(أم المهن).. عزوف ذكوري وإقبال أنثوي

(أم المهن).. عزوف ذكوري وإقبال أنثوي

محمد الزيود - التعليم.. تلك المهنة التي ينظر إليها بإكبار واحترام على مرّ العصور، كيف لا وهي المهنة التي تتولى التعامل مع عقل الإنسان، وهو أشرف ما فيه.
أصبحت ''أم المهن'' تعاني الكثير من المعوقات التي يواجهها المعلمون مما انعكس على أدائهم وحبهم لهذه المهنة النبيلة.
وما نقص قدر التعليم إلا بعدما صار ينظر إليه على أنه وظيفة كأي وظيفة عادية روتينية، وصار ينظر إلى المعلم بعدد ما يمكثه من ساعات بين جدران المدرسة، فصارت مهنة التعليم من المهن المستنكف عنها عند الشباب، كما أصبح الاستنكاف عن مهنة المعلم ملحوظاً في ديوان الخدمة المدنية، فحسب إحصائية الديوان لعام (2008) تبين أن عدد المرشحين للتعيين كمعلمين من ذكور وإناث (7742) مرشحاً في حين بلغ عدد المستنكفين (2215) مرشحاً؛ (1687) من الذكور وبلغ عدد الإناث المستنكفات (528).
وفي ذات السياق قال أمين عام وزارة التربية والتعليم الدكتور منذر عصفور ''يوجد عزوف عند الذكور عن مهنة المعلم بالمقابل يوجد وفرة في الإناث وإقبالهنّ كبير على مهنة المعلم''.
وأضاف أن عزوف الذكور ملحوظ من خلال عدم إقبالهم على دراسة التخصصات التعليمية في الجامعات ويصل عدد هذه التخصصات (12) تخصصاً ومنها الرياضيات ومعلم مجال رياضيات والعلوم والفيزياء والكيمياء وعلوم الأرض والتربية والإرشاد والإحصاء وغيرها من التخصصات، حتى أنه لا يوجد ذكور يدرسون دبلوم الرياضيات.
وأشار د.عصفور إلى أن هناك إقبالاً كبيراً من قبل الفتيات على مهنة المعلم، ويقبلنّ بالوظيفة حتى لو كانت خارج المحافظة التي يعشنّ بها.
وبين أن الوزارة قامت بعدد من الإجراءات التي من شأنها ''تشجيع الذكور على الدخول إلى هذه المهنة النبيلة، فعملت على توفير علاوة التجيير (وهي علاوة تمنح لمن يقوم بالتدريس خارج منطقة سكنه) وتقسم إلى ثلاث فئات؛ الأولى: تمنح الوزارة علاوة قيمتها (50) ديناراً إذا تم تعيين المعلم ضمن المحافظة ولكن خارج اللواء الذي يعيش فيه، والثانية تمنح (100) دينار لمن جاء تعيينه ضمن الإقليم ولكن خارج محافظته، والفئة الثالثة تمنح (150) ديناراً لمن جاء تعيينه خارج الإقليم الذي يعيش فيه.
وأضاف أن الوزارة رفعت علاوة الحصة الصفية الإضافية والتي يعطيها المعلم فوق نصابه القانوني من الحصص خصوصاً في المرحلة الثانوية (5,3-5) دنانير، كما عملت الوزارة على وضع نظام الرتب للمعلمين لمنحهم علاوات حسب الرتبة، إلا أن جميع هذه الإجراءات لم تقلل نسبة العزوف عند الذكور.
وعن دور القوانين والأنظمة وزيادة حالات ضرب المعلمين في المدارس في عزوف الذكور عن مهنة المعلم قال د.عصفور ''توجد أنظمة وقوانين تنظم العلاقة بين المعلم والطالب وأولياء الأمور تحمي المعلم والطالب، وحالات الضرب حالات فردية وهي ليست ظاهرة في مدارسنا، وعلى كل معلم معرفة كيفية التعامل مع الطلاب''.
