اثارت الندوة التي عقدها مركز الرأي للدراسات ونشرتها الرأي «في حلقتها الاولى» يوم الاثنين 7 آب 2006 باعداد وتقديم من الزميلين الدكتور خالد الشقران وهادي الشوبكي لواعج فكرية كثيرة، نكتفي منها -في مقالة اليوم- باربع نقاط، او باربع شذرات نوردها على النحو التالي: اولا: ما لم نحرر مفهوم الديمقراطية ودائرة المفاهيم المصاحبة له من الضبابية والالتباس والغموض فاننا سنظل في حالة كئيبة من «التواطؤ المعرفي» الذي يقوم على «تواطؤ اخلاقي» مرفوض اساسا. اننا نتوافق على كلام لم نتحر معانيه الدقيقة او دلالاته، ونتداول مفاهيم لم نتبين بعد «ما صدقاتها» ونستمر على الرغم من ذلك، في حوارنا وكأن شيئا لم يكن، وهذه واحدة. ثانيا: ما من منطلق نخلص منه بالضرورة الى ان الديمقراطية «وعلى اي وجه فهمناها» معادل موضوعي للاصلاح. ان في العالم ديمقراطيات كثيرة، الفساد اساسها، والفساد قوامها، والفساد مناخها، والفساد مآلها الاخير. ثم ان ديمقراطية لم تتوقف «راغمة» عن التمييز العرقي والفصل العنصري الا بعد منتصف القرن العشرين، وديمقراطية ترى الى الآخرين بصفة كونهم عجماوات لا بشرا، وديمقراطية تقوم على نهب الامم والشعوب. وديمقراطية يحكمها الربا والبغاء واحتكارات السلاح.. ان مثل هذه الديمقراطية لا تستفتى في «الاصلاح» كيف يكون، ولا يجوز ان تنصب رقيبا حسيبا على الامم. ان الفساد لا يثمر اصلاحا، وهيهات له ذلك بحال من الاحوال. ثالثا: السلطة في الغرب وقف على بنية رأسمالية راسخة، تتغير وجوهها واقنعتها فيما يسمى «بتداول السلطة» ولكن حقيقتها لا تتغير، ومحاورها الرئيسة -في الثقافة والسياسة والاقتصاد- لا تتغير كذلك، وما نراه في ظاهر الامر تداولا للسلطة لا يعدو ان يكون تغييرا للقبعات او الطواقي، وهي لعبة يتقنها الغربيون وتتواءم مع نزعات شعورية بعيدة الجذور لديهم، فهم مغرمون بالتغيير وبالموضات والصرعات، مع ركون الى ثبات القوى المتنفذة التي تحكم واقعهم، والفرق واضح بيننا نحن العرب المسلمين وبينهم، فنحن لا نملك الان بنيتنا السياسية الاقتصادية الثقافية على الرغم من توافر عناصرها في ديننا الحنيف ونحن لا نميل الى التغييرات المتسارعة ما مضت اوضاعنا على نهج سليم مستقيم، وفي المحصلة فان آلية «تداول السلطة» قد لا تكون هي الآلية المناسبة لما قد نسميه «ديمقراطيتنا العربية» او لتمثلنا الخاص للديمقراطية -اذا كان ثمة ديمقراطية مجردة من سياقاتها- او لما شئتم من عناوين نرفعها على حق شعوبنا المؤكد في تقرير مصايرها، وفي اختيار الوان المشاركات التي تبتدعها انطلاقا من خصوصيتها الثقافية والحضارية. رابعا: لم يكن للبيعة والشورى، او للعهد «العقد» الملزم بين الحكام والمحكومين حضور في حياة العرب والمسلمين الا مدة قصيرة لا تكاد تذكر في تاريخهم المتطاول، ومنذ غياب احكام الامامة وشروطها عن العمران العربي ومصاير شعوبه رهن برغبات افراد معدودين استغرقتهم اهواؤهم ومصالحهم، وتراخى الزمن على ما خلفوه من فساد، وصار لا بد من استنهاض الامة على اساس عقدي متين لاعادة المناخ الذي يتم فيه تعاقد الحاكم والمحكوم في ضوء تعاليم الاسلام وتجربته التاريخية الطويلة. تلك اربع شذرات اثارتها ندوة «مستقبل الديمقراطية في الوطن العربي» وهي همهمات بين يدي حديث طويل نرجو ان نتمكن من الخوض فيه من قريب.