في شهر يناير 2005، صادق مجلس الشيوخ الاميركي على تعيين كوندليزا رايس لتصبح الوزير السادس والستين للخارجية الاميركية، ورايس معروفة بقربها الشخصي من الرئيس الاميركي وعائلته، وهي خلفت كولن باول، لتصبح اول اميركية من اصل افريقي تتزعم دبلوماسية اعظم واخطر دولة في العالم. وقد جاء تعيينها في اطار محاولة بوش الابن لاستثمار خبرة والده «الذي عملت معه رايس في البيت الابيض»، ومن المعلوم ان رايس تحظى بنفوذ في عالم النفط حتى ان اسمها اطلق على احدى ناقلات النفط الكبيرة، وهي عضو في مجلس ادارة شركة سيفرون للنفط ذات الشهرة العالمية، هذا وتركزت المداولات حول ترشيحها على حرب العراق ودور رايس في اسداء المشورة للرئيس بوش بخصوص الاطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق. بيد ان الاستجواب المطول لرايس من قبل اللجنة، والذي استغرق «11» ساعة على مدى يومين، تركز على عملية صنع السياسة الخارجية الاميركية والادوار التي يلعبها الكونغرس ومستشارو الامن القومي. ومنذ ان اضطلعت رايس بمنصبها الجديد والكل يتساءل كيف سيكون عليه وضع السياسة الخارجية لاكبر دولة في العالم، وهناك ثلاثة اسئلة ستقرر كيف سيحكم التاريخ عليها، اولها يتمحور عن دورها في توجهات السياسة الخارجية عندما كانت مستشارة للامن القومي، وثانيها عن مدى صعوبة القضايا التي واجهتها، وثالثها عن دورها في تنفيذ السياسة الخارجية؟ تتمتع رايس بميزة كبيرة لم يتمتع بها سلفها في وزارة الخارجية، الا وهي ثقة الرئيس بوش الكبيرة بها، والعلاقة الاسرية الحميمة التي تربطها بعائلته، وبعد احداث ايلول 2000، دخلت الولايات المتحدة في حرب معلنة ضد «الارهاب» واصبحت سياستها الخارجية اكثر «عدوانية» او اكثر «مبادرة»، «حسب الاوصاف المتداولة»، ويقال بان رايس كانت وراء تبني الولايات المتحدة، على نحو صريح، مبدأ الضربات الاستباقية، وهناك عدة قضايا رئيسية ستواجه رايس في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بوش، اولها قضية العراق، الذي برغم نجاح الانتخابات النيابية التي جرت فيه في يناير الماضي، فان العنف يمزق البلد مما يوحي بان اي تخفيض محتمل للقوات الاميركية هناك لا يزال بعيد المنال، كما ان الطريق في مجال بناء الدولة لا يزال طويلا ومحفوفا بالمخاطر، فهل ستتمكن الولايات المتحدة من اقامة نظام ديمقراطي قابل للحياة في العراق يكون نموذجا يحتذى من جيرانه؟ إن نجاح او فشل السياسة الاميركية في العراق سيكون المحك الاول لرايس كوزيرة للخارجية، وهناك قضايا اخرى غير عربية ستكون بلا شك محط اهتمام السياسة الخارجية الاميركية، ولعل من اهمها انتشار اسلحة الدمار الشامل وكيف ستواجه الولايات المتحدة ايران التي يقال انها سائرة في هذا الطريق، اما كوريا الشمالية الممتلكة لهذه الاسلحة فانها اصبحت بالتالي «خطرا متزايدا» على الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة جنوب شرق اسيا، الا ان اهم ما يعنينا هو سياسة وتحركات رايس في عملية النزاع الفلسطيني- الاسرائىلي. خلال فترة رئاسة بوش الاولى، تجنبت الولايات المتحدة الانخراط المباشر في هذه العملية بحجة ان زعامة عرفات جعلت من المفاوضات امرا مستحيلا، الا ان رحيل الزعيم الفلسطيني، وانتخاب محمود عباس رئيسا، هما تطوران وضعا الولايات المتحدة على المحك، وكما قال الرئيس الاميركي نفسه: «هدفنا هو دولتان ديمقراطيتان- اسرائيل وفلسطين تعيشان جنبا الى جنب»، وهنا يبرز السؤال: كيف ستتصرف الوزيرة تجاه هذا الموقف وما هو مدى جدية الادارة الاميركية في تنفيذ هذا التصور؟ وما هي حدود كل من «اسرائىل» و«فلسطين» التي يتم الحديث عنها؟ حدود العام 1967 ام الحدود التي يريدها شارون؟! فبالرغم من تمتع رايس بخبرة كبيرة في شؤون الاتحاد السوفيتي «حتى انها توقعت غيابه عن المسرح الدولي مبكرا» فانها تفتقر الى الخبرة نفسها «وربما للحماسة ذاتها» فيما يتعلق بطبيعة ومسار الصراع في الشرق الاوسط، ففي مقال لها منشور في مجلة «فورين افيرز» الشهيرة لم تتعرض رايس لاي شرح لمضمون التسوية السياسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين، بل انها قالت «ان القضية تحتاج فيما ثبت بالتجربة، الى «معجزة» وان رؤساء اميركيين سابقين اقتربوا من الازمة ولم يأخذوا منها الا حرق اصابعهم»، وفي اشارة الى ان «القضية» تقع خارج نطاق اهتمامات ادارتها، قالت ان الرئيس بوش لا يعتبر نفسه صانع معجزات، كذلك فهو لا يريد ان يحرق اصابعه!! وعندما تحدثت رايس عن اسرائيل، ركزت على ضرورة تعزيز قوتها الضاربة دون ربط ذلك بالسلام، فهل في هذا الكلام ما يستشف منه بداية تراجع لالتزامات الولايات المتحدة نحو حل الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي على اسس «عادلة»؟ سؤال سنعرف بعض الجواب عليه في اعقاب القمة الاميركية- الفلسطينية في الشهر القادم؟