فراس البطاينة، هجر مهنة المعلم وذهب لوظيفة أخرى، ''لأن القوانين الحالية في وزارة التربية والتعليم قللت من هيبة المعلم واحترام الطلاب له''، حسب رأيه.
وأضاف ''لعب المستوى المادي دوراً كبيراً في عزوف الكثير من الشباب عن هذه المهنة العظيمة، فالرواتب لا تسد الحاجة فهي لا تزيد على الـ(230) ديناراً لأغلب المعلمين، مما أنعكس على الراحة النفسية لديهم، وبالتالي انعكس على الأداء داخل الغرفة الصفية''.
وأشار البطاينة إلى أن النظرة الاجتماعية للمعلم تغيرت كثيراً، حتى ''إن بعض الأهالي يحرضون أبناءهم على المعلمين والتطاول عليهم مهما كان قصد المعلم سواء التعليم أو تقويم السلوك لبعض الطلاب المسيئين''.
وبيّن أن من أسباب العزوف التي جعلت الشباب يرفضون المهنة، ''طرق التعيين التي تتبع والتي تعيِّن الخريج الجديد خارج محافظته''.
وتمنى البطاينة أن تعود الهيبة للمعلم وأن يتم إعادة النظر برواتب المعلمين، حتى لا تبقى هذه المهنة طاردة للكفاءات، وبالتالي تراجع مخرجات التعليم في المدارس.
وشدد منصور قديسات على ضرورة وجود دورات لتأهيل المعلمين على كيفية التعامل مع الطلاب داخل المدرسة وأثناء الحصة الصفية، لأن هناك بعض المعلمين لا يجيدون التعامل الصحيح مع الطلبة ومراعاة الفروق الفردية فيما بينهم من الناحيتين التعليمية أو الأخلاقية.
وأضاف أن راتب المعلم لا يكفي لتغطية تكاليف معيشته خلال الشهر، فـ''كيف -يتساءل قديسات- نطلب منه تقديم الأفضل وتفكيره مشغول بتحسين ظروفه المادية!''.
ومن وجهة نظر إيهاب الهزايمة، فإن عزوف كثير من الشباب عن مهنة المعلم بسبب غياب الحوافز، ودخلها أقل بكثير من ضغط العمل الذي يتحمله المعلم.
وألمح إلى أن التغيير المستمر للخطط والمناهج، وعدم الاستقرار على آلية عمل واضحة ومناهج مستقرة، أرهق المعلمين وزاد من عزوف الكثيرين عن هذه المهنة النبيلة.
ودعا الهزايمة الوزارة إلى إعادة الاعتبار للمعلم، من خلال إعادة النظر في الرواتب، ووضع قوانين تزيد من احترام المعلم أمام المجتمع والطلبة.
وفي ذات السياق قالت جمانة داوود، مدرسة فيزياء؛ إن بعض الخريجات الجدد يستنكفنّ عن التعيينات لأن هذه المهنة ''أصبحت لا تقدم أي نوع من الحوافز لصاحبها مهما كانت جهوده''.
وبرأي إيمان صوالحة، مدرسة حاسوب، أنه لا بد من إعادة الهيبة للمعلم لأن فيها تأثيراً كبيراً على مخرجات التعليم في المدارس، فغياب الاحترام للمعلم من قبل بعض الطلاب والأهالي أثّر سلباً على أداء المعلمين في المدارس.
وشددت على ضرورة تحسين الوضع المادي للمعلم، حتى يتمكن من إعطاء مهنته أفضل ما يمكن بنفسية مريحة.
وتتفق كلٌ من رنا شفا وسامية سليمان على ضرورة إعادة تقييم ظروف المعلمين داخل المدارس من حيث الرواتب والإجازات السنوية وطريقة تعامل الإدارات معهم، إضافة إلى أهمية إعادة النظر بالقوانين الرادعة والناظمة للعمل داخل المدارس بطريقة تضمن الهيبة للمعلم والتعليم الصحيح للطلاب.
وقالت منار عواودة، مدرسة رياضيات، إن بعض الفتيات يرفضن الاقتران بشباب يمتهنون التعليم بسبب دخل المعلم المحدود برغم اهمية وقدسية هذه المهنة.