مفهوم الصدق .. وأنواع الكذب

تاريخ النشر : الأحد 12:00 8-2-2009

إبراهيم كشت - ليس بالضرورة أن يكون كل من يكذب مدركاً بأنه يمارس الكذب، فقد تنطلي الكذبة على شخص الكاذب ذاته فيُصّدقها قبل أن يطرحها على الآخرين، بينما قد يتلقاها الآخرون بالتكذيب أو بالشك في حقيقتها أو بالتصديق ..! كما أن المرء قد يكذب دون أن يعرف أن حديثه (أو فعله) يقع في نطاق الكذب . ومن هنا تأتي أهمية معرفة مفهوم الصدق، ومعرفة أنواع الكذب واطلاع النشء عليها، لكي يحرصوا على عدم السقوط في ممارسة أي من صنوف الكذب وهم لا يشعرون، ولكي يحسنوا أيضاً التفريق بين الصادق والكاذب فيما يسمعـون أو يقرأون من كلام، بل والتفريق بين الصادق والكاذب من الأفعال ومختلف السلوكات كذلك .
يُعبِّر الصدق بمفهومه الواسع عن تحري الحقيقة، وعدم الإيحاء بما يخالفها، سواء في التعامل مع الذات أو مع الآخرين من خلال القول والفعل والموقف . وبناء على ذلك، يمكننا تصنيف الكذب إلى أقسام متعددة، ويندرج تحت كل منها أنواع أخرى . وأعتقد أنه يمكن بشكل أساسي أن نميّز ثلاثة أقسام رئيسة من الكذب، أولها كذب المرء على نفسه، وثانيها كذبه بالأقوال على الآخرين، وثالثها كذبه من خلال الأفعال، وربما يجدر أن نذكر هنا أن ثمة كلمة عربية واحدة تُعبّر عن مطابقة القول والفعل للواقع والحقيقة، وهي كلمة (الصِّدق)، بينما تجد للكذب مترادفات متعددة في اللغة، مثل : الافتراء، الإفك، البهتان، الخرص، الخرط (والخرط كلمة تستخدم في اللغة العامية، ولكنها فصيحة أصلاً في دلالتها على الكذب)، فكأن في تعدد أسماء الكذب والألفاظ الدّالة عليه في اللغة، ما يشير إلى تعدد أشكال الكذب وتنوع ضروبه .
وبخصوص القسم الأول، وهو كذب الشخص على ذاته، فلا شك أنه أكثر أنواع الكذب انتشاراً لأنه يمارس في كل لحظة ومن قبل معظم الناس حيال أنفسهم . كما أنه أكثر أنواع الكذب استعصاء على الاكتشاف، فحين يكذب المرء على نفسه فإنه يتخذ صفة الكاذب، والمكذوب عليه، وصفة من صدَّق الكذبة، في آن واحد . كما أن هذا النوع من الكذب يتسم فيه من يتلقى الكذبة بأنه يرغب في تصديقها، ويُغمض عينيه عن كل ما يمكن أن يكشف عدم صدقها ! ويمارس الإنسان الكذب على ذاتـه تلبيةً لحاجات نفسية يغلب أن تكون لاشعورية، وأهمها أن المرء يكذب على نفسه ليمنح ذاته القيمة والاعتبار اللذين لا يطيق الحياة بدونهما، ويكذب على نفسه ليبرر أفعاله التي تتناقض مع أحكام المحرَّمات وفقاً لضميره أو معتقداته الدينية أو الاجتماعية، ويكذب ليواجه أثر الإحباط والصراع في نفسه، ويكذب ليبرر فشله وتقاعسه، وليقلل من شأن نجاح الآخرين وتفوقهم، ولكي لا يشعر أنه في منزلة أدنى منهم .
أما الكذب في الأقوال والأحاديث، فأشكاله جمّةٌ، بعضها واضح مفضوح، وبعضها الآخر خفيّ مُستتر، ولعل أول أنواع كذب الحديث وأكثرها جلاء هو اختلاق خبرٍ أو معلومة أو حكاية أو شائعة أو وشاية لا أساس لها مطلقاً، وربما كانت أكثر الألفاظ العربية تعبيراً عن هذا النوع من الكذب هي (الإفتراء) لأن الافتراء يفيد معنى خلق الكذبة . واكتشاف مثل هذه الأكاذيب يكون أقل صعوبة عادة، مهما كانت الرواية الكاذبة محبوكة النسج . أما النوع الثاني من الكذب في الأقوال فيتمثل في المبالغة، حيث تكون الواقعة التي يرويها الشخص صحيحة من حيث أصلها، إلا أن المتحدث يضيف إليها ويعدّل فيها ويغيّر بعض معالمها وتفاصيلها، ويغلب أن يعتمد في أسلوبه التهويل وإضافة المؤثرات وأنواع التشويق، التي تجعل من حديثه قصة تستحق أن تروى، وتستحق أن يستمع لها المتلقّون بشغف واهتمام .
