رحل د. عبدالوهاب المسيري عن سبعين عاما و57 كتابا، وملايين من القراء المحبين والنقاد والخصوم ، وعن مجد عريض.
رحل الرجل الذي زامل على مقاعد الدراسة مستشار الرئيس المصري، أسامة الباز، وصادق -شابا- الكاتب المصري محمد حسنين هيكل وانتزع إعجاب هيئات الدولة المصرية صغيرا، فكان أن عيّن باحثا بمركز الأهرام للشؤون الاستراتيجية مكلفا برئاسة وحدة الفكر الصهيوني في الفترة بين 1970 و1975.
ويتفرغ بعد ذلك لدراسة الحركة الصهيونية والتاريخ اليهودي بإشارة من هيكل، ويصدر كتابه الأول نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني عام 1972، ليطوّره لاحقا في اتجاهات متعددة ويحقق فيها نجاحا مطّرداً.
أن الجلد والمثابرة اللتين أبداهما المسيري طوال أكثر من 35 عاما يعدان أمرا نادر الحدوث وشديد التكاليف، وقد رضي المسيري بكل ذلك في سبيل تحقيق مشروعه الفكري الذي جمع بين التحليل شبه المادي للتاريخ والقدرة على ملاحظة التفاصيل التي تصنع التوجهات الكبرى لحركة الجماعات البشرية، وقدم خلاصة ذلك فيما يسميه النموذج التفسيري القائم على توسيع مدخلات البحث وملاحظة كافة العوامل الداخلة في إطاره قبل استخلاص نتيجة نهائية.
أن اهتمام المسيري بالأدب واشتغاله بالإنتاج الأدبي تأليفا وترجمة قد ترك بصمة كبرى لم ينتبه لها الكثيرون، ولكن الأدب أنقذ فيه حاسة التفاعل مع المجتمع والتاريخ بشكل أكثر نزوعا للتعاطي مع الدين، وهي الميزة التي غابت عن رفاقه وجعلته قادرا على حل كثير من المعضلات التي تقف أمامها الفلسفات المجرّدة المنمّطة عاجزة.
أما الميزة الأخرى التي توافرت للدكتور الراحل فهي جلده الكبير على البحث، وإخلاصه لعمله بشكل قلّ نظيره، واستعماله الاستثنائي لعقله، الذي قاده لتحطيم كثير من المسَلَّمات التي استولت على الفكر العربي من طراز بروتوكولات حكماء صهيون التي تعتبر في الفهم الأبسط الخطة اليهودية للسيطرة على العالم ، لكن المسيري اعتبرها أكذوبة كبرى.
رحل المسيري ومعه رحلت قيمة بلا حدود وقامة بلا تعويض وإنسان لا يسمح التاريخ لنفسه باستنساخه ثانية. عن العرب القطرية .
المسيري يرحل عن 70 عاماً و57 كتاباً
12:00 5-7-2008
آخر تعديل :
السبت