عرف عمر الخيام (1038-1123) على أنه من أشهر شعراء العهد العربي الإسلامي لكنه كان أيضا ضليعا في علم الرياضيات وقد طلب منه (ملك شاه) وضع رزنامة عرفت (برزنامة جالالي) (JALALI CALENDAR) ولا تزال تستعمل في إيران. وكان يعتبر نفسه تلميذ ابن سينا في العلوم. لقد ترك الخيام بعد وفاته (12) أطروحة في مجال الفلسفة والعلوم وكان أهمها (أطروحة الجبر) وتعتبر من أهم ما كتب في الرياضيات في القرون الوسطى. كما كتب في الهندسة والفيزياء. ولقد ذكر المؤرخون عن الخيام بأنه برز خلال التاريخ العربي الإسلامي كشخصية ذات تفكير يتصف بالحكمة وكان «يسمى الحكيم» ذو العقل الراجح. ولقد اتهم الخيام بحبه لمتعة ولذة الحياة وأنه شخص شكوكي. ومع ذلك فقد كان في الواقع روحانيا في طبيعته لدرجة كبيرة وأنه كان يعتبر (Pythagorean) أي يؤمن بفلسفة العالم والفيلسوف اليوناني (فيثاغورس 582ق.م _ 500ق.م) وكذلك (Orthodox) ارثوذكس بمعنى الراشد والقويم المعتقد. كما أن عمر الخيام اعترف بانتمائه للفكر الصوفي الزاهد، كذلك الفكر (Gnostic) أي الشيعي المتأثر بأفكار «الهرمسيين العرفانيين» وهم أصلا يؤمنون بالفلسفة اليونانية الأفلاطونية خاصة مبدأ الكشف (REVALATION) الذي يأتي من الله إلى الأئمة من آل البيت فقط . ولقد حاول في شعره أن يكون معبرا وناقدا ضد ظاهرة النفاق الديني والتجذير مع الحقيقة والواقع. لقد كتب الخيام في رسالته المشهورة بحثا غيبيا وضع فيه تقسيما لفئات المفكرين الذين يبحثون عن المعرفة ولكنه لم يكن عن فرق الإسلام الرئيسية السنة والشيعة ولم يتحدث عن المذاهب الفرعية التابعة للأئمة (الشافعية، الحنبلية، المالكية والحنفية) أو المنشقة (الخوارج) أو فرق المغالاة التي انشقت عن الإسلام والمنبثقة عن الشيعة وهي (الإسماعيلية، الدروز أو الموحدون، العلوية أو النصيرية، والباييه أو البهائية). وفي هذا برهن عمر الخيام أنه مرجع هام له تفكير راجح ومرتب من حيث التسلسل الفكري، وأنه اشتهر في التاريخ الإسلامي كشخصية اتسمت بالحكمة ورجاحة العقل. أما التصنيف الذي وضعه لفئات المفكرين فكان في أربع طبقات، 1- اللاهوتيون (The Theologians) ومفرده لاهوتي: وهو الذي يكون مولعا بالجدل والأمر الخلافي ولكنه مقتنع بالدلائل وإن العلم من عند ربه هو شيء كاف. 2- الفلاسفة (The Philosophers): أولئك الذين يبنون معلوماتهم على الإلهام اليوناني القديم حيث يشجع الفيلسوف حوارا عاقلا ومنطقيا ويبحث عن معرفة قواعد المنطق، والفلاسفة لا يكتفون بمجرد الحوار ولكنهم لا يبقون امناء لقواعد المنطق بل يصابون باليأس والتقاعس. 3- الإسلاميون (ISLAMISTS) وهم فريق من الشيعة على الغالب وفئات أخرى ربما تتفق معهم في أشياء كثيرة مثل المعتزلة (الذين يعتقدون بقدرة الإنسان على اختيار فعله وكذلك فإن مصيره في يده). كذلك الزيديه نسبة للإمام زيد بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ومعظمهم في اليمن ومن أئمتهم محمد الهادي. كما يعتقدون بأن المعرفة لا تعدو كونها أخذ المعلومات من شخص ذي معرفة وموثوق به. لأن الاستنتاج حول معرفة الخلق، وجوهره وصفاته المميزة ونعوته، أشياء تبدو صعبة للفهم المؤكد وأن هناك استنتاجات من خصوم المفهوم المسلمي (MUSLIMIC) مصحوبا بمبادرات ذكية تؤدي إلى فقدان المفهوم للوحي، وبالتالي يقبلون بهذه الفلسفة. وبالتالي يكتفون بالقول: الأفضل أن نبحث عن الحقيقة من كلمات تصدر عن شخص صادق. 4- الصوفية (SUFIS): الصوفي هو الشخص الزاهد الذي لا يتقصى المعرفة بالتأمل أو التفكير المنطقي وهو شخص غير حدسي ولكنه يبحث عن المعرفة بتطهير ونقاء النفس وكذلك تطهير التصرفات والنزعات النفسية، حتى يصل إلى النقاء الجسدي والنفسي، وبعد ذلك تأتي مواجهة الصوفيين مع العالم الروحاني الذي ينعكس على حياتهم دون غموض أو التباس. ويقول عمر الخيام في خلاصته أن أية جهالة تصيب الإنسان تكون مسببة عن التلوث أو النجس وعدم الطهارة لطبيعة الإنسان. أما إذا رفع الحجاب والستار وأزيلت الشاشة والنظارات عن العين، فإن حقيقة الأشياء تبدو كما هي ظاهرة وجلية أمامنا. لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم حقائق الأشياء التي علينا الإحساس بها حين قال «في الحقيقة إنه وخلال وجودنا، فإن الوحي والإيحاء لمعنى ذلك الوجود يأتيان من عند الله تعالى ويتساءل: هل أنت على استعداد لأن تتبعهما». وأخيرا يقول الخيام: (إننا لكي نتواصل مع العقلاء والأشخاص الذين على صواب والمحبين لله تعالى، فإن البديهة والحدس يقوداننا، ولكن ليست الأفكار الاستطرادية وغير الحدسية) . E-mail: [email protected]
