حوار - غادة عناب -تصوير - أحمد عساف - الدكتور كامل العجلوني رئيس المركز الوطني للسكري والغدد الصماء والوراثة منذ عام 1996، وأستاذ الغدد والسكري في كلية الطب بالجامعة الاردنية، ابن القاضي الشرعي الذي فضل الطب على المشيخة ، تعلق بتخصص الغدد الصم لانه تخصص منطقي من وجهة نظره ، محاور ومثقف وسياسي يهاجم المسؤولين والسياسيين.. متمرد على نظام اعطاء المحاضرات والتلقين بالجامعات ويصفه بالمتخلف ،حصل على جائزة افضل طبيب غدد صم في العالم من الجمعية الامريكية للغدد الصم عام 2008، مغرم بالمعلقات وموزارت ورباعيات الخيام.
ــ : حدثنا عن كامل الفتى أيام الصبى والدراسة ؟
- ولدت في الصريح عام 1943، ودرست الابتدائية في عدة مدارس في المملكة ، لأن والدي كان يعمل قاضيا شرعيا وكنا ننتقل حسب عمله، درست الصف الاول في عجلون عام1949، ثم انتقلنا الى الخليل،و بعدها الى القدس ، الكرك وعمان ، حيث حصلت على شهادة المترك من كلية الحسين عام 1960.
- كيف كان اثر هذه التنقلات على شخصيتك ؟
-لم يكن هناك مشكلة او شعور بالغربة بسبب وجود مجموعة قيم موحدة بين كل المدن التي تنقلنا فيها ، فالعادات الاجتماعية في عجلون نفسها بالخليل، ، علاوة على ذلك فقد كنت دائما الاول في صفي وهذا مرده نوعية الاساتذة الذين كانوا على درجة عالية من الاخلاق والقيم ، اذ لم ينظروا لي نظرة مختلفة كوني طالبا جديدا او انني من مدينة اخرى .
ــ : ما الذي اثر في تكوينك وطفولتك ؟
- القدوة الحسنة في البيت، حيث يبدأ التكوين السلوكي قبل الذهاب إلى المدرسة،وهي الفترة الاهم في التكوين السلوكي للانسان، والتي تبدأ بسن (1-3) اذ تتكون 60% من شخصيته خلال تلك الفترة ، ومن سن (3-6) يتكون حوالي 30% من الشخصية ، والبقية تكتمل في سن الثامنة عشرة ، والسلوك هو قدوة .. فيتكون الحنان والعطف المرحلة المبكرة ، لذا ما نجده الان من اشكاليات يأتي بسبب عدم اعطاء الطفولة حقها ، وعليه فان الانانية والسرقة وعدم الشعور بالانتماء للوطن وانما الانتماء للجيبة...الخ ، كله بسبب القدوة السيئة بالبيت، اما التكوين المعرفي فيستمر طوال حياة الشخص، وان كان من الافضل التعلم في الصغر .
ــ : كم اضاف لك هذا التنوع ؟
-كانت فرصة لم تتح لكثير من الناس غيري، اضافة الى انه نوع من التحدي عندما اكون الاول بصفي بالخليل ثم احافظ على هذا المستوى بالقدس ، بوجود طلاب واساتذة مختلفين ، اضافة الى النقطة الايجابية الهامة والتي تتمثل بأن اغلب اساتذتي في كل المدارس التي درست فيها لم يكونوا من نفس البلد او المدينة، فعندما درست بالخليل كان اغلب الاساتذة من بيت لحم، وفي القدس كان عدد المعلمين كبيرا ومن جميع المناطق ، اي ان المدرسة كانت بالفعل ملتقى لكل الاردن ، عكس ما يجري في الوقت الحاضر، اذ صار لازما ان يكون المعلم من البلد حتى على حساب المستوى والكفاءة ، علاوة على الاصرار على احترام المدرسين من خارج المنطقة بشكل استثنائي ، لذلك اعتبر نفسي محظوظا باحتكاكي بهذا التنوع بسن مبكرة.
ــ : هل احتفظت بصداقات من تلك الفترة ؟
-بالتأكيد ، تعرفت على العديد من العادات المحلية واقمت الكثير من الصداقات ، ونتواصل لحد الان ومن ابرزهم الدكتور يوسف الشعراوي من الخليل.
