امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة«التوجيهي»: كيف نلغيه ونبقيه؟

امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة«التوجيهي»: كيف نلغيه ونبقيه؟

حسني عايش - يعرف معاليكم - كما تعرف كل أسرة أردنية ذات علاقة - معضلة هذا الامتحان، وحالة الطوارئ التي تخيم على البلاد كل عام إبان الاستعداد له ثم إبان تقديمه، والقلق الذي تعيشه عشرات ألوف الأسر والفتيان والفتيات بانتظار نتائجه، بعدما صار للعلامة أو لكسر منها أثر في تقرير المصير.لقد تحول هذا الامتحان إلى بعبع يدعو كثيرون - وأنا منهم - إلى إلغائه.
كان المسؤولون يرتعبون من الفكرة، وبخاصة في الفترة السابقة لإنشاء الجامعات في الأردن، حين كانت أنظمة القبول في الجامعات العربية تتحكم في متطلبات الامتحان كما ونوعا. أما اليوم وقد حقق الأردن الاكتفاء الجامعي الذاتي فإنه يستطيع أن ينظر وأن يجرب وأن ينوع وأن يبتكر، وأن يكون قدوة إذا قبل النظام المقترح وتمأسس.
لقد شاركت إبان عملية التطوير التربوي في أواخر القرن الماضي في اللجان التي شكلت لتطوير الامتحان، كما ألفت كتابا في عيوبه وآثاره السلبية بعنوان: ''امتحان عام أم استغفال للرأي العام؟'' (مرفق) بينت فيه البديل. واقترحت في أكثر من مقال ومناسبة حلولا لجعله أكثر صدقا وأقل ألما وإيلاما.
غير أنه على الرغم من ذلك كله، ظلت وزارة التربية والتعليم متمسكة بما وجدت سدنة الامتحان الأولين فيها أنفسهم عليه، غير قادرة على الخروج من الصندوق او الشرنقة إلى الفضاء والطيران والتحليق. وهكذا صار الامتحان أشبه بالايدولوجيا. ولكن أزمته صارت تكبر سنة بعد أخرى، وشكاوى الناس منه تشتد، وانتحار القلقين أو الخاسرين بازدياد. لقد أدى ذلك إلى تمرد الطلبة المقدمين له وذويهم... والتحايل عليه بشتى أشكال الفساد والغش. وقد ساعدهم التطور التكنولوجي على التوسع فيهما.
وعليه فإنني أقدم لمعاليكم ما أعتقد أنه حل مرحلي وإلى أجل غير مسمى ينتهي بإلغائه ، ما أعتقد أنه يرضي جميع الأطراف ويخدم جميع الأغراض أمنا ومصداقية ونوعية: إلغاء وصف نتائج الامتحان بالنجاح والفشل، وإعطاء المتقدم إليه كشفا بالعلامات التي حصل عليها فيه وبعلامة النجاح العليا والدنيا في كل مادة، تاركين لطالبي الكشف قراءته وفهمه والتعامل معه كما يريدون.
خفض عدد المواد التي يتقدم بها الطالب أو الطالبة للامتحان إلى النصف أو أقل أو أكثر قليلا، أي حسب متطلبات التخصص الجامعي الذي يرغب الطالب او الطالبة فيه، وبحيث يكون تقدم المزيد منها اختياريا (أو متطلبا جامعيا) وحسب ما هو معمول به في كثير من البلدان المتقدمة، وعلى أن تكون اللغة العربية واللغة الانجليزية أو الأجنبية الجامع المشترك بين جميع المتقدمين والمتقدمات للامتحان والتخصصات الجامعية.
لعل ربط مواد الامتحان نوعا وعددا بطبيعة التخصص الجامعي كفيل بتحسين التعلم ورفع سويته، وبالتالي سوية الخريجين في الجامعة. لماذا يطلب من طالب او طالبة متفوقين في الرياضيات النجاح في الجغرافيا أو في التاريخ ليقبلا في تخصص الرياضيات في الجامعة؟ ولماذا يطلب من طالب أو طالبة بارعين في آداب اللغة النجاح في الفيزياء ليقبلا في تخصص اللغة وهكذا؟ لقد درسا بقية المواد لمدة أحد عشر سنة حصلا خلالها على الثقافة العامة فيها. إن ذلك يكفي ويزيد. إن مدة الدراسة في كثير من البلاد المتقدمة أقل من 12 سنة ، ومدة البكالوريوس أقل من أربع سنوات ، فلماذا نضيع تلك السنين على الطلبة والأمة؟ وفي هذه الحالة يصبح للجامعات والأساتذة في كل تخصص دور كبير في توجيه التعليم العام وتطويره، وفي ترقية التعليم الجامعي بإعلان كل تخصص فيها المواد اللازمة للقبول فيه، وبعلامة النجاح الدنيا اللازمة. كما تحصل الجامعات على أفضل الطلبة في كل تخصص، وينتهي إلى غير رجعة توزيع الطلبة بصورة إجبارية وتعسفية على التخصصات التي لا تمت إلى رغباتهم أو قدراتهم بصلة. فعندئذ يجد الطالب أو الطالبة أنه يتابع حلمه ويعبر عن ذكائه بإتاحة الفرصة له لاختيار طريقه، ويتراجع الطلب على الامتحانات الأجنبية. ويقيني أن النظام إذا تحقق سيريح البلاد والعباد من القلق والتوتر وسيجعل الحياة الجامعية أفضل بالمعاني المختلفة للكلمة.
