د.محمد سعيدي - تسعى هذه المقالة إلى وضع بعض المعالم المنهجية والمعرفية، لقراءة نص قصيدة بالأخضر كفناه . وهي لا تدعي القراءة الكاملة والشاملة والنهائية لهذا النص الغني برموزه وبقيمه اللغوية والأدبية والجمالية والأيديولوجية والتاريخية. فالنص، وهو حداثي مقاوم ، يقف شامخا في مواجهة نصوص الحداثة العدمية ، يحتاج إلى أكثر من قراءة وإلى أكثر من مقاربة منهجية...
؟ القارىء والنص
-كيف يختار القارئ نصه؟
- لماذا يختار نصا بعينه دون غيره؟
- ما هي مقاييس الاختيار؟
ظلت هذه الأسئلة تضغط دوما وأبدا على القراء والنقاد، فكل واحد يريد أن يصنع لها ولنفسه جوابا، يتماشى ورؤيته للنص أولا، ولمفهوم القراءة ثانيا، وللوظيفة النقدية في علاقتها مع المبدع والنص ثالثا. بهذا الصدد تذكر تجربة الناقدة يمنى العيد، إذ تقول: قد يكون الاختيار دعوة يحملها النص للناقد، دعوة تعبر عن غنى النص، وعن قدرته في أن يفسح مجالا لنشاط الناقد الفكري، بما هو نشاط يحاول أن يكون منتجا في ميدانه. الاختيار بهذا المعنى، خطوة أولى يدخل الناقد فيها في علاقة ثراء داخلي مع النص، فالناقد أحيانا ليس هو الذي يرى النص، بل إن النص أحيانا يرى إلى الناقد فيدعوه .
قد تكون علاقة كاتب هذه السطور مع نص بالأخضر كفناه ، تحمل شيئا قليلا أو كثيرا مما قالته العيد، لكن في هذه الحالة، ومع هذا النص بالذات، يجد الناقد نفسه في وضعية خاصة، ومع تجربة معرفية ونفسية تختلف عن التجارب السابقة المتواضعة التي خاضها في رحاب النصوص الأدبية العربية العامة، والنصوص الفلسطينية خصوصا.
يعود تاريخ اتصالي بنص بالأخضر كفناه إلى العام 1988. كنت وقتئذ أدرس مع المناصرة في دائرة الثقافة الشعبية بجامعة تلمسان. وقد كلفتني الإدارة بالإشراف على النشاط الثقافي، وتنظيم ندوات، ولقاءات علمية، ومحاضرات، وأمسيات شعرية، وتشاء الصدف أن يكون هو أول الفاتحين لهذا النشاط، وأول ضيوفي، وكنا نكن للمناصرة المودة والتقدير، كما كنا وما نزال معجبين إعجابا كبيرا بشاعريته... اليوم وقد مر على اللقاء نحو عقدين، ما أزال أذكر فصوله وفواصله، كأنه حدث بالأمس القريب... أتذكر جيدا تلك الأمسية الشعرية التي أطرب فيها الشاعر الحضور: أساتذة وطلبة، بأروع القصائد، ومنها رائعته الشعرية بالأخضر كفناه .
أذكر جيدا، أنني وقتها ومن دون أن أشعر، طلبت منه - وأنا جالس بجانبه على المنصة - أن يعيد قراءة هذا النص مرة أولى، ثم ثانية... وقد لبى هذا الطلب بكل تواضع شعري وشاعري... ومنذ تلك الأمسية، ظل هذا النص حاضرا معي، أحفظه وأردد أبياته التي سكنتني... تعلقت به، وأحببته لجمالية لغته، ولموسيقى إيقاعيته، ولقدرته على توظيف موضوع مقدس. منذ ذلك التاريخ، كنت في كل مرة أحاول دراسته، أجد نفسي ضعيفا مشلولا، وكأن حبي له منعني من مشاكسته ومعاكسته ومساءلته. الآن أسائله لأنني أحسست أنه يخبئ أسرارا وأشياء كبيرة وكثيرة، لم يبح بها، وراء تلك اللغة الجميلة، ووراء ذلك الإيقاع الموسيقي، هناك أسرار يحملها بين طياته، وفي داخله، لهذا لا بد من مساءلته حولها.