ــ : من هم ابرز المعلمين الذين تتذكرهم من تلك الفترة ؟ ــ : في الخليل ، الاساتذة احمد الدويك وصائب الناظر الذين كانوا يدرسوننا كل المواد، والاهم هو تدريسهم حب الوطن، والاستاذ جودت القباني في الرشيدية والدكتور الاشهب كانوا نعم القدوة، ومواطنين صالحين قبل ان يكونوا اساتذة عظماء.
بناء على تجربتك، هل ترى فرقا في مستوى التعليم بين الوقت الحاضر والتعليم ايام زمان؟
- انا مؤمن ان الجامعات ستبقى متخلفة مادام بقي نظام اعطاء المحاضرات بالطريقة المتبعة حاليا، لانه لا ضرورة لها ، اذ يمكن اعطاء الطلاب تلك المواد على اقراص مدمجة.
ــ : لماذا لم تسر على خطى والدك وتصبح قاضيا شرعيا ؟
- والدي كان يحب ان اصبح شيخا ، لكنه لم يجبرني لانه كان يحترم الرأي الاخر، وارسلني الى المانيا لادرس الطب هناك عام 1961 ، في حين رفض الشنقيطي ـ وزير التربية والتعليم انذاك ان يقبلني الا بالشريعة لاصبح مثل والدي، وكان محمد نوري شفيق مدير البعثات يقول للشنقيطي ان كامل الاول بالفيزياء على المملكة يجب ان يدرس طب، وتصادمت معه بالطبع وقلت له اليس من الاولى ان يدرس ابن قاضي القضاة الشريعة ، فلماذا ارسلت ولدك الى تركيا؟، فأجابني، قطع الله لسانك.
ــ : ماذا بعد تخرجك من كلية الطب؟
- بقيت لعامين في المانيا حيث حصلت على دكتوراه في الطب من جامعة هايدلبرغ ثم دكتوراه بالتشريح عام 1967، ثم غادرت الى امريكا، وتخصصت بالباطنية وغدد صم وحصلت على الزمالة الامريكية للغدد الصم والسكري.
ــ : لماذا اخترت هذا التخصص؟
- كان في ذلك الوقت نادرا ومنطقي واحببته جدا، واقصد بمنطقي انه ليس كبقية التخصصات الطبية يحتاج الى الكثير من الحفظ ، الغدد الصم اكثر شيء منطقي بالطب لانه يعتمد على ما يجري بالجسم من معادلات كيميائية وهو من ارقى فروع الطب برأيي، وتعلقت بهذا التخصص منذ كنت طالبا في البكالوريوس.
ــ : بعد غياب لاكثر من اربعة عشر عاما، ما الذي جعلك تعود للاردن ؟
- كنت من افضل الناس في امريكا من ناحية العمل والعلم، واساتذتي ارادوا ان ابقى، ولكني عدت لسببين، الاول : من اجل الحفاظ على الاولاد وهو الاهم في الحياة، ولم اكن قادرا على ان اربيهم على الطريقة الصحيحة ونحن في أميركا، ثم ادركت انه يجب ان احدد موقفي، اما ان ابقى عربيا او اصبح امريكيا، نص نص ما بنفع فقلت لزوجتي اما ان تقرري ان نبقى هنا ولا تفكري بالاردن، او نسافر الاسبوع القادم .. وهو ما حصل ، ووجدنا انه افضل لمستقبل اولادنا العودة الى الوطن بالرغم من الفرق الكبير في الامور المادية.
ــ : ألا تعتقد بأنك قدمت تضحية كبيرة على حساب المال؟
-الانسان بشكل عام ينحو الى الاستقرار، والذي يعني الامن، وهو الذي تحدث عنه سبحانه وتعالى في القرآن، في عدة سور منها سورة قريش (اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) وفي اية اخرى (وضرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنة فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) ، وعليه فالاستقرار او الامن هو شقان، المالي والنفسي، حيث يكمل احدهما الى الاخر.