وعندما لا تستطيع وزارة التربية والتعليم توفير تعليم بعض المواد المطلوبة للقبول في تخصص ما كالفلسفة والمنطق، أو الرسم والموسيقى... تسمح للمدارس الخاصة أو المراكز الثقافية بتوفيرها. أي أنها تترك للطلبة الراغبين في دراسة الفلسفة والفنون... تقديم الامتحان في متطلباتها أينما وكيفما أعدوا أنفسهم لها.
تحديد تواريخ ثابتة مرة أو مرتين للامتحان كل عام وبحيث يتاح لأي كان تقديمه، فالامتحان يجب ما قبله. لقد ظل الامتحان العام يعبر عن الماضي. أما الامتحان الجديد فسيعبر عن المستقبل لأن شروط القبول في التخصصات الجامعية ستتشكل ملامحه وربما محتواه أيضا.
إلغاء التشعيب من المدرسة الثانوية وقصر عمل وزارة التربية والتعليم على وظيفتها الأساسية وهي التعليم العام وتوفير فرص متكافئة ومتماثلة للطلبة في جميع أنحاء البلاد. وهذا يتطلب التخلص من التعليم المهني غير اللازم لأن معظمه أكاديمي وقليله عقيم. وأقترح نقله إلى مؤسسة التدريب المهني.
ولمزيد من التطوير اللازم لجعل الحياة المدرسية ذكرى غنية لا تنسى يمكن عمل قائمة طويلة بالأنشطة التي يمكن للطالب أو الطالبة اختيار واحد منها على الأقل لمزاولته في المدرسة أو خارجها أو في كليهما، وبحيث يتم التأكد من قيامه به واتقانه له في نهاية العام ، ويرد ذكره في كشف العلامات دون علامة.
يتيح الترتيب الجديد للمدارس والطلبة التوسع في الأنشطة المدرسية داخل المدرسة وخارجها وهو مطلب تربوي عالي القيمة يجعل الحياة المدرسية أكثر جاذبية وفعالية.
يتطلب النظام الجديد إدارة تربوية مختلفة وبارعة ولذلك أتوقع معارضة الادارات له وإفشاله لتبقى في المربع الأول أو في الصندوق الذي نشأت فيه، وإن كان هذا النظام يسحب من بقية الأطراف وبخاصة الطلبة والأسرة والمجتمع معظم أسباب الشكوى ويقضي على حالة الطوارئ أو الإرهاب السنوية، ويشكل مدخلا ومبررا قويا لإلغاء الاستثناءات والقوائم... الذي يعني وجودها الالتفاف على نتائج الامتحان أي عدم الإيمان بها أو عدم الاعتراف بمصداقيتها. وكما ترى -معاليكم - فإننا بهذا النظام أو الترتيب نبقي الامتحان للمطالبين بإبقائه، ونلغيه للمطالبين بإلغائه. المطلوب تفكير جديد جريء خارج المربع الأول أو الصندوق وهو المتوقع من معاليكم. إن المرحلة مهيئة له والبلاد او المجتمع بحاجة ماسة إليه.
نص رسالة الاستاذ حسني عايش الى وزير التربية والتعليم لاخراج الناس من مأزق الثانوية العامة (التوجيهي).
وفي تعقيبه: ما معنى ذلك؟.
