لا يمكن النظر إلى السينما بمنأى عن الواقع الذي نعيشه لأننا نعيش منظومة تتشعب وتؤثر عناصرها في بعضها البعض،وقد تكون سوداوية معظم أفلام السينما في الوقت الحالي تعبيرا عن حالة السخط التي يعيشها المجتمع لكن الفارق بين رصد أزمات المجتمع والشعور بهذه الازمات كبير للغاية، وهو الفرق بين لب القضيه وقشورها التي لا تزيد على كونها شعارات جوفاء.
ويأتي فيلم ''بلطية العايمة؟'' للسيناريست بلال فضل لينضم الى معسكر الشعارات البراقة متخبطا بين كثير من القضايا التي يحاول أن يطرحها مستغلا كل مايجده في الواقع من قشور لا تشبع العين لأنها تفتقد القدرة على الإدهاش الذي تتحلى بها السينما باعتبارها نوعا من الإيهام الذي يعتمد على الواقع في نسج خيوطه.
فالقضية شائكة ولا تستطيع امساك خيط درامي حتى تتعثر في خيط آخر يلقيك الى ثالث ، وهكذا دواليك فلا تجد بين شبكة العنكبوت التي غزلها بلال فضل ما تستطيع التمسك به لمدة خمس دقائق متواصلة ، لانه يحاول حشد اكبر كم من المواقف غير المترابطة والتقليدية من حيث البناء في صراع البسطاء ورجال الأعمال ، أو صراعهم مع الحياة وهي المواقف التي لا تجد لها سبيلا إلا من خلال شخصية '' بلطيه العايمه '' التي جسدتها عبلة كامل ، تلك الساحرة التي فقدت الكثير مع تكرارها لاداء هذه الشخصية في افلام سابقة تعاونت خلالها مع بلال فضل الذي يعمل جاهدا على سلبها ما تبقي من بريقها كممثلة ، اشتم رحيق موهبتها في افلام مثل '' هستيريا '' او ''؟يوم مر ويوم حلو '' وغيرها من الشخصيات التي قدمتها قبل ان تضللها احلام البطولة المطلقة .
ولا يمكن ان ننكر ان عبلة كامل مختلفة قليلا في ادائها لشخصية '' بلطية العايمة '' ولكن السيناريو الفقير لم يمنحها الفرصة للخروج من عباءة '' خالتي فرنسا '' بشكل كامل، فالاختلاف لا يتحقق بالتخلي عن الاضحاك واللجوء الى ابكاء المشاهد لان تأثير كل منهما يتحقق من خلال السيناريو أو رؤية المخرج التي جاءت مختلفة عن أفلامه السابقة وهي الازمة التي تعيشها مي كساب في هذا الفيلم فعندما تراها تدرك انك امام البنت '' البيئة '' التي شاهدتها من قبل في حلقات '' تامر وشوقية ''، وقد تشاهدها لاحقا في فيلم '' الفرح '' لانها تخشي من اختبار موهبتها في نوعيات اخرى من الادوار ورغم اجتهاد ادوارد الواضح فلم يخدمه السيناريو كثيرا ، ولكني اعتبر مشاركة علاء مرسي في هذا الفيلم وادائه لهذه الشخصية غير المؤثرة او المفهومة ، اهانة لتاريخه ومنزلته التي قد لا يدركها البعض ولكنها اكبر من ان تستغل هذا الاستغلال السيئ.
وقد نرى ان السيناريو مهترئ الى حد كبير ولكنه قدم بعض المشاهد الانسانية التي نفذها المخرج علي رجب بشكل جيد مثل مشهد موت الأم الذي جاء غريبا لكونه غير تقليدي ومبتكرا ويلخص حالة شعورية خالصة كما ان مشاهد ''الفوتو مونتاج'' للقاء عبلة كامل بالبحر والتي تكررت خلال احداث الفيلم كانت غريبة هي الاخرى لانها عبرت عن الحدث الدرامي بدون استخدام كلمات سوقية كتلك التي امتلأ بها حوار الفيلم، كما جاء الديكور معبرا الى حد كبير خاصة ان الفيلم تم تصويره في منطقة الماكس بالاسكندرية التي تدور فيها احداثه ولكن لم يستغل ''اللوكيشن'' بشكل جيد، فبعيدا عن الصورة الرائعة لمحسن نصر او كادرات علي رجب يمر السيناريو على المكان مرور الكرام رغم ان المكان حاضر بشكل كبير في الحدث الدرامي الرئيسي للفيلم وهو رغبة رجل الاعمال - الذي جسده سامي العدل بكاريكاتورية لا تليق بتاريخه - في الاستيلاء على مساكن '' الماكس '' ؟وتحويلها الى منتجع سياحي.
ورغم سلبيات الفيلم الا ان الجانب المضئ منه يتمثل في حالة الاختلاف التي تملكت مخرجه علي رجب ليحاول تقديم عمل جيد لكنه لم يلتفت للسيناريو ولم يعمل عليه كثيرا لتهذيب مشاهده وإزالة أدرانه التي اجتهد في التعبير عنها بصريا ، ولكنه بدا كمن يحرث في البحر، كما يعتبر الفيلم اضافة نوعية لمنتجه احمد السبكي الذي اخذ منحي مختلفا في فيلم '' كباريه '' ثم فيلم '' بلطية العايمة '' لاختلافهما عن نوعيه الافلام التي قدمها من قبل.