ــ : هل تعتقد انك حققت هذا الاستقرار، وهل هو بالفعل متوفر للمواطن العادي؟
-نعم .. تحقق ذلك في الوقت الذي عدت به للوطن، لكن حاليا غير موجود، حتى الموسرين لا يتمتعون بالاستقرار النفسي في الوقت الحاضر، لان سلوكيات المجتمع الأردني تغيرت كثيرا نحو الأسوأ ، وانا مع الحديث النبوي الشريف الذي يقول بما معناه ان من الكبائر ان يصبح الانسان لا يستحي من العيب، فلم تعد السرقة او شهادة الزور.. الخ، هي العيب بل ان يصل الحد ان الانسان يجاهر بها ولا يستحي منها .
ــ : متى بدأت تلمس التغير على سلوكيات المجتمع الاردني؟
- عندما عدت في اواسط السبعينات كانت التغييرات في مجملها ايجابية، الا ان السنوات القليلة الماضية هي التي حملت التراجع في منظومة القيم الجيدة التي درج عليها الأردنيون لسنين، ويبدو واضحا ان حروب الخليج ــ اي مطلع التسعينيات ــ وما تبعها هي التي كان لها الاثر السلبي الاجتماعي اضافة الى الاثار السلبية السياسية والاقتصادية، وهذه التغييرات اعطت دفعة لخلق البيئة المناسبة للفساد الذي استشرى كثيرا لعدم الجدية في محاربته ومحاربة رأسه، اضف الى ذلك غياب الحريات والمساءلة للضرب على ايدي الفاسدين والمفسدين.
ــ : هل ندمت على قرار عودتك من أمريكا؟
- أصاب بالندم لثوان ، ثم اقول انا وزوجتي حققنا الهدف من العودة للوطن بأننا ربينا اولادنا على القيم العربية والاسلامية، وان عملنا على تدريسهم في الجامعات البريطانية والامريكية، وكانت سياستي واضحة بخصوص دراسة اولادي بما فيهم ابنتي، وهي ان يكملوا درجة البكالوريوس في الاردن ثم يتخصصوا ويكملوا تحصيلهم العالي في الخارج.
ــ : كيف تقيم اداء وزارة الصحة؟
- وزارة الصحة هي نتاج للواقع الاردني، لماذا هي ستشذ عن كل القطاعات، قال لي احد طلابي الذي اصبح وزيرا للصحة قبل عدة سنوات، ان لا شيئ تغير في الوزارة وشبهها بسيارة مفتاحها بيد رئيس الوزراء يعطيه لمن استقر رأيه على أن يسلمه وزارة الصحة دون ان يسأله ان لدية رخصة قيادة ام لا، اي انه لا يوجد اية سياسات معروفة يمكن اتباعها بالصحة بغض النظر عن شخصية الوزير، والاشكالية الاكبر انه لا يوجد اية استراتيجية واضحة في اي قطاع في الاردن.
ــ : اذن أين تكمن المشكلة ؟
- منذ عشرين عاما وانا اقول ان المشكلة ليست بالشاورما والتسمم بها، او في تلوث المياه، هذه مشاكل ثانوية، انما المشكلة الكبيرة هي في الامراض المزمنة، اذ ننفق سنويا (6,1) مليار على تلك الامراض، ولكن اذا تسمم ثلاثة اشخاص في الاردن ممكن يروح وزير الصحة، لكن يوميا يموت اكثر من 50 اردنيا من مرض السكري، ولا احد يهتم او يقول شيء، والامراض المزمنة القاتلة هي السكري والضغط والسمنة والاكتئاب لدى النساء، وكلها مميتة وتهدم العائلة.
هناك ارقام ودراسات موثقة تؤشر حجم المشكلة، 30% من الاردنيين من فوق سن الخامسة والعشرين يعانون من السكري، 37% لنفس الفئة العمرية يعانون من التوتر الشرياني، 50% يعانون من الدهنيات.
ــ : هل يوجد حل بسيط يساعد المواطنين على تفادي مثل تلك الامراض؟
- طبعا .. الرياضة وخصوصا المشي، لكن الاشكالية انه لا تتوافر الاماكن التي تلبي احتياجات الناس لممارسة المشي، للذكور بشكل عام والاناث بشكل خاص، عدا عن عدم توفر الارصفة واطاريف الطرق والشوارع لكثرة الاعتداءات عليها من قبل المواطنين اما بالبسطات او الاشجار، ودون ان يقوم احد بالمحاسبة او ازالة تلك الاعتداءات، اضافة لعدم وجود حدائق عامة محلية صغيرة يمكن الافادة منها لعدد من الاحياء السكنية المتقاربة، وبالتالي لايمكن ممارسة رياضة المشي الامر الذي يؤثر سلبا على صحة الغالبية العظمى من الناس، واضطرارنا انفاق مئات الملايين على العلاجات دون طائل.