ومع أن كذب المبالغة والتهويل هذا يكون في بعض الأحيان بغرض الإضرار بالآخرين وتشويه صورهم، أو يكون بغرض الدفاع عن النفس وتبرير الخطأ، لكنه يمارس من قبل الكاذب في أكثر الأحيان بهدف تصوير نفسه عظيماً أو ناجحاً أو خيّراً أو قوياً، أو تصوير نفسه بصورة يُحبها المجتمع ويرتضيها، كأن يصور نفسه غنياً، أو صاحب جاه ونفوذ، أو ذا علاقة متينة بأصحاب المناصب والمسؤولين .. ويُفسَّرُ هكذا كذب في علم النفس عادة بأنه عملية لاشعورية يحاول المرء من خلالها أن يَستُرَ واقعه وحقيقته، ويعوّض عن مُركّب النقص الذي يعانيه، سعياً نحو حفظ كبريائه أمام الآخرين . أي أن هذا الكذب في حقيقته نمط من الاضطراب في الشخصية وفقدان الثقة بالذات .
ومن أنواع كذب الحديث الأخرى، ذلك الكذب الذي يتم عن طريق ذكر جزء من الحقيقة وإغفال جزء آخر، فإخفاء بعض الحقيقة شكل من أشكال الكذب، لأن من شأنه أن يوحـي بصورة مخالفـة للواقع والحقيقة الكاملة . وربما يدخل في هذا النوع من الكذب ما نسميه بـِ (الانتقائية)، وأكثر من يستخدم هذا الأسلوب وسائل الإعلام على اختلافها، وذلك حين تنتقي أجزاء من الحدث أو الخبر فتذيعها وتنشرها وتصورها وتنقلها، وتغفل متعمدةً عن أجزاء أخرى فلا تشير إليها، بل قد تنتقي من خطاب مسؤول أو من تقرير أو مقال أو دراسة أو إحصائية جزءاً، وتغضُّ النظر عن جزء آخر، كل ذلك بما يواتي توجهات وسيلة الإعلام ويصب فيما يخدم أهدافها . وهذا النمط من الكذب فيه كثير من الدهاء والتضليل، ويحتاج اكتشافه عادة إلى الذكاء ودقة الملاحظة .
ومما يمكن أن يندرج تحت أنواع كذب الحديث كذلك، ذلك الكذب الذي يقوم على استخدام الأرقام بشكل مُضلل يعكس صورة تخالف الحقيقة، وهو نمط خبيث من الكذب أيضاً، لأن الأصل في الأرقام أنها تُعبّر عن الوقائع بإيجاز وصدق ودقة . لكن ثمة وسائل متعددة تلجأ إلى استخدام النسب العادية والمئوية، أو استخدام المقارنات، أو الطرق الإحصائية، أو إغفال رقم وإظهار آخر، وغير ذلك مما يمكن من خلاله أن نعطي للرقم الصحيح دلالةً خاطئة أو إيحاءً كاذباً، قد لا يكتشفه المرء بسهولة .
ومن أنواع كذب الحديث كذلك الخرافات وما يندرج تحتها من أنواع الشعوذة والتنبؤات والقصص الخيالية، ويتسم هذا النوع من الكذب بأنه مصدّقٌ غالباً ممن يتناقلونه ويتحدثون به ويستمعون إليه . كما يغلُب أن يكون متناقلاً بين الأجيال المتعاقبة، ويحاط بكثير من القيود التي تمنع تكذيبه، مع أنه مجافٍ للحقيقة ولا يستقيم مع المنطق .
وأحسب أن مما يدخل في أنواع كذب الحديث كذلك، ذلك الحديث الناتج عن الوهم والتوهّم الذي يعيشه صاحبه ويصدِّقهُ، فالمصابون بما يسمى (البارانويا) مثلاً قد يتوهّمون بأنهم مضطهدون ومراقبون، وأنهم هدف لإيذاء الناس، ويتوهمون بأنهم عظماء ذوو تأثير في الأحداث، وبأن موقعهم يجب أن يكون في المقدمة، وبأن حقهم في ذلك قد هُضِم . وكل ما يصدر عنهم من حديث في هذا المجال كاذب، لكن كذبهم لا يصدر عن سوء نيّة، فهم يعتقدون بما يقولون ! ولعلّ ما يشبه وَهْمَ هؤلاء، ذلك الوهم الذي يعيشه بعض الناس حين يفسّرون كل حدثٍ صغير أو كبير بأنه مؤامرة، فيخترعون قصصاً وتفسيرات وتصورات لا أصل لها لتبرير اعتقادهم ووهمهم .