؟ الملفوظ الشعري
هذه المقالة مقدمة مفتاحية تسعى إلى البحث وتأسيس معالم منهجية، قد تساعدنا وتؤهلنا مستقبلا لقراءة هذا النص قراءة جديدة متجددة وفق أطر نصية شاعرية. وأول خطوة منهجية بدت لنا ضرورية، هي تقطيع النص إلى حلقات شعرية، ليتسنى وصف بعض معالمه الشكلية والدلالية الجزئية أو الشاملة.
يتكون النص من 73 وحدة شعرية صغرى، يمكن إعادة توزيعها وفق التقطيع الدلالي التالي:
- الحلقة الأولى: تستبدئ من: بالأخضر كفناه ، وتنتهي عند بالأسود كفناه (عدد وحداتها الشعرية 16 وحدة).
- الحلقة الثانية: تسبتدئ من كان خليليا من صيدون ، وتنتهي عند البدوية تنتظر حبيبا سيزور الشام (عدد وحداتها الشعرية 11 وحدة).
- الحلقة الثالثة: تستبدئ من كيف رحلت ولم تقرأ موتك ، وتنتهي عند بالأحمر كفناه (عدد وحداتها الشعرية 24 وحدة).
- الحلقة الرابعة: تستبدئ من يتركنا ويودعنا ويقبلنا بين العينين ، وتنتهي عند بأسانا الطويل (عدد وحداتها الشعرية 22 وحدة).
ما يمكن الإشارة إليه من القراءة الأولى للملفوظ الشعري، أن النص يتحرك بقوة، يغلي غليان البركان، كأنه يحمل في داخله بعضا من متفجراته... يريد أن ينطلق، أن يحلق... فهو يبحث عن الموت... ويتحدى الموت... يبحث عن الموت ليحيا، ليعيش، ليعلن ميلاد الحياة الحرة الشريفة الكريمة. يريد النص أن يقول كل شيء دفعة واحدة، وبلغة واحدة، ومن موقف واحد، ثابت وأصيل... يكرر اللغة، يكررها ويكررها، يكرر الصرخة، لأن الآلام باقية، تكبر يوما بعد يوم. يكبر الجرح يتكرر... يتكرر الموت... يستمر... الموقف ثابت، الصرخة قوية... تتجلى الصرخات عبر الوحدات الشعرية الثابتة، التي شكلت البؤرة الدلالية والرمزية لرسالة الذات (الشاعرية المناصرية):
ولا يمكن إغفال الدور والقيمة الشعرية والشاعرية لظاهرة التكرار من حيث الطرح الإيقاعي والموسيقى في بناء نص القصيدة الشعرية... غير أن التكرار في النص الشعري المناصري ، بالإضافة إلى أنه لم يخرج عن الإطار العام من حيث البناء الإيقاعي الموسيقى الجمالي، فإنه يتميز بخصوصية أيديوشعرية (أيديولوجية وشعرية) ثابتة من حيث البعد الدلالي والرمزي. ومن ثم، فالقارئ للنصوص المناصرية مطالب بالبحث عن وظيفة التكرار في مستوى آخر، مستوى يتعدى الطرح الموسيقى الجمالي الشكلي... فالتكرار هو إعلان عن استمرارية الجروح والآلام... فهي تتكرر... كما أن التكرار إعلان صارخ وقوي للثبوت وللثبات، موقف الذات الشاعرية من أجل التصدي للجروح والآلام وفضح الظلم والطغيان والاستبداد... تتكرر الكلمة نفسها، وتتكرر العبارة نفسها، ويتكرر المقطع نفسه للتعبير عن المواقف الثابتة، التي لم تتغير ولن تتغير ما دامت رغبة الذات الشاعرية لم تتحقق: الحرية والاستقلال.
تتكرر الوحدات الشعرية بصورة عجيبة وصارمة، تتكرر معها المواقف الأيديوشعرية ... تتوالد، تتكاثر، توحي إلى بعضها بعضا من حيث التكامل والتواصل والاستمرارية المقاومة. فالذات الشعرية لا تخفى نيتها الأيديولوجية ولا موقفها الثوري... فالتكرار الشعري هو أولا و قبل كل شيء إعلان عن هوية الفعل الثوري الدائم والمستمر...
