تنفيذ الاحكام القضائية

تنفيذ الاحكام القضائية

مهما تكلمنا عن الاستقلال القضائي، فإن اكثر القضاة استقلالا، لن يكون له اثر فعال في حال كانت الادارات الحكومية التي تأمرها المحاكم باتخاذ اجراءات معينة ترفض القيام بذلك، او اذا لم يدفع الناس تعويضا عن الاضرار التي تأمرهم المحاكم بدفعها، فالمجتمع المنظم وآليات فرض التنفيذ والانصياع الى اوامر المحاكم عناصر اساسية في نظام يكون فيه الاستقلال القضائي فعالا والانسان مطمئنا على امواله وعرضه وحياته.

وقد حددت القوانين الاردنية آلية تنفيذ الاحكام، فعندما يصدر القاضي حكما على فرد، تكون سلطات التنفيذ المختلفة مخولة لتنفيذ الحكام الذي اصدره القاضي، ومن المحتمل ان يواجه الشخص الذي يرفض تنفيذ الحكم طوعا تنفيذه جبرا عنه بواسطة الاليات التي حددها القانون.

وفي حال تخلف اي مسؤول عن الامتثال لأمر المحاكم، فإنه سيواجه حكم القانون بجريمة الامتناع عن تنفيذ طلب قانوني صادر من السلطة القضائية، ويكون عرضة للعقوبات المحددة في القانون، لذلك فالمخاطرة بعدم تنفيذ اوامر المحكمة التنفيذية منها او التبليغات او غيرها من الاوراق القضائية، مخاطرة صعبة يعاقب عليها القانون.

والامتثال لأمر المحكمة، اشد قوة من الضمانات التي توفرها مؤسسات الدولة، وهو من الاسباب التي تدعو لاحترام قرارات المحاكم، لانه الثقافة الواجب سيادتها في المجتمع لان مصلحة المجتمع اللجوء الى جهة قضائية تأخذ له الحق ممن تعدى عليه، بدلا من اللجوء الى اخذ الحق بالذات، دون احترام للمجتمع ومؤسساته الدستورية.

فالمجتمع المنظم هو المجتمع الذي يمتثل فيه الناس لقرارات المحاكم طوعا، لكونها مسألة واجبة التنفيذ، والذي يعتبر فيه عدم الامتثال لأمر المحكمة سلوكا غير مقبول، لأن خضوع الناس لاحكام القضاء هو تطبيق والتزام بالدستور الذي ارتضوه والذي حدد سلطات الدولة.

وعليه فإن تحقيق العدالة يشكل دعامة للحكم الصالح، وان تحقيق العدالة بشكل مألوف في القضايا الجزائية والمدنية يساهم اكثر من اي شأن في طبع عقول الناس على المودة والتقدير والاحترام تجاه الدولة بشكل عام.

وان الخير الذي يستطيع القضاء النزيه ان يجلبه في مجال تحقيق العدالة والاستقرار، لا يمكن ان يتحقق الا اذا كانت احكام القضاة وفقا للقانون بالفعل، وكان كل المحيطين بهم مقتنعين بأنهم يصدرون الاحكام استنادا الى القانون وليس استنادا لاهوائهم الشخصية او امتثالا لارادات شخصيات قوية في المجتمع، وعليه فإن استقلال القضاء يوفر للمجتمع ويضع ويطور الضمانات المؤسساتية التي تسمح للقضاة بأداء هذا الدور الاجتماعي والاقتصادي المهم.

وعليه فإن هيبة اي دولة هي في هيبة واحترام قضائها وصفته الاعتبارية التي تعبر عن حضارة وثقافة المجتمع.

والقضاء المستقل واحترام قراراته شيء اساسي لعملية الاصلاح في اي بلد كان، اذ لا ديمقراطية بدون قضاء مستقل ونزيه، ليس هذا فحسب بل لا عدالة نزيهة بلا قضاء مستقل، وبغياب العدالة النزيهة لن يكون هناك استثمار ولا تنمية اقتصادية.