وربما بقي من أنواع كذب الحديث، ذلك الكذب الذي يتمثل في إخلاف الوعد، حيث أن عدم الوفاء بالوعد نمط مهم ومؤثر من الكذب، فأنت حين تطلق وعداً لأي شخص فإن وعدك هذا يتعلق غالباً بثلاثة عناصر : أولها عنصر القيام بعمل أو إنجـاز شيء، وثانيها عنصر الوقت، حيث أنك تضيف هذا العمل أو الإنجاز لوقت معين سيتم خلاله، أما العنصر الثالث فهو ذلك الشخص أو الجهة التي قطعتَ لها الوعد . وحين لا تفي بوعدك فإن ذلك يشير إلى عدم احترامك للعناصر الثلاثة، أي للوقت والعمل (أو المهنة) وللشخص أو الجهة التي تلقت الوعد . إضافة لما يترتب على إخلاف الوعد من مشاكل عملية وإدارية واجتماعية، وتأثير سلبي في الثقة، وإهدار للوقت وربما المال في بعض الأحيان .
وعودة إلى أقسام الكذب الثلاثة الرئيسة، فقد ذكرنا منها الكذب على الذات والكذب على الآخرين بالحديث، وبقي الكذب على الآخرين بالأفعال، وخلاصة القول فيه أنه كذب أساسه إيحاء الشخص من خلال أفعاله بما ليس فيه، أو ايحاؤه بغير واقعه، أنه تظاهر وتكلّف وتصنّع وتخلُّق وإدعاء وتزييف، ومحاولة مستمرة من قبل الشخص لأن يوحي من خلال أفعاله ومواقفه وتعبيراته وملامحه ومظهره بغير حقيقته . كمن يتظاهرون بالغنى ويتفاخرون بالاستهلاك مثلاً، بينما يكون الدين قد أحاط بمالهم، أو يدّعون الكرم من خلال ولائمهم، بينما لا يؤدون الحقوق لأصحابها، أو يبخلون بمالهم على الأهل والأقربين . ويدخل في هذا النوع من الكذب كذلك فعل المنافقين، الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، ويبدون الودَّ لمن يكنون له البغضاء، ويتملقون ويداهنون، سعياً لمنفعة، أو خوفاً من ضرر أو فوات مصلحة .
[email protected]

.alrai-related-topic { width: 100%; } .alrai-related-topic .wrapper-row { gap: 27px; flex-wrap: nowrap } .alrai-related-topic .item-row { padding-right: 1px; width: 280px; } .alrai-related-topic .item-row .item-info { padding: 15px 15px 28px 16px; border: 1px solid rgba(211, 211, 211, 1); height: 118px; } .alrai-related-topic .item-row .item-info a { color: #000; color: color(display-p3 0 0 0); text-align: right; font-family: Almarai; font-size: 15px; font-style: normal; font-weight: 800; line-height: 25px; text-decoration: none; -webkit-line-clamp: 3; -webkit-box-orient: vertical; display: -webkit-box; overflow: hidden; } @media screen and (max-width:768px) { .alrai-related-topic .wrapper-row { flex-wrap: wrap } .container .row .col-md-9:has(.alrai-related-topic) { width: 100%; } .alrai-related-topic { margin-top: 10px; } .alrai-related-topic .item-row { width: 100%; } }
.alrai-culture-art-widget{border-right:1px solid #d9d9d9;padding-right:11px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1 a{color:color(display-p3 0 .6157 .8745);text-align:right;font-family:Almarai;font-size:24px;font-style:normal;font-weight:800;line-height:39px;text-decoration:none;padding-bottom:5px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1{margin-bottom:26px}.alrai-culture-art-widget .title-widget-1::after{content:"";position:absolute;left:0;right:0;bottom:0;background:linear-gradient(90deg,rgba(0,85,121,.05) 0,#009ddf 100%);z-index:1;height:3px;width:100%}.alrai-culture-art-widget .img-row{width:100%}.alrai-culture-art-widget .img-ratio{padding-bottom:58%}.alrai-culture-art-widget .item-info{padding:23px 0}.alrai-culture-art-widget .item-info a{color:#000;color:color(display-p3 0 0 0);text-align:right;text-decoration:none}.alrai-culture-art-widget .item-row:not(:first-child)>a{display:none}.alrai-culture-art-widget .item-row a{color:#000;color:color(display-p3 0 0 0);text-align:right;text-decoration:none;-webkit-line-clamp:3;-webkit-box-orient:vertical;display:-webkit-box;overflow:hidden}.alrai-culture-art-widget .item-row:not(:last-child){border-bottom:1px solid #d9d9d9}@media screen and (min-width:1200px){#widget_1703 .alrai-culture-art-widget{border-right:0px;padding-right:0}}
