفاجآت والدهشة بالنسبة للطالب، فهي كذلك تماما بالنسبة للأستاذ! ويضيف: على سبيل المثال، تلقيت أمس بحثا من أحد الطلاب، فكدت أقسم بأنه جمع بضع أوراق مكتوبة بأي كلام من مكان ما، فألصقها بعضها ببعض... وسهرت الليل وأنا أحاول ترتيبها من جديد علني أهتدي إلى فكرة ما تربط بينها، فلم أوفق أبدا. ثم يقول بأسى: «وتتسع المأساة حين يدخل عليك أحد الطلاب من أبناء بعض محدثي النعمة ممن يحملون أسماء عائلات ثرية ليبلغني سلاما من فلان... وهذا يعني محاولة تحييد موقفي والوقوع تحت سحر السلام الهام من الشخصية الخطيرة التي يهمها نجاح هذا الطالب بأي شكل كان! ويقول: «في الجامعات الغربية المرموقة يحظر دخول الطلبة على الأساتذة في فترة الامتحانات، ويتم تحديد العلامات على يد مساعدين للمدرس ليس لهم صلة بالطلبة. فعلقت هنا إحدى الزميلات قائلة: «هل يعني هذا أنه ليس لنفوذ العائلات المعروفة تأثير ما في المسيرة العلمية لأبنائها؟» فأجاب: «الأمر هناك مختلف ومعكوس تماما، فالعائلات الثرية المعروفة ذات النفوذ، تكرس أموالها في تنشئة علمية ضمن أجواء ثقافية راقية منذ الطفولة، فيتعلم الطفل دون أن يدري أنه يتعلم، حتى أن العطل الصيفية توظف لإكساب الطفل المزيد من الخبرات والمهارات، اسم العائلات المعروفة هناك يعني أن أبناءها هم الأكثر تعليما وثقافة وكفاءة وإحساسا بالمسؤولية، وليس العكس. لأن الصغير يربي ويوجه منذ صغره نحو خدمة اسم العائلة بثقافته واطلاعه ومثابرته، وليس الاتكاء على ذلك الاسم لتحقيق النجاحات الشكلية السهلة الفارغة المأساوية!» وينتهي كلام الأستاذ ليطل السؤال الذي قد يحدد تطلعاتنا لأي شكل من التقدم... أين القيمة بالضبط، في اسم العائلة، أم في أفرادها؟