حمزة بصبوص - على يسار مخرج مجمّع الزرقاء الجديد، وعلى بعد حوالي خمسين متراً إلى الشمال، وعلى مرأى من أعين المارة الخجولة، نساءً ورجالاً وأطفالاً، تحوّلت إحدى زوايا المكان، الذي لا يكاد يخلو من الناس حتى ساعات متأخرة من الليل، إلى دورات مياه مكشوفة، لا يحدّها جدار، ولا يسترها غطاء؛ ليأمّها عددٌ كبيرٌ ممن وضعوا الحياء جانباً، وضاقت بهم أحوال المجمّع المترديّة ذرعاً، فتناسوا عيون المارّة التي ترمقهم من قريب وبعيد، تارة بخجل، وتارة أخرى بتعجّب، وتارة ثالثة بضحكات تعجُّ بها جنبات المكان، وسط صراخ كنترولية الحافلات، كلٌ على وجهته.
عجيب أمرُ هؤلاء، فعندما شاهدت أحد المارة من بعيد لأول مرّة يقضي حاجته في تلك الزاوية، اعتقدت أنها حالة فردية، يمارسها شخصٌ فقد عقله ليس إلا، وظننت أنني لن أشاهد ذلك مرّة أخرى؛ لكن أصابتني دهشة عظيمة، واعتراني خجلٌ، لم أتحمّل معه تكرار النظر إلى أشخاص آخرين يرتادون المكان للسبب ذاته، وبشكل مستمر.
ولأنني لم أصدّق ما رأيت؛ فقد قادني فضولي للاقتراب من تلك الزاوية، التي لا يبعد اصطفاف أقرب طابور لباصات عمان - العبدلي أكثر من عشرة أمتار عنها، فأخذتني خطوات سريعة لأستكشف المكان، للتأكد مما رأيت، محاولاً تكذيب نفسي، لكنّ ما رأيته من بعيد وجدت آثاره في تلك الزاوية، فالروائح كريهة، ومنظر المكان مقزز ؛ الأمر الذي لم يدعني أستغرب قيام غالبية المصطفّين بالطابور بتنفيذ حركة واحدة، مجبرين عليها، ألا وهي سدُّ أنوفهم بواسطة أصابعهم؛ متضرعين إلى الله أن يُرسل لهم الحافلة بأسرع وقتٍ ممكن؛ للتخلص من استنشاق تلك الروائح الكريهة التي يبعثها المكان.
لم أستطع أن أمكث في المكان سوى دقيقة واحدة، التقطت خلالها صورة لتلك الزاوية، وقفلت عائداً لمكان وقوفي بانتظار باصات الزرقاء - الجامعة الأردنية، متجهاً إلى عملي، لكنّ الأثر المقزز الذي أصاب نفسيتي جعلني أسأل أحد الأشخاص الذين يقفون أمامي في الطابور: لماذا يفعل بعض الناس هنا ذلك؟ فأجاب باختصار: لا توجد دورات مياه في مجمّع الزرقاء الجديد، وحتى إن وُجِدت، فإنها ستصبح ليلاً مرتعاً لأرباب السوابق.
فسألته مرة أخرى: لماذا لا يكون هناك حارسٌ أوعاملٌ يحول دون هذه الممارسات؟ فأجاب مبتسماً: ومن يقبل أن يكون الضحيّة الأولى لأرباب السوابق؟ أيها المعنيون: انعدام النظافة، فقدان الخدمات، انتشار أرباب السوابق بصورة لافتة، تجدونها جميعاً في مجمع الزرقاء الجديد، فهل من حلٍّ؟
مجمّع الزرقاء الجديد.. عندما تُسد (الأنوف)!
12:00 21-8-2008
آخر تعديل :
الخميس