.alrai-epaper-widget{margin-top: 20px; max-width:250px}
Tweets by alrai
.alrai-facebook-embed{margin-top: 70px;}
#widget_2097 .alrai-section-last-widget {padding-top:35px;margin-top:0;} .alrai-section-last-widget .row-element .item-row .img-ratio{ display:flex; } /* Horizontal scroll container */ .alrai-section-last-widget .full-col { overflow-x: auto; overflow-y: hidden; -webkit-overflow-scrolling: touch; width: 100%; } /* Flex container - critical changes */ .alrai-section-last-widget .content-wrapper { display: flex; flex-direction: row; flex-wrap: nowrap; /* Prevent wrapping to new line */ align-items: stretch; width: max-content; /* Allow container to expand */ min-width: 100%; } /* Flex items */ .alrai-section-last-widget .item-row { flex: 0 0 auto; width: 200px; /* Fixed width or use min-width */ margin-right: 7px; display: flex; /* Maintain your flex structure */ flex-direction: column; } /* Text handling */ .alrai-section-last-widget .article-title { white-space: nowrap; /* Prevent text wrapping */ overflow: hidden; text-overflow: ellipsis; display: block; } /* Multi-line text truncation */ .alrai-section-last-widget .item-row .item-info a { display: -webkit-box; -webkit-line-clamp: 3; -webkit-box-orient: vertical; overflow: hidden; white-space: normal; /* Allows line breaks for truncation */ } /* Hide scrollbar */ .alrai-section-last-widget .full-col::-webkit-scrollbar { display: none; } @media screen and (min-width:1200px){ .alrai-section-last-widget::after { transform: translateX(0); } } @media screen and (max-width: 768px) { .alrai-section-last-widget .row-element .content-wrapper { flex-direction: row !important; } .alrai-section-last-widget::after{ transform: translateX(100%); right:0; left:0; } }
.death-statistics-marquee .article-title a,.death-statistics-marquee .title-widget-2 a{text-align:right;font-family:Almarai;font-style:normal;font-weight:700;line-height:25px;text-decoration:none}.death-statistics-marquee .breaking-news-wrapper{width:100%;display:flex}.death-statistics-marquee .breaking-news{background-color:#7c0000;padding:22px 17px 24px 18px;color:#fff;text-align:right;font-family:Almarai;font-size:22px;font-weight:700;line-height:25px}.death-statistics-marquee .breaking-news-content{background-color:#b90000;padding:22px 18px 24px 21px;color:#fff;text-align:right;font-family:Almarai;font-size:22px;font-weight:700;line-height:25px;width:100%;position:relative}.full-container .marquee-container-widget:not(.relative-widget) .wrapper-row{position:fixed;width:100%;right:0;bottom:0;z-index:100000}.death-statistics-marquee .marquee-container-widget .title-widget-2{width:75px;background-color:#757575;color:#fff;height:60px;display:flex;align-items:center;justify-content:center}.death-statistics-marquee .title-widget-2 a{color:#fff;color:color(display-p3 1 1 1);font-size:15px;padding:16px 18px 16px 15px;display:block}.death-statistics-marquee .content-row:not(.content-row-full){width:calc(100% - 100px);background-color:#000}.death-statistics-marquee .content-row marquee{direction:ltr}.death-statistics-marquee .content-row .img-item{display:inline-flex;height:60px;align-items:center;vertical-align:top}.death-statistics-marquee .content-row .article-title{height:60px;display:inline-flex;align-items:center;color:#fff;padding:0 15px;direction:rtl}.death-statistics-marquee .article-title a{color:#fff;color:color(display-p3 1 1 1);font-size:17px}.death-statistics-marquee .title-widget-2{width:100px}#widget_1932{position:static;bottom:0;width:100%;z-index:1}