(لقد بدأ العمل الحقيقي الآن ..). بهذه الكلمات البسيطة، علق رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في لوكسمبورغ، على بدء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وكان طلب تركيا الانضمام للاتحاد قبل سنوات، قد أثار جدلا واسعا بين دوله وحكوماته وشعوبه، ما بين مؤيد للمسألة ومعارض لها. فالشعب الفرنسي لا يرى له أدنى مصلحة من انضمام تركيا لاتحادهم لعدة أسباب أهمها أنهم يخشون والهولنديون من خسارة أعمالهم لمصلحة عمال أتراك ذوي أجور منخفضة، كما أنهم قلقون من الكلفة التي قد تترتب عليهم في مساعدة بلد فقير مثل تركيا.. في المقابل، عبر الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن موقفه المؤيد لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ودعا شعوب الاتحاد (للتفكير في المستقبل قليلا)، وأورد عددا من الأسباب الداعية لموقفه. ويبدو أن عددا من الدول الكبرى سوف تدعم هذه الخطوة، بل وتقدم إمكانياتها في سبيل تحقيقها، مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي أظهرت دعمها القوي لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، عبر تصريح وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس. ولكن، وبغض النظر عما ستؤول إليه الأمور بعد حوالي عشر سنوات من الآن، وهي الفترة المتوقع خلالها أن تنجز تركيا متطلبات انضمامها للعضوية الأوروبية، فإن مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، تستدعي التفكير بثلاثة أمور على الأقل: أولا: على الصعيد الداخلي: سوف تكون الأجندة التركية مليئة بالخطوات التي يجب اتخاذها لتحقيق الحد الأدنى من شروط العضوية، ولعل أهمها موقف الحكومة التركية من شبه الجزيرة القبرصية، وضرورة اعترافها بحكومة القبارصة اليونانيين والتوصل لحل سلمي واستقرار دائم للجزيرة، بشقيها اليوناني والتركي. بالإضافة إلى تسريع الخطوات اللازمة لتحقيق حد من الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي في البلاد. وكلتا المسألتين تمارين هامة لتركيا باتجاه الديمقراطية والعلمانية والتأورب...!!! ثانيا: العلاقات التركية مع إسرائيل: إن العلاقة ما بين تركيا وإسرائيل علاقة متميزة تاريخيا، وتنزع للتعاون الوثيق مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، حتى في أشد مواقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. وهنا لا بد من الإشارة إلى موقف تركيا المتعاطف مع القضية الفلسطينية تحديدا، ولكن المصالح المشتركة مع إسرائيل ترجح الكفة دوما لصالح إسرائيل. ولا ننسى على سبيل المثال الاتفاقية التي تم توقيعها بين البلدين قبل سنوات قليلة، بما يخص الدفاع والتعاون المشترك بينهما على أعلى المستويات، في مواجهة الدول العربية والإسلامية كالعراق وسوريا وإيران وغيرها...! ثالثا: العلاقات التركية مع العالم العربي: إن علاقات تركيا بالعالم العربي، على العكس من علاقتها بإسرائيل، علاقة متذبذبة تسودها الشكوك وأجواء التنافر في كثير من الأحيان، وهي علاقات بحاجة لإعادة النظر فيها بشكل جاد، ووضع ثقل كبير باتجاه تجسيرها لبناء علاقات قوية مع تركيا التي تقف على بوابات الاتحاد الأوروبي. وكما قال رئيس الوزراء التركي أردوغان:لقد بدأ العمل الحقيقي الآن، فإن المصلحة العربية المستقبلية تقتضي العمل والتحرك لخلق تأثير مضاد لدى مجموعة الاتحاد الأوروبي، لما قد ينتج عن العلاقة الوثيقة بين تركيا وإسرائيل. وبمعنى آخر نريد من تركيا المستقبل أن تكون حليفا قويا لقضايا الأمة العربية في الاتحاد الأوروبي وليس العكس، خاصة وأن مواقف الاتحاد من قضايانا تعتبر الأفضل من بين دول العالم، وهو الأمر الذي يجب أن لا نفقده، بل من الضروري أن نسعى لتعميقه نحو مزيد من التفهم الذي يسمح بالالتقاء على أرضيات مشتركة وأكثر اتساعا. وأخيرا، قد يبدو انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، مسألة لا تعنينا في العالمين العربي والإسلامي، ولكنها ستكون غاية في الأهمية والتأثير المباشر علينا بعد عشر سنوات من الآن. فمتى نتحرك؟ متى نأخذ مقولة رئيس الوزراء التركي بالاعتبار ونبدأ العمل باتجاه توثيق العلاقات البينية والكلية مع تركيا لتحقيق حد أدنى من التفاهم المشترك، بحيث تكون تركيا الحليف القوي لنا في الاتحاد الأوروبي؟ أو على الأقل متى نتحرك كي لا تصبح تركيا بوابة لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي الذي ظل حليفنا لسنوات ؟؟ وهو أقل ما يمكننا إنجازه..!