كنت قد كتبت الكثير من المقترحات بهذا الخصوص لم تجد اي صدى بالتنفيذ، مثل منع مشي السيارات في الاحياء السكنية مساء كل يوم لمدة ساعتين او ثلاث لاتاحة المجال للناس للخروج للمشي دون ان يتعرضوا للضرر، في السعودية يوجد شارع الحوامل، والعديد من الاسئلة التي نسألها دون ان تجد اذانا من قبل الحكومات، مثل لماذا يباع بمدارسنا الطعام القذر،مثل الشيكولاته والشيبس والعصير والماء الملوثين؟، كتبت لكل رؤساء الحكومات وكذلك لوزيرالتعليم العالي دون اية فائدة تذكر.
ــ : هل احدثت تغييرات اثناء وجودك على رأس وزارة الصحة؟
- عندما كنت وزيرا للصحة بين عامي (1984ــ 1985) لم يكن هناك مثل هذه المشاكل، علما انا بقيت اربعة عشر شهرا في الوزارة وهذه فترة طويلة نسبيا في الاردن، اذا ما اخذنا بالاعتبار معدل عمر وزير الصحة الذي لا يتجاوز ستة اشهر.
ــ : هل هناك انجازات تحتسب لك في الصحة؟
- نعم ، اولا: انا عممت التعليم التمريضي، ثانيا: خلقت تجربة المراكز الصحية المكتملة وضرورة ان يبيت الطبيب في مركزه، حيث تجاوز عددهم لاكثر من 300 مركز صحي في مختلف مناطق المملكة، ثالثا: اول من اصلح مستشفيات وزارة الصحة.
ــ : حاليا، ماذا تقرأ ؟
-لدي اكثر من الفي كتاب في مكتبتي لايوجد بها ولا كتاب طب ، اما حاليا اقرأ عن المسيحية الصهيونية، ولي كتابان سياسيان بهذا السياق ، الاول بعنوان قبول الآخر في اليهودية حقيقة ام سراب والثاني الجنس في اليهودية والمسيحية والاسلام، في كتابي الاول ابين ان اليهودي لا يعترف بأنسانيتنا لذلك انا لا اؤمن بالصلح مع اليهود.
ــ : ماهي الكتب التي تستهويك اكثر من غيرها ؟
-احب كتب التاريخ والتراث العربي والاسلامي، اضافة الى الشعر بشكل عام والشعر الجاهلي بشكل خاص، وكنت احفظ الكثير منه، وكذلك احفظ الكثير من المعلقات، وطبعا احفظ من كتاب الله الكثير واحب الاستشهاد به.
ــ : هل لديك هوايات رياضية ؟
- نعم ، احب الرياضة ومتابعتها بشكل عام، وكنت العب كرة القدم اثناء دراستي الجامعية، ومازلت اتابع المباريات، لكن حاليا مكتف برياضة المشي، يوميا امشي بحدود خمسة كيلومترات.
ــ : ما هي موسيقاك المفضلة ؟
-انا مزاجي وانتقائي في سماع الموسيقى، بالنسبة للشرقية احب بعض قصائد عبد الوهاب وام كلثوم خاصة رباعيات الخيام ، وفيروز، اما الكلاسيكية فيعجبني موزارت.
ــ : هل تزوجت برغبتك ام برغبة الاهل؟
- انا الذي اخترتها ، انا صريحي وزوجتي من طبريا، هناك صلات قديمة بين اهلي واهلها، وتزوجتها اثناء وجودي في المانيا، مع العلم ان اغلب زملائي تزوجوا من الاجنبيات، وكانوا محقين في ذلك الوقت لوجود الفارق الحضاري، اما في وقتنا الحاضر فلا يجب ان يتزوج الشباب من الاجنبيات لكون شاباتنا متعلمات ومثقفات، حيث انتفى ذلك الفارق.
ــ : والاولاد ؟
- صخر وليث وهيثم وهبة، كلهم متزوجون ما عدا هيثم ، ولي ستة احفاد.