الحلقة الأولى
منذ البداية يموقع النص نفسه ضمن فضاء طقوس جنائزي:
بالأخضر كفناه
بالأحمر كفناه
بالأبيض كفناه
بالأسود كفناه
بالمثلث والمستطيل
بأسانا الطويل .
تأسست الفاعلية الشعرية من حيث الطرح الدلالي والشكلي من التفاعل الوظيفي للعناصر التالية: الفاعل (نحن)، الفعل (كفن)، الموضوع (الميت).
غير أن النص لا يريد الوقوف عند حدود المعنى السطحي للموت، وبالتالي لا يخفي تموقعه الأيديولوجي والتاريخي... فهو يسعى من أجل أن يسافر بالمتلقي إلى زمن آخر غير زمن النص، وإلى مكان آخر غير المكان التيبوغرافي للنص، ومع موضوع آخر غير الموضوع المعلن عنه في النص...
نختصر المسافة اللغوية والدلالية والرمزية، لنكشف عن الرغبة الفاعلية الأيديولوجية، التي تأسس على وقعها وإيقاعها الخطاب الشعري، والذي تتجلى دلائليته من الحوار التفاعلي للعناصر الظاهرة والباطنية في النص.
لعل ما فعل المشهد الاستشهادي في الزمن الفلسطيني والمكان الفلسطيني، هي تلك العبقرية الشعرية والشاعرية في توظيف واستثمار الألوان الوطنية، التي تشكل منها العالم الفلسطيني؛ الكفن الرسمي للشهيد الفلسطيني. لقد اتخذت والتحمت الألوان الأربعة من أجل التعبير عن هوية الانتماء من حيث الطرح السياسي والجغرافي عن هوية للفعل النضالي التحرري الثوري:
الأخضر: لون الآمال والحياة.
الأحمر: لون الحرب والثورة والحرية.
الأبيض: لون الصفاء والبراءة والطهارة.
الأسود: لون الحزن والآلام والجروح.
شكلت المنظومة الفكرية الثورية الفلسطينية عالمها من خلال تفاعل هذه الألوان، وما تشيعه من دلالات من حيث البعد التاريخي، والثقافي، والنفسي، والاجتماعي، والأيديولوجي... كما طعمت هذا العلم بأشكال من وحي المخيلة الفلسطينية في علاقتها مع تاريخها الحضاري والطقوسي العريق والعتيق (المثلث والمستطيل).
الحلقة الثانية
يقدم لنا النص قراءة جغرافية لشساعة هوية انتماء القضية الفلسطينية، فالشهيد الفلسطيني سواء أكان ذاتا عضوية، أو ذاتا رمزية، فإن حضوره ثابت في المخيال البشري والجغرافي العربي:
كان خليليا من صيدون
حمصيا من حبرون
بصريا من عمان
وصعيديا من بغداد،
جليليا من حوران
كان رباطيا من وهران .
هذه الجولة عبر عدد من مناطق العالم العربي، ليست جولة سياحية ترفيهية رومانسية شاعرية... لقد قصدتها الذات الشاعرية، وعملت على ذكرها متصلة بعضها ببعض، ومتحدة اتحادا عضويا حول المركز: الشهيد الفلسطيني، وذلك من أجل إبراز عدد من المحطات الدلالية والرمزية ذات البعد التاريخي والأيديولوجي.
المحطة الأولى: إعلان عن الانتماء العربي للشعب الفلسطيني انتماء عضويا، فالشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الكيان العربي.
المحطة الثانية: يعد الشهيد الفلسطيني رمزا أزليا للمقاومة العربية، فالشعب العربي يعيش وضعية شبيهة بتلك التي يعيشها الشعب الفلسطيني، كما أن حياة الإنسان العربي، قد لا تختلف في بعض أوجهها عن حياة الإنسان الفلسطيني في معاناته وفي جروحه.
المحطة الثالثة: قد تكون إعلانا صريحا وواقعيا عن حقيقة انتماء بعض شهداء فلسطين إلى بعض الأقطار العربية، والذين التحقوا بإخوانهم وحملوا السلاح من أجل تحرير القدس... لأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب...
