اذا شئنا ان نعود الى تاريخ فلسطين، والى الوقائع الوطنية والقومية والثورية، والى مأساة التوغل البريطاني التي مهدت للتوغل الصهيوني، والى انشطة المقاومة والارهاب الذي تعرض له الابرياء الفلسطينيون، وعملية اغتصاب الارض وتشريد اهلها، فان الوسيلة الوحيدة المتاحة لتغطية كل النقاط المطلوبة، هي الصحافة الفلسطينية القديمة التي صدرت في النصف الاول من القرن الماضي، الذي لم تكن لدى الناس اشرطة تسجيل او اشرطة فيديو او كاميرات او كمبيوترات. ومن يريد ان يصل الى الدقة والتفاصيل والاطلاع على الشروحات والمعلومات العابرة، لا يملك سوى الوسيلة المذكورة، كما لا يملك سوى العودة الى اوراق الصحف المخبأة او المحتفظ بها، لمشاهدة الصور والتقارير والاخبار المنشورة. وعلينا ان نعترف جميعا، ان ما نعرفه من وقائع فلسطينية عبر النصف الاول من القرن السابق تكاد تكون محدودة وقليلة، وجزءا من التاريخ البعيد المنصرم.
ولو جرى تحرير فلسطين وعودة اللاجئين واقامة دولة فلسطينية ذات سيادة واستقلال، فاننا لا نعبأ كثيرا بالعودة الى تاريخ هذا القطر العربي العزيز، لكن الواقع الحالي، يؤكد على استمرارية تشريد اللاجئين، واستمرارية الاحتلال، واستمرارية الارهاب ضد اهل فلسطين، واستمرارية رفض الشرعية الدولية، الامر الذي يدفعنا الى مراقبة ما مضى، ومراقبة ما جرى، ومراقبة ما يحدث في الوقت الراهن. وكي نعود الى الماضي، فان قراءة الكتاب الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، والحامل لعنوان «صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن 1900 - 1948»، لمؤلفته الدكتورة عايدة النجار، يساعد على معرفة الكثير من الشروحات والمعلومات، ويبرز دور الصحافة الفلسطينية، ويقدم عددا مكثفا من الحقائق التي يسعى اليها كل مخلص لهذه القضية.
ومن ير هذا الكتاب، الذي يقارب عدد صفحاته (550)، ويتابع المراجع والمصادر التي اعتمدت عليها المؤلفة، سوف يدرك ان الدكتورة عايدة النجار امضت عدة سنوات، وهي تعمل على اعداد دراستها الواسعة وبحثها النادر. فقد تطرقت الى الوضع الفلسطيني والانتداب البريطاني والصحافة الحزبية ومراحل الثورات الفلسطينية، وتطرقت لاوضاع المعتقلين والسجناء ودار الاذاعة الفلسطينية وآليات القمع وقوانين الصحافة والمطبوعات لكتم صوت الفلسطينيين، مع تخصيص الفصل الاخير لمرحلة ما قبل النكبة حول الصحافة والحركة الوطنية تحت الانتداب، بالاضافة الى ثلاثة ملاحق اولها «صور نخبة من اعلام الصحافة والفكر» وثانيها «المراجع العامة»، وثالثها «فهرس الاعلام».
ورغم اننا لا نكتب التعقيبات حول الكتب الصادرة، الا ان هذا الكتاب يستحق لفت نظر القراء اليه، ويستحق حفزهم لاحتوائه وقراءته، كما ان مؤلفته الدكتورة عايدة النجار، تستحق من كل من يطلع على كتابها الجديد، ان يوجه اليها التحية والتقدير والشكر الجزيل.