شرح الأستاذ حسني عايش وجهة نظره فقال:
معناه أن كل طالب أو طالبة سيعتز بكشف علاماته لتفوقه في موضوع ما أو أكثر، لأنها لا تدينه بالحكم العام عليه بالفشل فكشف العلامات يبين علامته بالمادة الواحدة والعلامة الدنيا والعليا لها تاركة للأطراف الأخرى المتعاملة معها تقييمه والحكم عليه.وقد يفتح له الكشف الباب للقبول في عمل او في آخر بناء عليه. ومعناه تراجع اللجوء الى الدروس الخصوصية بعد تحرير الطلبة والأسرة من الحمل الثقيل غير اللازم المتمثل في ارتفاع عدد مواد الامتحان. ومعناه تفوق الطالب أو الطالبة فيما يرغب فيه ويثابر عليه وبروزه فيه في التعليم العالي لأنه يتم حسب الرغبة والقدرة، ومعناه حصول الجامعات او التخصصات فيها على أفضل الطلبة. ومعناه تخريج طلبة أقوياء جدا في تخصصاتهم، ومعناه ارتفاع مستوى التعليم عندما يصبحون معلمين، لأن جزءا كبيرا من ضعف التلاميذ في المدارس ناجم عن ضعف المعلمين والمعلمات في المواد التي يعلمون. ومعناه تراجع التوتر وحالة الطواريء السنوية في البيت والمجتمع والدولة نتيجة تراجع الضغوط الضخمة عليهم بسبب خطورة الامتحان ونتائجه المصيرية. وبتكريس كل طالب وطالبة نفسه للمواد التي يرغب في متابعة دراسته فيها، فإن الغش سيتراجع. ومعناه تراجع عدد المطرودين بسببه من قاعات الامتحان. ومعناه تسهيل مهمة لجنة القبول لجعله بالاختيار لا بالاكراه، وكذلك عدم الحاجة الى القوائم، وبالتالي تراجع الضغوط الاجتماعية السنوية على المراجع العليا لتدبير ابنائهم وبناتهم.
لكن ادارة الامتحان قد تصبح صعبة وبحاجة الى مزيد من الفذلكة من مثل اتقان توزيع الطلبة والأسئلة وإصدار النتائج حسب اختيار الطلبة وهي مشكلة الوزارة لا مشكلة الطلبة ويجب ان لا تحاول التخلص من أعبائها بالعودة الى النظام التقليدي لأنه يسهل عمل الوزارة (لا عمل الطلبة).
يلزم عقد الامتحان أكثر من مرة في العام للإكمال في المواد التي قصر فيها الطالب او الطالبة أو التي يرغب برفع معدله فيها، أو في مواد قد تكون مطلوبة لتخصصات او لجامعات في بلاد عربية او اجنبية أي غير مطلوبة للجامعات الأردنية ولكنها مطلوبة للجامعات المصرية او السورية... ولا تدرس في المدارس. أي أنه مثلما تنشر وزارة التعليم العالي أسماء الجامعات المعترف بها تنشر وزارة التربية والتعليم في المدارس أسماء المواد المطلوبة في الامتحان للقبول - مثلا - لدارسة الطب في مصر أو سورية وهكذا.
وأخيرا فقد يؤدي الحل المقترح (لمعضلة) التوجيهي الى تراجع الإقبال على الثانويات العامة الاجنبية التي أخذت تنتشر في المدارس الخاصة على حساب الثانوية العامة والثقافة العامة الأردنية.
أما أحد أهم فقرات هذا الاقتراح وأكثرها تحديا وإبداعا فوضع خانة للنشاط الذي مارسه الطالب أو الطالبة وأتقنه من بين الأنشطة المقررة التي يستطيع الطالب او الطالبة أن يختار منها، في كشف العلامات وليس في الشهادة المدرسية.
بهذه الإضافة تصحح الوزارة سلوك المدارس والطلبة وتكسبهم مهارات حياتية لازمة بغض النظر عن المكان الذي اكتسبوها فيه. وسوف يلجأ الطلبة مبكرا لممارسة النشاط او النشاطين أو أكثر. ويشترط على مدعيه الخضوع لاختبار سريع فيه في نهاية المرحلة الثانوية أو في أثنائها على يد لجنة مختصة للتأكد من صدق اكتسابه لها. وسوف يجعل اكتساب الطالب او الطالبة لهذه المهارات أهمية خاصة عند الطرف الآخر الذي يشغله او يعلمه عدا عن فائدتها الشخصية له. وسوف يكون لدينا منجم من الأنشطة التي تتطور كما ونوعا حسب الحاجة.
أما إلغاء التشعيب في هذه المرحلة فضروري لأنها مرحلة تعليم عام يجب ان يتوفرا فيها تكافؤ الفرص للجميع لتخريج مواطنين ملتزمين بالواجب ومدافعين عن الحق. كما أن إلغاء التشعيب يريح الوزارة فنيا وإداريا من أعباء التشعيب غير اللازم وغير المفيد بعد تغطية متطلباته بالاختيار. ويجب نقل التعليم المهني الذي يتم في بضعة مدارس تابعة لوزارة التربية والتعليم الى مؤسسة التدريب المهني باعتبارها مظلة هذا التعليم والمعنية به. ويخلف على الوزارة إذا نجحت في التركيز على التعليم العام وأفلحت فيه. تلكم هي مهمتها.
المطلوب منا جميعا تأمل المشروع او الحل المقترح بعقول وعيون وقلوب مفتوحة. المطلوب الخروج من الصندوق الذي وضعنا التوجيهي فيه ووضعنا هو نحن فيه.