المحطة الرابعة: قد تكون صرخة قوية وعنيفة من أجل إزالة الحدود المصطنعة بين الأقطار العربية، حيث جزأت الوطن العربي الكبير إلى كيانات صغرى ضعيفة ومتطاحنة ومتناطحة بعضها لبعض. الأمر الذي أفقد الكيان العربي قوته وإحساسه بقوة انتمائه الحضاري والقومي، يتحول كل قطر عدوا للقطر الآخر، فاقدا معنى العروبة والإحساس العربي بالجرح الفلسطيني. قد يكون الشهيد الفلسطيني مادة مقدسة وخصبة لتوحيد الإحساس والشعور العربي... كما قد تكون المقاومة الفلسطينية فرصة تاريخية لاسترجاع الأقطار العربية وحدة كيانها الواحد الموحد.
الحلقة الثالثة
التحمت وحدتها الشعرية الصغرى حول الحقول الدلالية التالية:
المنفى: في المدن الفضية
شعراء الورد الميتافيزيقي انتحروا
شعراء العشب انتشروا في الأرض
القمع: قالوا لي اخرس، فخرست
قالوا انطق، فنطقت
قالوا لي ثالثة، لم أسمع،
إني أتبع أحبابي حين يكونون
الضياع: لا الريح تحاسبنا، لا الرمل الأصفر
لا الموج ينادينا،
إن خفق النوم بأعيننا
لا الريح تحاسبنا إن أخطأنا
لا الساقية الناعبة، ولا النهر .
تداخلت الوحدات الشعرية وتكاملت من أجل رسم المشهد الدرامي المأساوي للذات الشاعرية الفلسطينية ويومياتها التي تأسست تحت إيقاع ووقع المنفى والقمع والمعاناة والضياع والموت
الحلقة الرابعة
تسعى الذات الشاعرية إلى رسم المسار البطولي للشهيد الفلسطيني الذي يسافر نحو الموت دون خوف أو تردد... يتركنا ويودعنا ويقبلنا بين العينين... يسافر الشهيد الفلسطيني حاملا معه شهادة استشهاده، لأن القضية أكبر من أن يبقى حيا، فالقضية قضية وطن... لقد قرر رغم أنه يدرك تمام الإدراك أن الموت ينتظره في كل لحظة وفي كل مكان... فالقرار ثابت لا رجعة فيه مهما كان الثمن.
بين النار وبين النار يموت
بين الطلقة والطلقة
بين الهمسة والحرف يموت
أثناء صياح الديك يموت
بعد طلوع الفجر يموت .
يسافر الشهيد الفلسطيني في الموت ونحو الموت ومن أجل الموت، يبحث عن الموت، يتصدى للموت ويتحدى الموت، لأن الموت هنا، يعادل الحياة الحرة، ولأن في الموت تتشكل الحياة ومن الموت تولد الحياة الكريمة، والشريفة. لم يعد الموت يخيف الشهيد أو يرعبه... فبالموت وفي الموت يعلن الشهيد عن ميلاد الحياة... حياة الإنسان وحياة الوطن... وكأن الذات الشاعرية قد عرفت وأدركت مسبقا غموض خطابها وفلسفتها إزاء الموت والحياة في الزمن الفلسطيني... أعلنت مسبقا أن لا أحد يقدر مطلبها حق التقدير، ولا أحد يفهم خطابها حق الفهم غير الزيتون: لن يفهمني أحد غير الزيتون . لا يمكن الاعتقاد أن توظيف الزيتون توظيف رومانسي جمالي. إن لحضور الزيتون في المخيال المعرفي والتاريخي الفلسطيني أكثر من دلالة. فبين فلسطين والزيتون علاقة عضوية قوية، سواء من حيث الطرح الطبيعي، أو من حيث الطرح التاريخي الحضاري والسياسي. وحتى يتسنى لنا معرفة البعد الرمزي لهذه العلاقة، نحاول استقراء بعض المحطات الثقافية والحضارية والدينية التي كان فيها للزيتون حضور.
