تجربتي مع الكتابة

تجربتي مع الكتابة

انها سيرة صداقة عشتها مع الورق والقلم كنت سأحكيها مع بعض طلبة مدرسة اليوبيل في دعوة كريمة منعتني عن تلبيتها ظروف سفر اضطرارية، لذا آثرت ان احكيها لهم كاعتذار عن عدم لقائي بهم، علهم يستفيدون من تجربة كاتبة عاشت اجمل الصداقات، وبنت احلى علاقة مع الورق والقلم.

الكتابة بحد ذاتها هي عصارة الذات، وسلطة الكلمة حين تتسيد وتبسط سيطرتها على فكر الاخرين.. هي بوح جريء من نوع خاص واختراق للاشارات الخضراء تصل لمتلق متنوع هي تنفيس لخلجات النفس حين تنوء باحمالها، هي تفريغ للعقل المحمل بالافكار والاراء هي حضن دافىء ووعاء نظيف يمتزج به الحبر بالدمع ملبيا استيقاظ الاعصاب وتوترها هي عين الكاميرا الذكية الباحثة عن كل جديد وكل جميل وكل قبيح، وكل ثابت، وكل متغير، لتلتقطه وتقدمه وجبة سائغة لجائع للمعرفة، او متعطش للعلم، او تواق للسمو، او هاو للقراءة.

الكتابة هي عبارة عن عملية تفريغ للقراءة بعد ان تطبخ في فرن العقل والقلب والوجدان تجربتي مع الكتابة هي تجربة الغواص مع لآلئه، والعازف مع اوتاره، والفنان مع ريشته هي تجربة العصفور الملتجىء الى عشه بعد نهار عاصف، وتجربة النمل وهو يحمل بصبر على ظهره النحيل مؤونة الشتاء، هي تجربة النحل وهو يتنقل بين الازهار يمتص الرحيق ويطرحه عسلا فيه شفاء للناس. وكما يحب الرسام لوحته والشاعر قصيدته، والمزارع حقله، والموسيقي لحنه كذلك احببت ورقي وقلمي.

الكتابة سكني ومسكني فعلى الورق ابني احلامي فاضحك وعلى الورق استرجع ذكرياتي فأبكي، للورق ابث شكواي ونجواي، وامتطي القلم بساطا سحريا اجول به في مختلف العوالم الكتابة مسرحي الخاص بي افتح ابوابه متى اريد ولمن اريد.... العب على خشبته ما اراه وما احسه، وما انقده.

الكتابة صديقة لحوحة لا تكل ولا تمل عن طلباتها. ومن شدة حبي لها لا اجد غضاضة في تلبية اوامرها... انها تتحرش بي كالوجع الذي ينخزك ولا تتركني هادئة... توقظني من نومي، تسلب راحتي.. انها ملتصقة بروحي بوجودها ارتاح .. انها وجعي الممتع. فالكاتب الحر يظل دائما في حالة استنفار دائم، ولديه غرفة طوارىء لا تغلق ابوابها.

وصفها الشاعر نزار قباني بقوله:

نار الكتابة احرقت اعمارنا فحياتنا الكبريت والاحطاب

ما الشعر؟ ما وجع الكتابة.. ما الرؤى اولى ضحايانا هم الكُتّاب..

اخلد اليها كما يخلد الحبيب الى حبيبته ربما لانني احبت الحوار وانتقد المحاور الذي يتجاوب مع لغتي.. لا انكر انني كنت اخشاها في بداياتي وانا احبو على الورق بخجل، لم يمنعني التعثر على الوقوف من جديد وتكرار المحاولة مرات ومرات دون ان يعتريني الملل او يغلفني اليأس... ما شجعني اكثر واكثر ما لمسته من تعابير الاعجاب ممن قرأوا لي او سمعوني وفي كثير من الاحيان كنت اعتبر اطراءهم مجاملة لي خاصة وانها تصدر من اهل واصدقاء مشكوك في شهادتهم... وكثيرا ما كنت اخشى الظهور الى العلن او البوح بحبي لهذه الصديقة التي لازمتني عمري، لذا كنت اعمرها بالمادة اللازمة لدوام حياتها وهي التزود بالقراءة لأبعث في نفسي شعور الثقة بالذات والثقة بقلمي الذي انساب بين يدي كالماء الزلال كلما راودتني فكرة او داهمني حدث يرفض التأجيل والانتظار.

كثيرا ما اشعر بتخمة فكرية لا اجد لها مصرفا الا الورق تماما كالحامل الذي اتمت شهورها التسعة فجاءت ولادة مشبعة بالصحة والعافية تخرج من القلب لتحل في القلب فأنعم بصحة الوالدة والمولود.

قد لا تختلف حكايتي مع الكتابة عن غيري من الكتاب، لكن لكل كاتب هوية خاصة به ومن لاهوية له لا يستحق لقب الكاتب، فعليه اولا ان يحترم ذاته ليحترمه القارىء وذلك حين يضعك في حالة اندهاش مستمر، واختراع الجديد المبهر ليظل متربعا على عرش الكلمة الصادقة الحرة..

ان الكتابة هي انتصار للذات في تحقيق ما تشتهي وما تصبو اليه.. انها الارادة الصلبة التي تزول امام اصرارها كل العقبات، فمن يجد في ذاته وموهبته دافع الكتابة فليخص التجربة ولا يخف.. انه في النهاية يحقق شيئا ما اهمها الرضا عن الذات..!!