عمر هلسة - لم يختلف المؤرخون قديمهم وحديثهم على شخص عالمٍ كما اختلفوا على العالم العربي المسلم جابر بن حيان أحد أقدم علماء العرب والذي ظهر في أوائل القرن الثاني الهجري، فمنهم من أنكر وجوده ومنهم من أتبع مصنفاته لرسائل إخوان الصفا ومنهم من أكد على وجوده وتأثيره في مسار العلوم والطبيعيات وعلى رأسهم أشهر أطباء الحضارة أبو بكر الرازي والذي كان حين يشير إلى أسمه وإنجازاته في مؤلفاته يسبقه بلقب أستاذنا .
ولد أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي حوالي عام 102ه/721م في مدينة طوس من أعمال خرسان وأصله من اليمن إذ كان والده صيدلانيّاً ومن المواليين لبني العباس فأرسلوه لينشر دعوتهم في خرسان حيث ولد وترعرع جابر بن حيان وبعد أن أرست الدولة العباسيّة قبضتها على الحكم انتقل وأهله إلى الكوفة سنة 132ه ودرس علوم الدين واللغة على يد الإمام جعفر الصادق واستقى الكيمياء من مصنفات خالد بن يزيد بن معاوية فكانت هي الأشهر قبل دخول ابن حيان إلى عالم الكيمياء مؤلفاً ومبتكراً وعالماً وكانت وفاته حوالي العام 199ه/815م .
مارس جابر بن حيان مهنة الطب في بداية حياته وكان طبيب وزير الخليفة هارون الرشيد جعفر البرمكي ولكنه ركز ابداعه في البحث في علوم الكيمياء فأدخل البحث التجريبي إليها واكتشف القلويات وعدد كبير من العناصر والمركبات في فترة زمنية كانت الحضارة لا تعرف عن الكيمياء إلا أقل القليل وكانت تقتصر على هاجس تحويل المعادن البخسة إلى الذهب فاستحق ابن حيان بإنجازاته العبقرية ونقله هذا العلم من الخيمياء إلى الكيمياء لقب الأستاذ الكبير ولقب شيخ الكيميائيين ولقب أبو الكيمياء .
من أشهر كتب جابر بن حيان كتاب السموم ودفع مضارها والذي قسمه لخمسة فصول في أسماء السموم وأنواعها و تأثيرها وعلاماتها على الإنسان وكيفية علاجها وذكر فيه سموم الأفاعي والعقارب ونبات الأفيون والحنظل والزرنيخ وغيرها الكثير ووضع في كتابه الكيمياء الجابرية ما اكتشفه في حقل الكيمياء من عناصر ومركبات ككلوريد الزئبق و المستحلب الكبريتي وله مئات المصنفات منها ما فُقد مع الزمن ومنها ما نُسب لغيره من العلماء ووصلنا عن جابر كتاب استقصاءات المعلم وكتاب الوصية الجابرية و كتاب الموازين وكتاب الخواص الكبير و كتاب الزئبق وعشرات الكتب غيرها مما ثبت نسبه إليه.
لم يكن جابر بن حيان كيميائين بارعاً فحسب فبكل علمٍ كان له ضلع واقترنت مؤلفاته بآراء ونظريات حسابية وفيزيائية وألف رسائل في آداب طلب العلم وجاء على لسانه ضوابط تحكم علاقة التلميذ بأستاذه منها: .. أما ما يجب للأستاذ على التلميذ فهو أن يكون التلميذ ليناً ، مقبلاً لجميع أقواله من جميع جوانبه ، لا يعترض في أمر من الأمور ، فإن ذخائر الأستاذ العلم ، ولا يظهرها التلميذ إلا عند السكون إليه ، ولست أريد بطاعة التلميذ للأستاذ أن تكون طاعته في شؤون الحياة الجارية ، بل أريدها طاعة في قبول العلم وأضاف أيضاً فيما وجب على الأستاذ أن يقدمه لتلميذه ويراعيه فيه فيقول ابن حيان: .. و أما ما يجب للتلميذ على الأستاذ فهو أن يمتحن الأستاذ توجيه المتعلم ، أي جوهر المتعلم الذي طبع عليه ، ومقدار ما فيه من القبول والإصغاء ، وقدرته على القبول . وكلما احتمل الزيادة زاده ، مع امتحانه فيما كان قد تعلمه .. وتبين آراءه السابقة فلسفته في منح العلم للمريدين وما لهم وما عليهم من معلميهم ليكون بذلك سبّاقاً في مسألة فلسفية مهمة عالجتها أغلب النصوص القديمة والحديثة وليكون من أقدم المتحدثين في علوم التربية والإجتماع عند العرب.