ففي الثقافة اليونانية القديمة كان الزيتون رمزا للسلم والثروة والمال، أما في الثقافة اللاتينية القديمة، فقد كان رمزا للحكمة وللتواضع الأخلاقي. وفي الثقافة الإسلامية، تعددت التأويلات وتنوعت دلائلية رمز الزيتون، فمنهم من قدس الشجرة، ومنهم من وضعها مرادفا للإنسان، ومنهم من وضعها رمزا للأصالة، ومنهم من وضعها مرادفا للحياة. ومهما يكن من أمر، فلقد اقترن رمز الزيتون بأرض فلسطين وبالقضية الفلسطينية، وذلك راجع إلى عاملين:.
- العامل الفلاحي الطبيعي: تتميز أرض فلسطين بكثرة إنتاجها لشجرة الزيتون.
- العامل السياسي الأيديولوجي: وظفت المنظومة الفكرية الثورية الفلسطينية (الزيتون) شعارا للأصالة التاريخية وعمق الانتماء الحضاري، كما وظفته للدلالة على حب الشعب الفلسطيني للسلم وللحكمة وحبه للحياة الريفية والأصيلة. فحين أعلنت الذات الشاعرية وبتحد كبير بأن لا يفهمها غير الزيتون، أي لا يفهم ثورتها ومقاومتها غير الإنسان الحكيم والداعي للسلم، ومن جهة أخرى، اقترن خطابها بالزيتون واتحدت معه اتحادا عضويا، فألهمها عددا من المحطات، والتي تشكل منها وفيها برنامجها الفاعلي:
لن يفهمني أحد غير الزيتون
شجر كضفائر أمي يحميني
من مطر الأيام الصعبة
وجذوري غارقة في الحمأ المسنون
كان شجاعا صلبا كالزيتون .
؟ النظام الفاعلي الشعري
كشفت لنا القراءة الأولى للملفوظ الشعري أن النص هو نص قضية، يريد أن يقول شيئا، فهو محمل بخطاب، تكفلت به الذات الشاعرية وفق برنامج أيديولوجي وشعري خطط له عبر عدد من المحطات التاريخية والسياسية والاجتماعية: حتى نتمكن من إبراز الآليات الفاعلية لبرنامج الذات الشاعرة والرغبة، التي تأسس من أجلها هذا البرنامج، استعرنا الرسم الفاعلي، كما حددها السيمائيون في مقاربتهم للنصوص السردية، وحاولنا استنطاق البنية الدلالية العميقة لنص بالأخضر كفناه ، حين يتشكل الرسم كما يلي:.
المرسل - موضوع الرغبة - المرسل إليه.
الفاعل المساعد - فاعل الذات - الفاعل المعاكس.
فاعل الذات - موضوع الرغبة.
- إعادة هيكلة النص وفق الرسم الفاعلي:.
(المرسل) الوضعية السياسية والاجتماعية للشعب الفلسطيني - فاعل الموضوع (الصرخة) - (المرسل إليه) الشعب الفلسطيني من أجل حياة حرة وشريفة.
(الفاعل) المساعد الثورة، الشهيد، الانتماء العربي - فاعل الذات الشاعرية - (الفاعل المعاكس) الضياع- الموت القمع- الآلام، المعاناة، الاستعمار.
فاعل الذات الشاعرية - فاعل الموضوع (الصرخة).
1- دائرة المرسل: تشكلت هذه الدائرة من المظاهر الاجتماعية والسياسية والنفسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، تحت بطش وظلم العدو الصهيوني. يعيش هذا الشعب وضعية مأساوية خطيرة يدفن شهداءه كل يوم، ينزف دمه من دون انقطاع، يعيش أبناؤه تحت وقع المنفى والقمع والمعاناة والضياع.
2- دائرة فاعل الذات: تمثل هذه الدائرة الأرض الخصبة من حيث الطرح الفاعلي للبطل... صاحب الرغبة وصاحب البرنامج الفاعلي... إن بطل هذا الفعل هو الشاعر عز الدين المناصرة الذي تحركت ذاته الشاعرية والشعرية، لبعث وإرسال صرخته وصيحته قوية وفضح مكالب الاستعمار الذي لا يرحم حيث زرع الموت وفعل فعل الكفن... شكلت دائرة المرسل قوة ضاغطة على الذات الشاعرية... فالوضعية المزرية التي يعيشها الشعب الفلسطيني أثرت في الذات الشاعرية، ودفعت بها إلى تأسيس برنامج شعري وشاعري من أجل إبراز مآسي الشعب وفضح أساليب الاستعمار.
