كتب - حيدر المجالي -ما تزال قضية الاختلاس في وزارة الزراعة تشغل الرأي العام، في الوقت الذي لم تكشف فيه الجهات المسؤولة أسماء أبطال هذه العملية، مكتفية بالقولأنهم من موظفي الوزارة الذين يعملون في الدائرة المالية، وان ثمة متعاونين معهم من خارج الوزارة، لكنهم كانوا موظفين فيها.
القضية ليست الأولى فقد سبقها قضايا اختلاس عديدة في دوائر ومؤسسات الدولة، وان ملفاتها موجودة لدى هيئة مكافحة الفساد، وقد نفذت بنفس الكيفية والطريقة إصدار شيكات مزورة وصرفها من البنك المركزي، ورغم الضجة التي اثارتها في حينها، الا أنها اصبحت الآن في طي النسيان بعد ان طويت ملفاتها، لدرجة ان العقوبات بحق مرتكبيها ليست رادعة، بحيث أنهم خرجوا من السجن بعد قضاء سنة أو اثنتين وبعضهم عاد للعمل.
والمتتبع لسيناريو الاختلاس في وزارة الزراعة، يكتشف بان العملية لم تتم في فترة محددة، بل أنها استمرت على مدى عام كامل، دون ان يدري بها احد، وربما ان الصدفة وحدها قادت الى اكتشافها عبر موظفة نزيهة لاحظت التباين في الكشوفات المالية، وبدون مستندات تذكر، أي ان العملية تمت وفق اطر روتينية معمول به، بحيث لا يلحظ الأخطاء بها سوى من يصدرون شيكات بها فقط.
رئيس هيئة مكافحة الفساد عبد شخانبة، وفي مداخلة له في إحدى المؤتمرات الإقليمية حول مكافحة الفساد، أشار الى نقطة في غاية الأهمية وهو الفساد (المقنن) والذي لا يحاسب عليه القانون لكنه في مجمله فساد مالي واضح، وخصوصا الذي يندرج تحت باب تقديرات المسؤول، وهو الذي تدرس الهيئة إيجاد آلية معينة لمحاربته.
مهتمون في قضايا الفساد يرون بان الدوائر المالية في المؤسسات والدوائر الرسمية، هي التي يصدر عنها الفساد المالي، كون هذه الدوائر هي التي تصدر الشيكات، وتعلم تماما القنوات التي ستسلكها المعاملات المالية حتى يتم صرفها من البنك المركزي أو البنوك الأخرى، منوهين الى ان آلية ضبط الدوائر المالية بحاجة الى إعادة نظر، خاصة بالشق المتعلق بالشيكات والتواقيع المعتمدة، ومدى العلاقة بين الدائرة والبنك المركزي.
بعض المؤسسات الحكومية خطت خطوات رائدة في مجال صرف الشيكات، بحيث يتم التنسيق بين الدائرة أو المؤسسة، وبين البنك المركزي في حال ان ثمة شيكات تزيد قيمتها عن أربعة آلاف دينار، وبالتالي تتجنب هذه المؤسسة ان يمرر شيك بدون علم الإدارة المركزية.
موظف في دائرة مالية، أكد بان عملية الاختلاس ربما تكون متاحة للمحاسب في تلك الدائرة، وانه الأقدر على تنفيذها، في ظل غياب للضمير، مشيرا الى ان الكم الهائل من الشيكات والمبالغ التي يصرفها، تمكنه من معرفة التواقيع المطلوبة على المعاملات والشيكات، وبالتالي يكون قادرا على صرف احداها باسمه أو اسم صديق، بحيث لا يتم اكتشافها الا بعد فترة طويلة.
أما عملية اختلاس المال العام، كما في مشروع الحاكورة في وزارة الزراعة التي بلغت موازنته(5ر2) مليون دينار، فإنها تمت بالتشارك والتواطؤ مع عدد من الموظفين المطلعين على المشروع وأوضاعه المالية، وهذا ينسحب على عمليات الاختلاس الأخرى التي يتم ضبطها في مؤسسات الدولة.
وفي هذا يؤكد وزير الزراعة الذي شكل لجنة نهائية لتحديد ما جرى، أنهناك متواطئين من خارج الوزارة مع موظف الوزارة المشتبه به، وربما تقود التحقيقات الى شبكة كبيرة نفذت العملية بدقة متناهية.
هيئة مكافحة الفساد التي استلمت ملف القضية، تجري تحقيقاتها بالتعاون مع إدارة البحث الجنائي التابعة للأمن العام، لتكشف عن تداعياتها، التي اقترفها موظفون، يتعاملون يوميا بعشرات الآلاف من الدنانير.
والسؤال، هل تكفي الإجراءات واليات الرقابة وحدها للحفاظ على الأموال الأميرية فقط دون إعادة النظر برواتب ومخصصات العاملين عليها؟.