لا يمكن التحدث عن حقوق الانسان، دون ان نأخذ بعين الاعتبار السمة الاساسية لعالمنا وعصرنا.
وتركيبة العالم ما بين دول الرفاه ودول الفاقة (دول التمدن ودول العوز) كتركيبة في معظم الازمنة منذ بدء الخليقة، وعلى اساس هذه التسميات نتوقع ان يكون استهلاك الحاجات الزائفة على حساب الحاجات الضرورية في دول الرفاه، ولكن حقيقة الامر غير ذلك.
فنرى دول الرفاه، دول تدفق المعلومات والمعرفة، او دول الامكانات الهائلة، دول تقدم التقنية وثورة العلم، التقنية التي اسماها دمج العلم بالعمل، الدول التي يشارك مواطن الرفاهية دولته في استمرارية استحواذها ونفوذها وامتلاكها مفاتيح القوة.
ومن هذا المنطلق يرى بانه لا حاجة لإن يطالب بحقوق الانسان والمواطنة، في حين ان من يتنعم في دول الفاقه، دائم الاستهلاك ويريد ان نمد له يد العون دائما على الاستحواذ الخاص به فيبدأ بالمطالبة بحقوق الانسان وحقوق المواطنة، والغريب بالامر انه يطالب للعموم ليصبح هو بذلك من النخبة.
ان مسألة حقوق الانسان، مسألة ايديولوجية قبل ان تكون قضية عالمية، فما تراه بعض الشعوب انه حق تراه الاخرى انتهاكا.
وحقيقة الامر ان ما يجمع الشعوب في هذا الزمن هو تراجع الروح والمطالبة بحقوق الانسان المادية لا غير.
ويتماهى، في عالم اليوم مفهوم الحق والحقوق، واذا كان الحق هو التعبير الذاتي للقوة، فالقوة هي التطبيق العملي للحق، ولذا فلا يمكن الدفاع عن حقوق الانسان الا بوسائل تتفق مع مضمونها.
والذي يتمتع بالديمقراطية داخل وطنه الام، هو بالضرورة يتمتع بانسانيته قبل كل شيء، رغم الجدلية القائمة بين الديمقراطية والتقدم الاجتماعي.
هناك حقائق بديهية لا يختلف عليها اثنان، مثل ان جميع الناس يولدون متساوين، وان خالقهم يمنحهم حقوقا مثل حق الحياة، وحق السعادة فيها.
الا ان الكثيرين يتناسون الآليات الصحيحة لاكتسابهم هذه الحقوق.
فنرى البعض يتمادى على حقوق الغير ليحقق حياة يرى هو انه يستحقها، والاهمية في كسب الحقوق هو الوصول اليها لا غير.
وانا هنا اتحدث عن كافة الحقوق السياسية والاجتماعية.. الخ وعلى الفرد ان يكسب حقوقه، مراعيا حجم هذه الحقوق والظروف المحيطة.
حقوق الانسان، حقوق المواطن، هي جزء من حقوق دولته، وان لكل صاحب حق بالتأكيد واجبات.
لعلنا نرى يوما منظمات ـ على الاقل في الدول العربية ـ تطالب بواجبات الانسان. وواجبات المواطن، كالتي تطالب بحقوق الانسان وحقوق المواطنة، فالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان كلها موقوفة على فهمها قبل اكتسابها، ويبدو ان مستقبل الديمقراطية وحقوق الانسان في الوطن العربي مرهونة فعلا بالفهم اولا.
واذا كان الاعلان العالمي لحقوق الانسان قد صدر عن الامم المتحدة فان الاعلان عنها في الاسلام، قد سبق الامم المتحدة بمئات السنين، لا بل ان مبادىء التسامح والرحمة والعدل والاحسان والحرية المهذبة والمساواة من تراث العرب عموما.