3- فاعل الموضوع: صنعت الذات الشاعرية موضوعها، وفق الوضعية المزرية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، والتي شكلت مادة خصبة للمرسل وقوة ضاغطة على فاعل الذات. تشكلت رغبة فاعل الذات من عدد من المعطيات السياسية والاجتماعية، التي يمكن توحيدها في البؤرة الدلالية والرمزية: (الصرخة):.
- تصرخ الذات الشاعرية آلاما على الوضعية الصعبة التي تمر بها الذات الفلسطينية.
- تصرخ الذات الشاعرية قوية متحمسة من أجل تفعيل الحدث الثوري.
- تصرخ الذات الشاعرية من أجل إيقاظ الوعي العربي، ودعوته للمقاومة، ومساندة الشهيد الفلسطيني.
- تصرخ الذات الشاعرية من أجل إخراج القضية الفلسطينية من الدائرة الجغرافية الضيقة والسفر بها بعيدا في محطات جغرافية أخرى، عبر أمواج الشعر والشاعرية العالمية الملتزمة بقضايا التحرر.
4- الفاعل المساعد: عرفت الذات الشاعرية، كيف تصنع عناصرها المساعدة، والتي يمكن استثمارها استثمارا إيجابيا في بناء الحدث والفعل... لقد شكل الوضع المزري والتعس، مادة خصبة اعتمدتها الذات الشاعرية من أجل فضح قسوة الاستعمار. فكان الشهيد وكانت الثورة عناصر أساسية اعتمدت عليها من أجل تبليغ وإبلاغ رسالتها...
5- الفاعل المعاكس: تصدت الذات الشاعرية لعدد من العراقيل، حالت دون تحقيق الرغبة الشعبية المتمثلة في الحرية والحياة الشريفة. لقد ارتبط النص منذ ولادته الأولى بالقضية الوطنية وبمعاناة الشعب الفلسطيني، وضغط العدو الصهيوني، وتقتيله للفلسطينيين... هذه المعطيات وغيرها، كانت مادة خصبة لتفعيل الذات الشاعرية، ودفعها إلى الصراخ علنية بكل وعي ومسؤولية.
وكان المحور هادئا وبسيطا، لقد تأسس وولد في جو عنيف وصاخب، وفي جو معاكس ومشاكس في خضم الإفرازات الاستعمارية، التي سلطها العدو على الذات الفلسطينية كالقمع، والنفي، والمعاناة والموت.
6- الفاعل المرسل إليه: سخرت الذات الشاعرية، كل طاقاتاها اللغوية والفنية والشعرية والأيديولوجية، خدمة للقضية الوطنية وخدمة للشعب الفلسطيني الثائر والمقاوم... لقد اتحدت كل العناصر المادية والمعنوية في المخيال الشعري للذات الشاعرية من أجل فضح تكالب الاستعمار وإبراز معاناة الشعب الفلسطيني، وذلك من أجل إنارة الوعي القومي والإنساني بالقضية الفلسطينية والتدعيم المعنوي للمقاومة... حتى يتحقق النصر، وتتغير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والنفسية والثقافية والجغرافية والاقتصادية للإنسان الفلسطيني... تسعى الذات الشاعرية التي تحتل دور فاعل الذات من خلال علاقتها الإتصالية مع فاعل الموضوع - تسعى إلى تحقيق التحولات وانتقال الشعب الفلسطيني من حالة إلى حالة أخرى.
@@@
لا ندعي لهذه القراءة الكمال والشمولية، فهي مقدمة تساؤلية، أردنا من خلالها اقتحام الفضاء الداخلي لنص القصيدة... يبقى هذا النص مفتوحا ومرشحا لقراءات عديدة ومتنوعة... غير أن ما يمكن الإشارة إليه، أنه نص مميز من حيث البنية الشكلية، والدلالية حيث تعانقت عبر محطاته الشعرية، قضايا لغوية وأدبية وسياسية وتاريخية وأسطورية.
@ ناقد وأكاديمي من الجزائر